جهود دولية لمنع النظام السوري من اللجوء إلى أسلحته الكيماوية

نشر في 14-01-2013
آخر تحديث 14-01-2013 | 00:01
 نيويورك تايمز دعا كبار القادة العسكريين الإسرائيليين في أواخر شهر نوفمبر الماضي وزارة الدفاع الأميركية لمناقشة معلومات استخباراتية مقلقة كشفتها صور الأقمار الاصطناعية: ظهرت مجموعة من الجنود السوريين وهي تمزج مواد كيماوية في موقعَي تخزين. كانت هذه المجموعة تعدّ على الأرجح غاز الأعصاب سارين المميت، وتملؤه في قنابل زنتها 225 كيلوغراماً تُلقى من الطائرات.

أُبلغ الرئيس الأميركي باراك أوباما بهذا التطور في غضون ساعات، وتنامت المخاوف خلال نهاية ذلك الأسبوع، بينما حُمّلت تلك الذخائر في آليات قرب إحدى القواعد الجوية السورية، فأُعلم مسؤولو الإدارة الأميركية خلال الاجتماعات التي عُقدت أن هذه الأسلحة يمكن أن تصبح في الجو في غضون أقل من ساعتين (أسرع من أن تتمكن الولايات المتحدة من اتخاذ أي تدابير بشأنها)، إن أمر الرئيس السوري بشار الأسد، الذي بدأ اليأس يتملكه، باستخدامها.

لكن ما حدث عقب ذلك، وفق مسؤولي الإدارة، كان تعاوناً دوليّاً مميزاً لم نشهد له مثيلاً من قبل في هذه الحرب الأهلية التي لم تنجح الولايات المتحدة، والدول العربية، وروسيا، والصين في التوصل إلى توافق بشأن المسار الذي يجب اتباعه فيها.

بفضل التحذير العلني الذي أطلقه أوباما والرسائل السرية الشديدة اللهجة التي أُرسلت إلى الحاكم السوري وقادته العسكريين عبر روسيا وغيرها من الدول، مثل العراق وتركيا وربما الأردن، توقفت عملية مزج المواد الكيماوية وإعداد القنابل، وبعد أسبوع، أعلن وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا أن أسوأ المخاوف قد تبدد في الوقت الراهن.

رغم ذلك، يبقى الخوف من أن يقرر الأسد في مرحلة ما استعمال الأسلحة التي أُنتجت في ذلك الأسبوع، إذ يذكر المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أن العالم تفادى في ذلك الأسبوع من أواخر نوفمبر ومطلع ديسمبر أزمة كبرى، إلا أن ذلك لا يعني أن باستطاعتنا النوم قريري العين.

أعلن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية الأسبوع الماضي: "أعتقد أن الروس فهموا أن هذا السبب الوحيد الذي قد يحملنا على التدخل في الحرب، ولكن لا أحد يعرف يقيناً ما فهمه الأسد وما إذا كان فهمه هذا قد يتبدّل إن ازدادت مخاوفه خلال الأشهر القليلة المقبلة".

صحيح أن الأسلحة الكيماوية تُعتبر من "أسلحة الدمار الشامل" (كما الأسلحة البيولوجية والنووية)، إلا أن من الصعب استخدامها وإطلاقها. كذلك تعتمد فاعلية الهجوم الكيماوي على الرياح وطبيعة المنطقة، ويصعب أحياناً رصد الهجوم الكيماوي حتى بعد تنفيذه. لذلك يقول بعض المسؤولين إن القوات السورية قد تستخدم هذا النوع من الأسلحة في قرية أو حي ما، وقد يمر وقت قبل أن يعرف العالم ما حدث.

جددت هذه المخاوف، التي قضّت مضجع المسؤولين قبل شهر، النقاش بشأن ما إذا كان على الغرب مساعدة المعارضة السورية في تدمير قوات الأسد الجوية، التي يحتاج إليها لإلقاء تلك القنابل الكبيرة.

لا تزال الذخائر الكيماوية محفوظة في مخازن قريبة من القواعد الجوية السورية، معدّةً للإطلاق في وقت قصير، وفق المسؤولين.

امتنعت إدارة أوباما والحكومات الأخرى عن الاستفاضة في الكلام علانية عن التدابير الخاصة بالأسلحة الكيماوية. ويعود ذلك في جزء منه إلى الخوف من تهديد مصادر معلوماتهم عن نشاطات قوات الأسد. تستند هذه الرواية إلى مقابلات مع أكثر من ستة مسؤولين عسكريين واستخباراتيين ودبلوماسيين، كلهم طلبوا عدم ذكر اسمهم بسبب البيانات الاستخباراتية التي تشملها هذه المسألة.

حذّر رئيس وكالة الاستخبارات الخارجية الألمانية (BND) في تقييم سري أجرته الوكالة الشهر الماضي من أن قوات الأسد تستطيع اليوم استعمال الأسلحة الكيماوية بعد أربع إلى ست ساعات من صدور الأوامر، وأن للأسد مستشاراً خاصّاً يشرف على التحكم بالأسلحة الكيماوية، حسبما أفادت الصحيفة الألمانية "شبيغل". لكن بعض المسؤولين في الولايات المتحدة والدول الحليفة ذكروا في عدد من المقابلات أن باستطاعة القوات السورية نقل القنابل المحمّلة  بالسارين إلى الطائرات وإلقاءها في أقل من ساعتَين.

قال دبلوماسي غربي: "نكتفي اليوم بالإشارة إلى أن من السهل نسبيّاً تحميل هذه القنابل في طائرات".

لا أحد يعلم ما سيكون ردّ الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية. تكلم مسؤولو الولايات المتحدة وحلفاؤها بشكل مبهم عن تطوير "خطط احتواء" في حال قرروا التدخل لمنع استعمال الأسلحة الكيماوية، وهذه مهمة تتوقع وزارة الدفاع الأميركية أن تتطلب ما لا يقلّ عن 75 ألف جندي. ولكن لم نرَ أي إشارات واضحة إلى التحضير لمهمة مماثلة.

سارعت الولايات المتحدة إلى إرسال قوة خاصة تتألف من أكثر من 150 مخطِّطاً وعدد من الخبراء إلى الأردن لمساعدة القوات المسلحة في هذا البلد للاستعداد، من بين أمور أخرى، لاحتمال أن تفقد سورية السيطرة على أسلحتها الكيماوية.

أشارت بعض التقارير إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سافر إلى الأردن في الأسابيع الأخيرة. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن نقاشاته هناك تمحورت حول كيفية التعاطي مع الأسلحة السورية في حال تبيّن أنها ستُنقل إلى لبنان، حيث يستطيع حزب الله إطلاقها عبر الحدود على إسرائيل. لكن هذه الخطط، إن وُجدت، بقيت سرية.

يصب المسؤولون في الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما من الدول الحليفة كل اهتمامهم على هذه الأزمة المحتملة، خصوصاً أن المعارضة كسبت على ما يبدو زخماً كبيراً. فاحتلت عدداً من القواعد العسكرية السورية واستولت على مخازن الأسلحة فيها، فضلاً عن أنها تتقدم نحو العاصمة السورية دمشق.

نتيجة لذلك، نبشت سورية ترسانتها من الأسلحة التقليدية، مستخدمةً كل ما توافر لها من صواريخ سكود البالستية ضد مواقع الثوار في حلب. فظهر خلال الأسبوع الماضي مصدر قلق إضافي: بدأت القوات السورية تطلق صواريخ جديدة دقيقة قصيرة المدى يُعتقد أنها تُصنَّع في إيران. صحيح أن هذه الصواريخ لا تحمل رؤوساً كيماوية، إلا أن استعمالها يكشف أن القوات السورية باتت تملك سلاحاً أكثر دقة من صواريخ سكود غير الدقيقة التي استخدمتها في هجماتها السابقة. مع تصاعد حدة القتال، ذكر مسؤولون في الولايات المتحدة والدول الحليفة أن قوات الحكومة نقلت جزءًا من مخزونها الكيماوي إلى مواقع أكثر أماناً، خطوة قد تساعد (إن تواصلت) القوات الغربية في حال قررت هذه الأخيرة دخول سورية للسيطرة على هذه الأسلحة أو تدميرها.

تتولّى الإشراف على أسلحة سورية الكيماوية منظمة سرية تابعة لسلاح الجو السوري تُدعى الوحدة 450، وهي مجموعة رفيعة المستوى مختارة بعناية تُعتبر الأكثر ولاء لحكومة الأسد، نظراً إلى أهمية الأسلحة التي في عهدتها.

ذكر المسؤولون الأميركيون أن عدداً من الرسائل السرية التي بُعثت إلى سورية في الأسابيع الأخيرة وُجِّهت إلى قادة هذه الوحدة، محذرةً إياهم (كما حذّر أوباما الأسد في الثالث من ديسمبر) من أنهم سيُحاسبون شخصيّاً في حال لجأت الحكومة إلى أسلحتها الكيماوية.

وعند السؤال عن هذه الاتصالات ومدى النجاح الذي حققته، اكتفى أحد المسؤولين في أجهزة الاستخبارات الأميركية بالقول: "الموضوع بالغ الحساسية، ومناقشته قد تسبب المشاكل".

أفاد عدد من المسؤولين الغربيين أنه رغم الاحتياطات التي اتخذتها الحكومة السورية، يبقى الخوف كبيراً من أن تقع هذه الأسلحة بين أيدي إسلاميين متطرفين يحاربون الحكومة أو أيدي حزب الله، الذي أقام معسكرات تدريب صغيرة قرب بعض مواقع تخزين هذه الأسلحة.

يقول جيريمي بيني، خبير متخصص في الإرهاب وحركات التمرد في مجلة IHS Jane’s Defense Weekly: "لا شك في أن المقاتلين الذين قد يسيطرون على أسلحة مماثلة سيواجهون صعوبة كبيرة في استعمالها بفاعلية من دون الطائرات أو أنظمة المدفعية أو الصواريخ الضرورية. لكن حزب الله قد ينجح في إطلاقها بفاعلية على إسرائيل إن حظي بالقليل من المساعدة".

David E. Sanger و Eric Schmitt

back to top