التعليم الظلامي والمهالك المنتظرة

نشر في 03-07-2013
آخر تحديث 03-07-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1-

ينتظر العرب مخاطر كثيرة وكبيرة من أنظمة التعليم الحالية، وعندما نقرأ تقارير الخبراء في هذا المجال يتبين لنا أن هذه المهالك تتلخص في التالي:

1- غسل أدمغة التلامذة والطلبة يومياً بالهوس بالماضي، والنرجسية القومية، وعداء المرأة، وغير المسلم، والعقل، والحداثة. وبعض الطلبة في معاهد معينة، وفي السنوات الثلاث الأخيرة من التعليم الثانوي، يدرسون كتاب "الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع" تأليف الشربيني المتوفى سنة 550 هـ.  ويقرؤون فيه:

ضرورة قتل تارك الصلاة.

وهؤلاء الطلبة- طبقاً لذلك- يكفرون المجتمع، وهم يرون ملايين الناس لا تصلي، ويجب حسب الكتاب الذي درسوه، أن يُقتلوا لتركهم الصلاة كسلاً، والدولة لا تفعل شيئاً لإقامة الحد عليهم؟

فكيف لا يكفرون المجتمع والدولة؟!

وهذا المثال، ينطبق على معظم مؤسسات التعليم، باستثناء القليل الذي، تمَّ تحديثه وترشيده، وتطهيره من النصوص المعادية للمرأة، وللآخر، وللعقل، وللحداثة.  أما حقوق الإنسان، فقد غدت مادة في المدارس القليلة، ولا شيء كقيم حقوق الإنسان الكونية، لإعادة صياغة الوعي العربي التقليدي، كما أن الحفاظ على البيئة، غدا أيضاً مادة تدرس في المدارس القليلة في بعض البلدان العربية، لتوعية الأجيال الصاعدة بضرورة حماية بيئتهم، التي يدمرها الانفجار السكاني كل يوم أكثر.

2- يقوم التعليم الحالي السائد بالترويض؛ أي بالتطويع النفسي للتلميذ والطالب ليتصرفا وفق ما ينتظره مروضهما منهما، بتحويلهما إلى ببغاء، يقول ما قيل له. وهذا متعارض مع دور التعليم، كما تصوره فيلسوف الأنوار كوندورسيه CONDORCET وهو تكوين شعب صعب الانقياد؛ أي تربى على التفكير بنفسه، والنقاش المتعارض، ومقارعة البرهان بالبرهان، والفكر النقدي الذي يسائل الأطروحات، والمقترحات، عن شرعيتها العقلانية.

3- يقوم التعليم الحالي السائد بالتلقين؛ أي الاغتصاب النفسي، وتحفيظ النصوص، التي تُعيق العقل عن التفكير الشخصي فيها. فالحفظ، يستبعد الفحص النقدي لحساب التسليم واليقين الأعمى. وتأثيره أقرب ما يكون إلى تأثير الإعلام الموجَّه، يتشربه اللاشعور كعادة ذهنية تلقائية، كمسلمة مستغنية عن البرهان.

4- يرعى التعليم الحالي السائد التعصب، بما هو خوف هستيري من إدخال النسبية على الحقائق، وتشبث عصابي باليقين المطلق والمغلق، عن كل نقاش، وتجريم، وتكفير، للرأي المخالف. فلا يوجد في نظر المتعصب إلا رأيان فقط: أحدهما صحيح مطلقاً، والآخر خاطئ مطلقاً!  وهكذا، فالتعصب هو الطريق السريع إلى الإرهاب.

5- يُربّي التعليم الحالي السائد الأجيال الصاعدة على تكفير الفلسفة، التي لا تُدرَّس في كثير من الدول العربية أصلاً، ولا تكاد تدرس فعلاً، كفلسفة تحترم العقل وقوانينه، لا كعلم كلام، إلا في بلدين أو ثلاثة، على الأكثر. كما يربي التعليم الحالي على تكفير العلوم الإنسانية ونظرية التطور.

6- يحارب التعليم الحالي العقل بالنقل، ويستغل كل الغرائز البدائية والعدوانية، من غريزة الموت إلى الخوف من الجديد، لتكفير الحداثة وقيمها، وغرائز الحياة التي حررتها.

7- يُكفّر التعليم الحالي القيم الإنسانية، متمثلة بحقوق الإنسان والمواطن؛ أي بالمساواة بين الجنسين، وحرية الاعتقاد. والحق في السلامة الجسدية.

8- يُحرّم التعليم الحالي الفن (موسيقى، غناء، رسم، نحت، مسرح).

9- يُرسخ التعليم الظلامي السائد عداء المرأة "ناقصة العقل والدين"، كتعبير عن سادية متفجرة، وتعذيب نفسي وجسدي. ففرض الحجاب، والنقاب، والختان، والقصور الأبدي عليهن.

10- يُرسخ التعليم الظلامي السائد عداء غير المسلم "الكافر"، لأنه بلا دين، وإبقاء "الكافر"، شعورياً أو لا شعورياً، ذمياً أبدياً، محروماً من حقوق المواطنة! باختصار هذا التعليم يجعل الأجيال الصاعدة، تتشرب، أن العقل غير جدير بالثقة، وأن الثبات لا التطور هو سنّة الله في خلقه. وأن الجهاد ماضٍ إلى يوم قيام الساعة وعبادة الأسلاف؛ أي تقليدهم في كل شيء، هي طوق النجاة.

-2-

من ناحية أخرى، يرى فريق من المفكرين العرب المعاصرين، أن عوائق إصلاح التعليم الحالي، تتمثل بالتالي:

1- كل شيء في الحياة العربية يناضل ضد تجديد الفكر، فحاول جمال الأفغاني ومحمد عبده وإلى حد ما محمد رشيد رضا، القيام ببداية إصلاح محتشم، فردَّ عليهم التقليديون المتشددون، بإصلاح مضاد؛ أي بثورة مضادة. لأسباب عدة ومعقدة داخلية وخارجية، وفي مقدمتها سببان مركزيان:

عجز النخب العربية عن الدخول إلى الحداثة لا في القرن التاسع عشر قبل الاستعمار، ولا في القرن العشرين بعد الاستقلال.

والسبب الثاني، هو صدمة إلغاء أتاتورك للخلافة، التي أفقدت بعض العرب رشدهم.

2- قدامة وعقم المناهج السائدة التي لا تضاهيها إلا قدامة وعقم البرامج. وهذا ما جعلها عاجزة عن أن تكون مشروعاً متكاملاً، جديراً بتحقيق الأولويات التربوية المطروحة؛ أي مصالحة الدارس مع معارف عصره.

فهناك تخصصات تقليدية لا ضرورة لها، وتخصصات ضرورية لا وجود لها، كالتاريخ المقارن، وعلوم ما قبل التاريخ، مثل نظرية التطور.

وهناك بحوث عابرة للتخصصات في جامعات العالم المتقدم لم تسمع بها جامعاتنا، وهي التخصصات التي يقول عنها إدغار موران، إنها تشكل نقطة الارتكاز في البحث العلمي المعاصر، القائم على نظرية التعقيد والترابط بين أجزاء كل نسق معرفي.

-3-

يجمع فريق كبير من المفكرين العرب المعاصرين، الذين ينادون بالإصلاح، على ضرورة المساعدة الخارجية، حين نكون غير قادرين على القيام بذلك بأنفسنا فقط، ويقولون، إنه دون مساعدة جهة خارجية، من الصعب على العالم العربي أن يقوم بإصلاح التعليم الحالي. لا سيما أن معظم أنظمة الحكم في العالم العربي، تخضع لوصاية بعض المؤسسات ولضغطها الكبير، ومن أجل رفع هذا الضغط المؤسساتي عن أنظمة الحكم العربية، لا بُدَّ أن تكون هناك قوة عظمى تفرض هذا الإصلاح التعليمي الذي ننادي به منذ قرن من الزمان، ولما يتحقق بعد، لعدم قدرتنا على تحقيقه وحدنا. وهذا ما حصل في بلدان كثيرة كاليابان، وألمانيا، وكوريا الجنوبية.

* كاتب أردني

back to top