هل تسعى كوريا الشمالية حقاً إلى الحرب؟

نشر في 08-04-2013
آخر تحديث 08-04-2013 | 00:01
 ذي تيليغراف ثمة وجهتا نظر مختلفتان وراء موقف كوريا الشمالية الذي يزداد اضطراباً: تقول الأولى: لا يُعدّ خطاب بيونغ يانغ، الذي يشمل دعوات إلى «كسر خصور الأعداء المجانين وقطع قصبتهم الهوائية بالكامل»، أسوأ من الوعود الطقسية التي تعود إلى عقود مضت وتتعهد بتحويل كوريا الجنوبية إلى «بحر من نار»، فما نشهده اليوم، وفق هذه النظرية، لا يتعدى واقع أن قائداً يفتقر إلى الخبرة (بلغ كيم يونغ أون الثلاثين لتوه) يحاول تعزيز سلطته داخل البلد، مختبراً عزم الرئيسة الكورية الجنوبية المنتخبة حديثاً، كذلك يشكّل خطابه رد فعل تجاه الجولة الأخيرة من العقوبات الأميركية والتدريبات العسكرية الأميركية- الكورية الجنوبية المشتركة.

تدعو المقاربة الثانية إلى توخي الحذر لأن الوضع مختلف اليوم: أجرت كوريا الشمالية اختباراً نوويّاً ثالثاً، ورفضت رسميّاً الهدنة مع الجنوب، وقطعت الخط العسكري الساخن، واستأنفت العمل في مفاعل يونغبيون المنتج للبلوتونيوم، ومنعت دخول منطقة كايسونغ الصناعية الشمالية-الجنوبية المشتركة، التي لم يتوقف العمل فيها حتى خلال أسوأ الأزمات في السنوات الأخيرة. علاوة على ذلك، لا نفهم حقّاً التغييرات التي طرأت على العلاقة التي تجمع القائد بجنرالاته منذ عملية انتقال السلطة غير الشفافة من كيم يونغ إيل، رجل أدرك جيداً القواعد الخفية للصراع مع سيول، إلى ابنه.

كيف يمكننا أن نحكم على وجهتَي النظر هاتين؟ يمكننا أن نبدأ بالتمييز بين الأحلام والوهم، فقد حذّر رئيس الوزراء البريطاني أخيراً في مقال نُشر في صحيفة The Daily Telegraph من أن كوريا الشمالية لا تزال «خطراً نوويّاً متواصلاً ومتنامياً»، لكنه انتقى كلماته بدقة لأنه يعي جيداً أن فكرة كهذه لم تتحوّل بعد إلى «واقع».

ببسيط العبارة، لا تستطيع كوريا الشمالية وضع رأس حربي نووي في صاروخ بالستي وإيصاله إلى البر الأميركي. علينا أن نتذكر أن غضب كوريا الشمالية يولد من خوفها، لربما أقحمت نفسها في هذه المعمعة بإجرائها تجربة على صاروخ السنة الماضية واختباراً نووياً في شهر فبراير، إلا أنها بإقدامها على هاتين الخطوتين تبدو خائفة حقاً من تواصل التدريبات العسكرية الأميركية- الكورية الجنوبية المشتركة. حتى إنها تعدها على الأرجح تمهيداً لهجوم. ففي عام 1950، استخدمت كوريا الشمالية المناورات العسكرية كواجهة لتبدأ غزوها للجنوب. تنشأ في هذا الإطار معضلة سياسية، إذ لا يكمن الحل في الاستسلام للابتزاز، فلا بأس بعقد محادثات، غير أن من الحماقة إغداق المساعدات والاهتمام الدبلوماسي على نظام أقام رابطاً غريزيّاً بين التطورات النووية والفوز بالتنازلات على طاولة التفاوض. تريد كوريا الشمالية الاهتمام، ويجب ألا ندعها تحقق مآربها.

لن تختفي أسلحة كوريا الشمالية النووية؛ لذلك من الضروري في النهائية استئناف مسار دبلوماسي متعدد الأطراف، مثل المحادثات السداسية المتداعية التي انهارت عام 2009، ولكن يجب التريث راهنًا. تذكروا أن كوريا الشمالية هي مَن انتهك اتفاق السنة الماضية (الذي منحها مساعدات غذائية مقابل تعليقها تخصيب اليورانيوم واختبار الصواريخ) بإجرائها تجربة على صاروخ. من السهل المطالبة بالدبلوماسية، ولكن من الصعب تقديم الأسباب التي قد تجعلها تنجح اليوم في حين أنها أخفقت أمس.

علاوة على ذلك، يجب ألا يُسمح لكوريا الشمالية بأن تثور، كما حدث قبل ثلاث سنوات، من دون أي عواقب مادية، فإذا صببنا كل اهتمامنا على ردع هجوم نووي، نخاطر بإعطاء كوريا الشمالية الانطباع أن أعمال الإرهاب الدولي الأصغر مقبولة. في الوقت عينه، على واشنطن أن تتذكر (ولا شك أن أوروبا لم تنسَ) أن إعطاء الحلفاء الحرية المطلقة يُعدّ السبيل الأكيد إلى التصعيد غير المتعمّد؛ لذلك يجب أن يكون أي ردّ ضمن الحدود الأضيق، وأن يترافق مع إشارات واضحة تُظهر لكوريا الشمالية أن الغزو غير وارد.

لكن كوريا الجنوبية تتحرّك في الاتجاه المعاكس، فقد أعلنت الشهر الماضي أنها لن تضرب الوحدات الكورية الشمالية المعتدية فحسب، بل «مراكزها القيادية» أيضاً، أمر قد تعتبره كوريا الشمالية خطوة أولى نحو هجوم أشمل، ومن ثم أبلغت الرئيسة الكورية الجنوبية جيشها أن عليه «الرد بقوة عند أول هجوم يتعرض له من دون التفكير في أي اعتبارات سياسية». ولكن من الواضح أن إعطاء الوحدات المحلية صلاحية البدء بحرب كورية ثانية ليس تصرفاً عقلانيّاً.

يجب أن تخفف الولايات المتحدة أيضاً من وطأة التدريبات المشتركة الراهنة، مرجئة على الأرجح أجزاءها الأكثر استفزازاً، من دون أن تحدّ البتة من التزاماتها تجاه كوريا الجنوبية. لا يساهم إذلال كوريا الشمالية في احتوائها وردعها، بل يصعّب هذه المهمة، وسبق أن عرضت الولايات المتحدة عضلاتها، لذلك حان الوقت اليوم للتحدث بلطف.

تشكّل هذه أيضاً فرصة لإقناع الصين، التقرب منها، والضغط عليها كي تبذل مجهوداً أكبر في تعاطيها مع حليفها غير المنضبط، فإذا لم تتدخل الصين، فستكون وحدها الملومة على تعزيز الولايات المتحدة دفاعاتها الصاروخية (خطوة تعارضها لأنها، وفق الصين، تضعف قدرتها على الردّ النووي) ووجودها العسكري في المنطقة، فضلاً عن انتشار في آسيا فكرة أن الصين تخفق في قرن قوتها المتنامية بتحمل المسؤولية الضرورية.

يعبّر المسؤولون الصينيون سرّاً عن خوفهم من أن يؤدي ضغطهم على كوريا الشمالية إلى انهيار النظام، وتدفق مجموعات كبيرة من اللاجئين إلى الصين، وتوحيد الكوريتين، ما يجعل الجنود الأميركيين يتمركزون على الحدود الصينية (احتمال دفع ببكين إلى التدخل في الحرب الكورية). صحيح أن هذه المخاوف منطقية، لكن تدليل الصين لكوريا الشمالية يفاقم تهور بيونغ يانغ، ما يزيد من خطر تعرض الصين لعواقب كارثية.

لم تحاول الصين بعد الحد من نقل السلع العسكرية أو التي قد تُستعمل لأهداف عسكرية إلى كوريا الشمالية، ومن هذه السلع آليات نقل الصواريخ البالستية وإطلاقها. كذلك لم تلجأ بعد إلى نفوذها الاقتصادي، فتمد الصين كوريا الشمالية بنحو 90% من طاقتها، 80% من سلعها الاستهلاكية، ونحو نصف موادها الغذائية، صحيح أن بكين دانت التجارب النووية وأصدرت أخيراً تصريحاتها المعتادة التي تحض على ضبط النفس، إلا أن الكلمات ما عادت تفي بالغرض.

عندما تنتهي التدريبات المشتركة نحو نهاية الشهر الحالي، سنشهد احتمالاً من اثنين، قد تقوم كوريا الشمالية باختبار صاروخي أو نووي آخر، ربما في 15 أبريل، عيد مولد كيم إيل سونغ، القائد الكوري الشمالي الأول المبجّل وجدّ الرئيس الراهن، ولا شك أن هذا سيجدد الأزمة، مرغماً واشنطن على إبقاء قواتها في شبه الجزيرة الكورية ويدفع كوريا الشمالية إلى البحث عن طرق جديدة مبتكرة لتعزيز احتمالات نشوب حرب.

في المقابل، قد يخف التوتر، إذا شعر كيم أنه أرضى داعميه المحليين، فتصبح أولويته عندئذٍ إعادة إصلاح الاتفاقات والمؤسسات التي خربتها كوريا الشمالية خلال الأسابيع الماضية، مثل الهدنة. وإن كان كيم يونغ أون لا يعرف قواعد اللعبة، فلا شك أنه سيتعلمها بسرعة.

* شاشانك جوشي | Shashank Joshi

back to top