White House Down... «المكتب البيضاوي» في مونتريال

نشر في 02-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 02-07-2013 | 00:01
في أحد أيام الخريف الدافئة، ظهر بعض المشاهد المألوفة في إحدى ضواحي هذه المدينة الكندية. وكُتبت المسافات بالكيلومتر على لافتات الطريق باللغة الفرنسية، ووقف جنود يضعون قبعات عسكرية فرنسية لحراسة المكان. يقدم أحد المطاعم هناك الطبق الكندي الشهير {بوتين}. ثم ظهرت فجأةً مشاهد غير مألوفة: بُنيت أجزاء كبيرة من البيت الأبيض بمقياس مصغّر وانتشرت على طول أحياء عدة من المدينة.
أمام «الرواق الجنوبي» الفخم في البيت الأبيض في مونتريال (نعم، في مونتريال) نجد مساحة عشبية واسعة بما يكفي كي تسع مروحيتين عسكريتين. كذلك ثمة حوض أنيق كان يضم في تلك اللحظة سيارة مصفّحة قوية اسمها «الوحش» وكانت مقلوبة على ظهرها. كذلك، تُعرَض لوحات رئاسية في غرفة مُعدّة بحذر.

لا تعني هذه المظاهر كلها أن السكان المحليين يعشقون معالم واشنطن. بل إن تلك المباني هي مواقع تصوير لفيلم White House Down، وهو فيلم حركة من بطولة شانينغ تاتوم وجيمي فوكس ومن إخراج «مايسترو التفجيرات» في هوليوود، رولاند إمريش (من أفلامه The Day After Tomorrow). نظراً إلى تضرر أجزاء من واجهة المبنى وتناثر أغلفة القذائف في جميع الاتجاهات، لا يبدو ذلك المكان الوطني بحالة جيدة.

في ظل ثقافة إخراجية ترتكز بشدة على الصور المحوسبة، سيكون بناء تصاميم ضخمة من الصفر أمراً غريباً. والأغرب من ذلك هو بناء أحد أشهر المباني في العالم الغربي، فهو أشبه بمشروع بناء برج بابل إذ تُشيَّد معالم أميركية سياسية وثقافية على يد مخرج مولود في ألمانيا في مدينة تفخر بإرثها الفرنسي.

ذكر إمريش خلال استراحة من مشهد تفجير واشنطن: «إنه أمر لافت، أليس كذلك؟». تابع إمريش (57 عاماً) كلامه قائلاً: «في فيلم Independence Day (فيلمه الناجح عن غزو الكائنات الفضائية)، حين أردتُ تصوير البيت الأبيض، استعملت بعض الستائر الزرقاء ولافتة وانتهى الأمر. لم أشأ القيام بذلك هذه المرة». في النهاية، لقد تغير الوضع منذ صدور ذلك الفيلم قبل 17 سنة. يتوقع الجمهور في هذه الحقبة المعاصرة أن يكون الوصول إلى الأماكن الشهيرة سهلاً.

افتتحت شركة «سوني بيكتشرز» فيلم White House Down (حيث يؤدي فوكس دور رئيس يبحث عن السلام بينما يؤدي تاتوم دور شخص يريد أن يصبح عميلاً في جهاز سري لكن ينتهي به الأمر مع الرئيس خلال اعتداء إرهابي على البيت الأبيض بعد سلسلة من الصدف)، علماً أنها أجّلت عرضه من شهر نوفمبر إلى عيد الاستقلال الأميركي.

بُنيت مواقع التصوير في مونتريال (وقع الاختيار على المكان لأسباب متعلقة بالائتمان الضريبي والمساحة) لأجل إنتاج هذا العمل الترفيهي الضخم، لكن يطرح هذا الطموح أسئلة أكبر: ما أهمية تشييد مواقع حقيقية في حقبةٍ تشهد تصميم معظم الخدع على شاشة الحاسوب؟ وهل يمكن أن تجذب الرموز الحكومية الأسطورية الجمهور الذي ما عاد يتأثر لدى رؤية المدن تتفجر في أفلام السينما كل نهاية أسبوع (وفي نشرات الأخبار طبعاً)؟

مشقات

واجه إمريش وفريقه مشقات كثيرة لإعادة بناء البيت الأبيض وتصوير الفيلم حيث تتحارب الشخصيات ولا تهرب عبر مواقع مألوفة بل تستعمل الأنفاق تحت الأرض ومهاوي المصعد ومطابخ فرعية.

قام المخرج ومصمم الإنتاج كيرك بيتروتشيلي (من أعماله The Incredible Hulkه ، Lara Croft: Tomb Raider) بجولات عدة في البيت الأبيض. وقد أمضيا أياماً عدة وهما يراجعان الكتب ويبحثان عن مكان الممرات أو التغييرات التي طرأت على تاريخ المبنى القائم منذ 222 سنة. معظم التصميم البيزنطي الذي يطبع البيت الأبيض موجود في النسخة الجديدة عند التدقيق بها.

قال بيتروتشيلي وهو يقف أمام أحد مواقع التصوير الذي تطلّب بناؤه عمل مئات الأشخاص على مدار الساعة لأيام عدة: «أريد أن يشاهد أوباما الفيلم ويسأل: كيف علموا بهذه التفاصيل كلها؟». أُعيد بناء معظم الأجنحة الكبرى والغرف ضمن مساحة داخلية ضخمة لقّبها فريق العمل بـ{الفقاعة».

ولم يقتصر التصميم على المباني. لإعادة ابتكار سيارة «الوحش» (السيارة الرئاسية المصفّحة التي تبقى تفاصيلها سرية)، بذل فريق العمل نوعاً مختلفاً من الجهود. حاول غراهام كيلي (أحد أعضاء طاقم العمل وقد لقّبه إمريش بـ»مشرف مركبات الحركة») الحصول على مراجع موثوقة شملت أحد أصدقاء صديقه كونه يعمل في مرأب البيت الأبيض.

قال كيلي فيما كان يقف أمام إحدى النسخ التي ساهم في تصميمها للفيلم (كانت تلك المركبة ستصبح قريباً من الماضي خلال مشهد حركة ضخم): «متفاجئ لأنني لم أتعرض للاعتقال في نهاية المطاف».

على أرض الواقع، شهد البيت الأبيض فترة من السلام والهدوء منذ انتهاء القرن التاسع عشر. لكنه واجه اعتداءات كثيرة في الأفلام منذ ذلك الحين. فقد تعرض لإطلاق النار والهجوم والحريق وأشكال أخرى من الاستغلال في مناسبات كثيرة لدرجة أن شركة «ديزني» تحتفظ بنسخة من «المكتب البيضاوي» كي يتمكن المخرجون من استئجارها. لكن لم يشأ إمريش والمنتجون فعل ذلك.

قال براد فيشر، أحد منتجي الفيلم: «يجب أن نعيد التصميم سليماً وما كنا نستطيع ضمان ذلك». لذا قرر فريق الإنتاج بناء التصميم من الصفر داخل مستودعات ضخمة سلطوا عليها كمية هائلة من الإضاءة للإيحاء بأن مشاهد الحركة تقع في الخارج.

مواقف كوميدية

يعمد إمريش إلى إضفاء بعض المواقف الكوميدية على عمله الضخم (مثل عبارة «ألا تستطيع ضربي على رأسي براجمة صواريخ فيما أحاول القيادة؟»). لكنه يخلطها مع عبارات جدية تجعل الشخصيات تطلق شعارات مثل «بلدنا أقوى من أي منزل».

صحيح أن الفيلم ترفيهي بامتياز، لكن يظن فوكس أن العمل يقدم رسالة تناسب العصر: «في الفيلم مشاهد موازية لما يحصل مع الولايات المتحدة (في إشارةٍ إلى الصراعات الماضية والمحتملة في الشرق الأوسط). تتعلق الحبكة بالتواصل مع البلدان التي تشهد اضطرابات ونحن نطرح طريقة لجعل العالم مكاناً أفضل مما هو عليه».

لا تعكس نوعية الأحداث في الفيلم مجرد شعارات وطنية مثالية بل إنها تركز على تفاصيل القصة. تاتوم شخص صالح لكنه لم يحقق الكثير في حياته قبل أن يحصل أخيراً على فرصة القيام بأمر بطولي، ولا يعني ذلك بالضرورة المشاركة في معارك وتبادل إطلاق النار (يشتق هذا المفهوم على الأرجح من مخيلة رولاند إمريش منذ حقبة التسعينات).

صحيح أن المخرج استعمل المؤثرات الصيفية المعاصرة، لكنه ليس راضياً جداً على النتيجة: «لا أحب الأفلام المقتبسة من الكتب الهزلية لأني لا أصدقها حين أشاهدها. أردت صناعة الفيلم كي أثبت أن الأبطال يمكن أن يكونوا أشخاصاً حقيقيين، لكننا نسينا أمرهم على ما يبدو».

خوفاً من أن يُتّهم المخرج بتدمير رمز للديمقراطية، يقدم السيناريو الذي تولاه كاتب «سبايدرمان العظيم»، جيمس فاندربيلت، مشهداً حيث تحدّق شخصية تاتوم بلوحة توم فريمان الشهيرة في البيت الأبيض، وهي احترقت خلال الحرب في عام 1812. حصل ذلك في الحياة الواقعية كما يشير الفيلم. لذا لا بأس في استرجاع تلك الذكرى والاستمتاع بتكرارها.

يبرر الفيلم نفسه أيضاً عبر عرض مجموعة من المباني التاريخية أمام المشاهدين، فيقدم معلومات تاريخية كما يحصل في أي جولة لطلاب المدارس. إذا كنتم لا تعلمون أن الرئيس جيرالد فورد بنى قنوات سرية متّصلة بحوض السباحة لتجنب أن يرصده المراسلون وهو في لباس السباحة، ستعلمون ذلك بعد مشاهدة الفيلم!

لكن يقول المشاركون في العمل إن الهدف الأساسي تفجير المبنى الشهير. خلال التصوير، كان تاتوم يرتدي زي المغاوير وكان يعلّق رصاصات على طول صدره ورُسمت خطوط سوداء على وجهه. بدا أنه يستمتع بإطلاق النار بين أعمال فنية راقية. أخبر أحد المراسلين وهو يتأمل لوحتين لجيمس مونرو وجورج واشنطن بعدما اخترقهما الرصاص: «أريد شراء عدد من هذه اللوحات».

قال تاتوم أثناء الاستراحة: «يسهل أن تصدّقوا أن الشخص الذي أدى دوره يحاول القيام بما هو صائب فضلاً عن التصالح مع ابنته التي لم يساندها كثيراً خلال حياته. لكن يمكن القيام بذلك بطريقة حماسية تقليدية».

يأمل المنتجون أن تجذب هذه الحماسة، فضلاً عن واقعية العمل، رواد السينما المنشغلين هذا الصيف. سأل هارالد كلوسر، ملحن وشريك إمريش في الإنتاج: «متى شاهدنا أمراً مماثلاً في فيلم هوليوودي بميزانية ضخمة؟».

حين خرج كلوسر من «الجناح الشرقي» ومرّ إلى جانب أعضاء طاقم العمل الذين يتحدثون باللغة الفرنسية، تذكر أنه بدأ في أحد الأيام يفتح مختلف الأبواب بحثاً عن حمّام في مكان التصوير قبل أن يدرك أن المكان لم يكن عبارة عن غرفة نوم فعلية وأنه لا يشمل أي حمّام أصلاً: «إلى حين الخروج من موقع التصوير، يصعب أن نتذكر أننا لسنا في البيت الأبيض».

back to top