اليهودي الغامض بسلامته

نشر في 19-03-2013
آخر تحديث 19-03-2013 | 13:01
 باسم يوسف انت عارف أنا بتكلم عن مين، عن اليهودي الكاره للإسلام الحاقد على الدين الذي يكيد لنا طوال الأسبوع، ويسبك لنا المؤامرات في الويك إند، واحنا بسلامة نية وسذاجة وعبط، بنقع في كل المخططات الخبيثة بتاعته، فكل مشاكل العالم الإسلامي سببها هذا اليهودي الذي يلعب بمقدراتنا ومصائرنا زي البلاي ستيشن بالضبط.  

الموضوع ليس مقصوراً على بحر المؤامرات اليومية الذي أغرقنا فيه أنفسنا، واستكنا فيه إلى نظرية المؤامرة من أول بروتوكولات حكماء صهيون، إلى ضياع فلسطين، إلى طابور الصباح اليومي الذي يتجمع فيه أعداء الإسلام ليقرروا "هاه! حنعمل إيه النهاردة عشان نعكنن على المسلمين؟"، فالموضوع منتشر ومتشعب في تاريخنا الإسلامي، حتى إذا أردت أن تناقش حكم أحد الخلفاء خاصة في أوائل عصر الخلافة من منظور موضوعي، وحاولت أن تنتقده كسياسي بدون الانتقاص من قدره كصحابي جليل للرسول الكريم، فإنك تواجه بنفس التبريرات من عينة أنها فتنة، أو أن هناك يهودياً واقفاً في آخر الشارع هو السبب في كل ده، لذلك تجدهم يتجنبون الكلام عن سيرة الصحابة والمسلمين الأوائل، في ما يخص حياتهم كبشر لهم أخطاؤهم كباقي البشر، فمثلاً هناك تعمد لعدم الكلام عن الفتنة الكبرى أو مناقشتها، فهذا يضع الإسلاميين في حرج عظيم، إذ كيف تقاتل أصحاب الرسول وحملة القرآن، ووضعوا المصاحف على أسنة الرماح، واستخدموا الدين لخداع بعضهم بعضاً، بل وقتلوا أهل بيت رسول الله؟ كل هذا فعله من عاصروا النبي الكريم لكنهم لأنهم بشر غير معصومين من الخطأ فقد أساؤوا استخدام الدين في السياسة، فما بالك بمن يتشدق بالمشروع الإسلامي الآن، هل هم أحسن من صحابة الرسول؟

إن تاريخ الخلافة الإسلامية مليء بالأخطاء والتجاوزات، لأن من قام بها بشر ومن اقترفها بشر، لذلك حين نناقش هذه الأخطاء فنحن نهدف إلى التعلم منها وعدم تكرارها، لكن المتأسلمين لا يريدون ذلك، بل يفضلون أن يكفوا على الخبر ماجور حتى يصدروا لك هذه اليوتوبيا المسماة بالخلافة، أليس هذا هو الكارت الانتخابي الفائز دائماً؟

لذلك يجب الاحتفاظ بقدسية زائفة، وغض الطرف عن الأخطاء، لأنهم لن يستطيعوا أن يتاجروا بالدين، ويوعزوا إلى الناس أن حامل كتاب الله المتدين هو الحل، لأن هناك من كانوا أفضل منهم وتسببوا في فتنة وقتل وتقسيم الناس إلى سنة وشيعة.

طب نحل الموضوع ده إزاي؟

الحل هو إلقاء كل اللوم على اليهودي إياه، هناك دائماً هذا اليهودي الموجود في كل قصص تراثنا المتسبب في كل المصايب، كأنه كتب على أمتنا أن تساق على هوى الآخرين، وكأن أصحاب رسول الله الذين فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، لم يتمتعوا بالفطنة والذكاء والدهاء الكافي الذي يحميهم من مؤامرة أي يهودي معدي في السكة، هذا اليهودي مازال موجوداً إلى اليوم، قاعد في أوضة ضلمة، بيخطط عشان يوقعنا في بعض، واحنا طيبين وسذج وعلى نياتنا، هو نفس اليهودي اللي بيتحداك تلم مليون واحد بيصلوا الفجر على صفحتك على فيسبوك، هو اليهودي الذي يتآمر علينا لتقسيم الوطن وإثارة النزاعات والحروب الطائفية واحنا كويسين وطيبين وعدانا العيب، فإلقاء اللوم على هذا اليهودي وتصوير المسلمين ككائنات سلبية يسهل التلاعب بعواطفهم وعقولهم أفضل من الاعتراف بأخطائنا، وأسهل من الاعتراف بأنه ليس بالضرورة أن كل من يتكلم باسم الدين يملك الحق المطلق.

أنا لا أنكر وجود أيديولوجيات وأفكار ومخططات تحكم مصالح الدول، لكن إلقاء اللوم دائماً على هذه المخططات كأننا ولا احنا هنا، هو إهانة لنا ولتاريخنا ولعقليات جميع العرب والمسلمين الذين في يوم ما حكموا جزءاً لا بأس به من العالم، لكن مع انحطاط الأمم يركن الناس إلى الاستكانة إلى نظرية المؤامرة ليشعروا بالرضا عن أنفسهم، بل وليس عندهم مانع أن يعيدوا صياغة التاريخ لخدمة هذا الفكر المنهزم.

تابع تطور قصة اليهودي في تاريخنا القديم والحديث، فإن لم تجد اليهودي فهناك المخطط الصهيوإنجلوتوراتي (والله العظيم بيقولوا كده)، وأكيد أكيد خصومك السياسيين اللي من جنسيتك ودينك موالسين معاه، ما أحلاها من شماعة ترمي عليها فشلك، الإعلام، المعارضة، جبهة الإنقاذ، الثورة المضادة، الفلول (اللي كانوا معانا إمبارح)، كل هؤلاء صور عصرية لتطور اليهودي السوبر الذي يكيد لديننا وأمتنا.

فإذا سألك الناس: "فين يا عم الوعود والأحلام والإنجازات المزعومة، فالحل جاهز والتبرير جاهز"، حسك عينك تقول المشروع الإسلامي فشل (مع ان ماكانش فيه مشروع إسلامي أصلا)، إياك تقول إن تطبيق الشريعة ما ينفعش (مع أنك متضارب ومتخبط في معاني ووسائل تطبيق الشريعة)، فهناك دائماً المسؤول عن فشلك الذي يمكن أن تصدره للناس بدلاً من الاعتراف بالخطأ وكشف وهم يوتوبيا الخلافة التي لم تكن أبداً موجودة، لكنها كانت تجربة إنسانية غير مقدسة تحتمل الصواب والخطأ.

اليهودي موجود، "ارمي عليه وريح نفسك".

ويقال إن اليهودي ده عضو مؤسس في جبهة الإنقاذ، وهو السبب في كل اللي بيحصل في البلد.

منكم لله خربتوا البلد.

 

*ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top