الروائي التونسي مراد البجاوي: الكتابة ولادة يومية

نشر في 31-05-2013 | 00:02
آخر تحديث 31-05-2013 | 00:02
No Image Caption
يرى الروائي التونسي مراد البجاوي أن كل الذين وصلوا إلى سدة الحكم على مر التاريخ من الساسة، ما كانوا مهتمين بالشأن الثقافي ولا منشغلين بالقضايا الثقافية الأساسية التي تستوجب البحوث والدراسات والاعتمادات المالية المهمة لرصد الواقع ومعالجة الإشكاليات، ومن ثم تجاوز الموقعية السلبية للمشهد الثقافي مقارنة بغيره من المجالات. هذه القضية وغيرها في الحوار التالي معه.
الصحافة والإذاعة والتدريس والكتابة، من أي هذه الأبواب كان دخولك عالم الإبداع؟

أعتبر نفسي متلوّن الاتّجاه ومتنوّع الاختيار ورافض للاستقرار على حال. تعدّدت لديّ المشارب بما أفضى إلى الوقوف على عتبات حياتية أو مهنية أو إبداعية مختلفة، وذلك أنّني اشتغلت بالتّدريس طيلة ربع قرن ثمّ انخرطت ضمن المشهد الإعلامي كإذاعي في إذاعة «الكاف» أوّلا ثمّ الإذاعة الوطنية راهناً وككاتب صحافي في كثير من الصّحف والمجلاّت إلى أن حطت الرّحال عند تجربة أدبية تميّزت بثرائها على رغم قصر مدّتها. وقد استثمرت تجربتي الإذاعية التي نالت نصيباً مهمّاً من المناولات الثقافية الأدبية، فاهتمامي بعالم المعرفة والأدب وانشغالي على المدوّنة العربية عموماً والتونسية خصوصاً في الأشكال والأنماط والألوان النصّية كافة وتنويع مطالعاتي...

دفعني ذلك كله إلى خوض تجربة الكتابة. أضف إلى ذلك امتهاني تدريس اللّغة العربية عندما كنت وتلامذتي نبني المحاولات التّأليفية في وضعيات شتّى ونعالج البناء السّردي شكلاً ومضموناً وإثراء وتنويعاً. إذا توافرت هذه المرتكزات كافة، وأضفنا إليها إرادة ذاتية في اختراق أفق عالم الرّواية والمجازفة في تجاوز المطبّات والمبادرة بالتّأسيس للتجربة والحرص على إنجاحها مراهنة أوّلا على طول النّفس ثم ثراء التجربة الحياتية وتنوّعها في نسيجها وعلاقاتها والاعتبار منها، كان ذلك كفيلا بالتعلّق أكثر بطرق باب الكتابة الرّوائية والإصرار على النّجاح بكلّ ما في ذلك من اعتداد ورهان على استدراج القارئ العربي عموماً إلى حكاياتي التي لا تنتهي.

ماذا عن تصريحاتك الصحافية التي أكدت فيها أن من وصلوا إلى سدة الحكم لم يفعلوا شيئا للثقافة؟

ينطبق هذا الكلام على الذين وصلوا إلى سدّة الحكم على مرّ التّاريخ، فالسّاسة أبداً ما كانوا مهتمّين بالشّأن الثقافي ولا منشغلين بالقضايا الثقافية الأساسية الّتي تستوجب البحوث والدّراسات والاعتمادات المالية المهمّة لرصد الواقع ومعالجة الإشكاليات ومن ثم تجاوز الموقعية السلبية للمشهد الثقافي مقارنة بغيره من المجالات. إنّهم يعوّلون على الثقافة الفلكورية الّتي تزيد في تعميق الهوّة بين المتثقّفين وعامة النّاس مع تعمّد تدجين الغالبية حتى يفرغ منها أيّ تفكير حول الواقع الذي من المفروض أن يُنْظَر إليه كعامل متحوّل يلزم النّاس بالتّفكير في مصائرهم، اعتماداً على شحذ الهمم بما يبني ثقافة مستنيرة قادرة على تثبيت القيم المجتمعية وإبراز دور المواطنة والترقّي بمستوى الإنسان الفرد والمجموعة إلى ما يؤسّس إلى التمسك بضرورات الوسطية والاعتدال بين مسالك الأصالة ومقتضيات الحداثة. أين نحن من هذا كله؟

 

كيف ترى رحلتك مع الأدب من خلال كتاباتك، خصوصاً مثلما في روايتي «يوسف كما يشاء» و«في بيتنا قناص»؟

«في بيتنا قنّاص» عملي الرّوائي الثّاني ويأتي في الوقت نفسه تتمّة للعمل الأوّل «يوسف كما يشاء». كان المنطلق يدور في فضاء المجتمع التّونسي وكيف يعيش يوسف لحظات مأسوية ويعاني الويلات من الجهات كافة، فإذا علمنا أنّ الرّواية صدرت قبل الثّورة أكتوبر 2010، فذاك يعني جرأة الطّرح للقضايا المجتمعية الّتي شغلت النّاس آنذاك وكان محورها السّياسة والثقافة والإعلام والفنّ والأدب والأخلاق والقيم... وأمّا بخصوص رواية «في بيتنا قنّاص»، فهي تتنزّل في إطار الأدب التّسجيلي الّذي يرمي إلى توثيق لحظات تاريخية برؤية أدبية. والرّواية في ظاهرها تأخذ القارئ في رحلة عبر الأيّام العصيبة التي عرفها الشّعب التّونسي من خلال عائلة ينفرد كل فرد منها بدوره الرّمزي أو المجتمعي حيث تتلاقى الأفكار وتختلف من جيل إلى جيل عبر نوافذ من الحياة اليومية.

يصف نقاد كثر ما تكتبه بأنه أدب مقاومة، كيف ترى أنت ذلك؟

أتعامل مع نصّ سرديّ اصطبغ بلون الرّواية الّتي تحمل ما اصطلح على تسميته بالواقعيّة الجديدة، بين سطورها لغة تحمل اللّهجة الخاصّة بالنص يؤدّي فيها التأوّل إلى الغبطة الجمالية. غالبية رواياتي تفضح السّلوك الاجتماعي وتدعو إلى التحلّي بالسّلوك الحضاري، فيها صدى الخطاب الفكري يتجلّى صارخاً تحت قراءات الرّاوي الفلسفية والاجتماعيّة والخبرة الّتي تتنامى في حركة الرّواية وتجعل أبطالها تحت مظلّة السّخرية اللاّذعة والنّصح المفرط واجتياز حدود اللّياقة أحياناً في المعاملة.

ماذا عن الحركة النقدية في تونس؟

يقول الأديب عبد الرّحمن منيف: «الطريقة الصّحيحة في الكتابة هي أن يكتب الإنسان وفي عينيه نظرة مستقيمة نافذة. أن يكتب عمّا يحسّ أنه السرّ، أنّه الحقيقة الضائعة، عمّا يحسّ أنه يصل بين ذاته المركزية، والأفق المحيط به كالدّائرة}... وعلى هذا الأساس، يمكن أن نُحدّد أولاً ماهية الكتابة التي يمارسها الإنسان وتنبع من ذات مريدة لكتابة تنطلق ممّا يحسّ به الكاتب من دون قيود أو ضغوط أو موانع مهما كان مأتاها أو نوعها... ولعلّ ما يستهويني شخصيّاً هو التماهي في ممارسة السلطة المعنوية الّتي أراها ضرورية لكلّ كاتب، فهو إذا ما أمسك بصنعة القلم واحترافها سينغمس في عالمه وينصرف إلى ترجمة هواجسه وأفكاره وخبرته وتجاربه في الحياة إلى حكايات.

ما هو جديدك في الفترة المقبلة؟

لدي ثلاث روايات جديدة، الأولى بعنوان «ثورة الأرض» وهي وقوف عند قضايا جديدة قديمة متشابكة ومسكوت عنها بعد الثّورة لتعقّد مسالكها وصعوبة حلولها في ظلّ ظهور أفراد وجماعات تدّعي حيازتها لعقود ملكية أراضي حرمتها منها الأنظمة السّابقة، إذ يحتدّ الصّراع الاجتماعي والسّياسي قضائيّاً وأمنيّاً وتتشابك العلاقات إلى حدّ تضيع الأرض قبل استعادة الحقوق... الرّواية الثانية بعنوان «المنـزول»، قصة صحافي تونسي شاب تعرّض إلى حادث مفاجئ فظلّ في حالة غيبوبة من آواخر الاستعمار الفرنسي إلى ما بعد الثّورة التّونسية بسنتين... ولنتصوّر ردّ فعله حين يسترجع وعيه بعد ستّين سنة ويسأل ذاك السّؤال المحيّر: ما الّذي تغيّر في بلدي؟ أما روايتي الثّالثة فاهتمّت بعنوان «هيجوج وميجوج» بمرحلة تاريخية مهمّة تتعلّق بقوم «يأجوج ومأجوج» استناداً إلى النصّ القرآني والدّراسات والتّفاسير المختلفة في الموضوع، مع تطعيم طبيعيّ بصور الخيال في مستوى الشّخصيات والعلاقات والوقائع.

back to top