مرسوم «الصوت الواحد» في ميزان الدستور الكويتي
في ضوء الخصومة الدستورية المعروضة حالياً على المحكمة الدستورية الكويتية بشأن مدى دستورية المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية سنقوم ببيان مدى دستورية المرسوم بالقانون المشار إليه، وذلك في إطار النظام الدستوري الذي يقوم عليه الدستور الكويتي.وقد نصت المادة 6 من الدستورعلى أن «نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر للسلطات جميعاً، وتكون ممارسة السيادة على الوجه المبين بهذا الدستور»، كما بينت المذكرة التفسيرية للدستور بأن النظام الديمقراطي الذي تبناه الدستور طريق وسط بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو النظام البرلماني بقصد ان النظام الرئاسي مطبق في الجمهوريات ويتطلب كون رئيس الدولة منتخباً من الشعب، كما قصد المشرع من هذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية.
ويستفاد مما تقدم بأن المشرع الدستوري أخذ في النظام السياسي الديمقراطيوالبرلماني من حيث الرقابة البرلمانية والذي بطبيعته يقوم على ركيزتين اساسيتين هما أولاً: الفصل بين السلطات، وثانياً: التوازن بين السلطات، والسلطات المقصودة بها السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.الفصل بين السلطاتوقد ثبّت الدستور الكويتي مبدأ «الفصل بين السلطات» حين نص في المادة 50 منه على ان «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، ولا يجوز لأي سلطة منها النزول عن كل أو بعض اختصاصها المنصوص عليه في هذا الدستور.أي ان المشرع الدستوري قد قرر صراحة مبدأ الفصل بين السلطات بدلاً من تقريره دلالة من واقع الأحكام الخاصة بالسلطات العامة (المذكرة تفسيرية لدستور الكويتي).ونجد أن المشرع الدستوري وضع سببين قانونيين لحل البرلمان ووضع قيودا على كلتا الحالتين، فتتمثل الحالة الأولى التي قررها المشرع الدستوري في المادة 107 فقد اعطى السلطة التنفيذية سلطة حل مجلس الأمة في مرسوم أميري مسبب وقيد هذه السلطة بأنه لا يجوز حل مجلس الأمة مرة أخرى لذات السبب، ويفترض هذا النص أنه في حال صدر مرسوم اميري بحل مجلس الأمة لسبب محدد وتمت الانتخابات وفق الإجراءات المقررة قانوناً وعاد ذات المجلس المنحل أو أغلبية أعضائه لا يجوز هنا حل مجلس الأمة مرة أخرى بذات السبب السابق ويتضح جلياً هدف المشرع من اشراك الشعب في الحكم.أما في الحالة الثانية التي قررتها المادة 102 من الدستور والتي وضع فرضيتها المشرع الدستوري، وهي في حال إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة 101 عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة. وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بذات الأغلبية عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن، وتشكل وزارة جديدة، فالدستور الكويتي لم يأخذ بالنظام البرلماني في مسألة إسقاط الحكومة بأكملها واستعاض عنها بنظرية حديثة اقترنت بالدستور الكويتي وهي فكرة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء أي الغاية التي توخاها المشرع الدستوري هو تحكيم الشعب المتمثل في هيئة الناخبين في الفصل بهذه المسألة ورتب على نتيجة اختيارهم بقاء رئيس مجلس الوزراء أو عزله. ويتضح مما تقدم فإن المشرع الدستوري قد جعل في كل من حالتي حل مجلس الأمة الآنف شرحهما من هيئة الناخبين هم القيد والحكم باعتبارهم الرقيب على السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية المتمثلة في حل مجلس الأمة. الرقابة للدستوريةوبالرجوع إلى المادة 173 من الدستور والمادة الأولى من قانون إنشاء المحكمة الدستورية رقم 14 لسنة 1973 نجد أن المحكمة الدستورية هي المختصة بالرقابة على دستورية القوانين والمراسيم بقوانين وأن الرقابة القضائية لدستورية القوانين تعتبر عاملا لحفظ التوازن بين السلطات الثلاث لاستعمال كل منها سلطتها على الوجه المبين بالدستور.وحيث انه بتاريخ 6 أكتوبر2012 صدر مرسوم أميري رقم 241 بحل مجلس الأمة، وبتاريخ 21 أكتوبر 2012، صدر المرسوم بالقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية متضمنا استبدال نص المادة الثانية من القانون المشار إليه، وقد نصت على أن تنتخب كل دائرة عشرة أعضاء للمجلس على أن يكون لكل ناخب حق الإدلاء بصوته لمرشح واحد في الدائرة المقيد فيها، ويعتبر باطلاً التصويت لأكثر من هذا العدد. وكان النص قبل التعديل يمنح الناخب الحق في التصويت لأربعة مرشحين فقط، أي الأثر القانوني الجديد الذي استحدثه هذا التعديل هو الانتقاص من حق الناخب من الاختيار من المرشحين من أربعة إلى مرشح واحد فقط.وحيث ان السلطة التنفيذية قد استندت في إصدار المرسوم بالقانون محل هذه الدراسة على نص المادة 71 من الدستور، والتي تمنح الأمير الاختصاص بإصدار مراسيم لها قوة القانون وفق ضوابط وشروط وردت في صلب المادة. وتنص المادة 71 على أنه «إذا حدث في ما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية».مرسوم الصوت الواحدوترتيباً على ما تقدم وكان الثابت من الوقائع السالف ذكرها أن السلطة التنفيذية بعد ما صدر مرسوم حل مجلس الأمة قامت بإصدار المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 بتعديل القانون رقم 42 لسنة 2006 بشأن إعادة تحديد الدوائر الانتخابية وقلصت عدد الأصوات التي يحق للناخب الإدلاء بها من أربعة أصوات إلى صوت واحد وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تغيير هيئة الناخبين الممثلة بالشعب، ولما كان المشرع الدستوري قد جعل في كل من حالتي حل مجلس الأمة السالف شرحهما من هيئة الناخبين هم القيد والحكم باعتبارهم الرقيب على السلطة الممنوحة للسلطة التنفيذية المتمثلة في حل مجلس الأمة، ومن المنطقي أن هيئة الحكم المتمثلة في هيئة الناخبين التي يعرض عليها النزاع أو التي انتخبت مجلس الأمة المنحل وشاهدت أسباب حل مجلس الأمة وعايشتها فمن ثم تكون هي ذاتها التي تفصل به بكامل هيئاتها دون تغيير، ويقصد بهذا أن هذا المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 2012 قد خالف القيد الدستوري الذي وضعه المشرع وهو تحكيم الشعب في حل مجلس الأمة وأفرغ النص الدستوري من محتواه وهو ما يؤدي إلى اهدار مبدأ توازن السلطات العامة السالف شرحه الذي اعتنقه المشرع الدستوري، وذلك بأنه يغلب السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية بعيدا عن الرقابة التي تطلبها المشرع الدستوري المتمثلة في الشعب، وأن هذا التصرف من السلطة التنفيذية بلا رخصة من السلطة التأسيسية، مما يعرضه للسقوط في حومة عدم الدستورية.ولا ينال مما تقدم إقرار مجلس الأمة اللاحق للمرسوم فذلك الإقرار لا يترتب عليه سوى مجرد استمرار نفاذه بوصفه الذي نشأ عليه مرسوم بقانون دون تطهيره من العوار الدستوري الذي لازم صدوره، كما أنه ليس من شأن هذا الإقرار في ذاته أن ينقلب به المرسوم بقانون المذكور إلى عمل تشريعي جديد يدخل في زمرة القوانين التي يتعين أن تتبع فى كيفية اقتراحها والموافقة عليها وإصدارها القواعد والإجراءات التي حددها الدستور في هذا الصدد وإلا ترتب على مخالفتها عدم دستورية القانون.المحامي محمد راضي السويرح