الداعية السلفي د. أسامة القوصي:

نشر في 05-08-2013 | 00:02
آخر تحديث 05-08-2013 | 00:02
التطرّف أبو الإرهاب الشرعي

الداعية السلفي الدكتور أسامة القوصي إحدى الشخصيات الدينية المعروفة في مصر، نظراً إلى تجربته التي أمضاها متبنياً أفكاراً متشددة، وانخراطه ضمن الجماعات الإسلامية المتطرفة طيلة 30 عاماً كاملة، قبل أن يعود إلى رشده ويراجع أفكاره، ويتجه إلى الوسطية والاعتدال الديني. حتى إن آراءه استهوت الأقباط حين قال إنه لا يمانع من تولي قبطي لمنصب رئيس الدولة وإلغاء المادة الثانية من الدستور التي ترتكز على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر السلطات. كذلك أصبح شيخ الفنانين وأصبح ضيفاً دائماً في حفلاتهم. حول تجربته مع التطرف وعدوله عن هذا الفكر ورؤيته لأسباب التطرف ومنابعه، كان لـ{الجريدة» معه هذا الحوار.
حدثنا عن رحلة تحولك من الفكر المتطرف الذي كنت تعتنقه إلى الاعتدال الذي أنت عليه الآن.

الرجوع إلى الحق فضيلة، وكلنا خطاؤون، ولا يوجد إنسان لا يخطئ، وقد يخطئ الإنسان متعمداً وقد يخطئ مخدوعاً. بالنسبة إلي، فإن الفترة التي انحرفت فيها كنت في العشرينات من عمري، وهذا الانحراف كان سببه غلطة الرئيس الراحل أنور السادات، عندما أخرج الجماعات الإسلامية المتطرفة وأعطاها الضوء الأخضر كي يتخلص من منافسيه اليساريين آنذاك. أثناء دراستي في الجامعة، فوجئنا بزملاء لنا اتضح في ما بعد أنهم قادة من الجماعات الإسلامية، التي تعتنق الفكر الجهادي، وتم تمرير كتب تحمل التوجه المتطرف، كان أهمها لسيد قطب على رغم أنها كانت ممنوعة، إلى جانب كتب جهادية مكتوبة بخط اليد، وقُدمت إلينا على اعتبار أن هذه الآراء تمثل رأي الإسلام، وليست آراء سيد قطب نفسه. أخذتُ هذا الكلام على أنه من المُسلمات، وبدأت في ما بعد عملية التطبيق. أعتقد أن الشيخ سيد قطب نفسه لو كان حياً في زماننا لكفر الإسلاميين في انتخاباتهم البرلمانية الآن، وكل الذين يتبنون فكر هذا الرجل. حتى إنني اعتبرت أن والدي ووالدتي من غير المسلمين، وليسا كافرين، بشكل مهذب فحسب بحكم تربيتي.

ولأن التطرف عموماً لا يقف عند حد معين، بل هو داء، وهو ابو الإرهاب الشرعي، بدأت آنذاك أردد أن الاختلاط حرام والتشريع حرام، وأن علماء الأزهر «حكام السلطان»، وقررت التوقف عن دراسة الطب بحجة أنها حرام بسبب الكشف على عورات الناس، وتركت كلية الطب. أما عن مسألة الرجوع، فكانت أيضاً بالتدريج، حين بدأت أراجع أفكاري بنفسي، واكتشفت كيف أن هذه الآراء هدامة، ولكن الرجوع الكامل كان منذ خمس سنوات فقط.

ما هي أبرز الأفكار الخاطئة التي وردت في كتب سيد قطب وتسببت في تشويه الإسلام؟

سيد قطب هو من كفَّر المجتمع، وقال إن المجتمع الحديث دار كفر. كنت سابقاً أقول وأفتخر بأنني قطبي، وأقول إنني أقرأ كتب سيد قطب كقراءتي للقرآن الكريم، وكان هذا الرجل يعتبر أن من يقف في صف المجتمع شخص جاهلي، طالباً بفكره من أتباعه أن يعيشوا في المجتمع شعورياً وعدم الانتماء إليه في آن.

كيف تقيم التيار السلفي؟

السلفية لها وجه مشرق ولها وجوه أخرى كثيرة مظلمة. أما الوجه المشرق فيمثله الصحابة رضوان الله عليهم، وأنا الآن أتبع سلفية المقاصد وسلفية القيم والمبادئ، فيما الوجه الآخر «سلفية الوسائل»، والسلفية منهج فكري وعقدي وليست جماعة، بينما السلفيون اليوم وبعد نزولهم الساحة السياسية فقد بدأوا يتقبلون كل شيء، من دون اقتناع، فالسلفيون الموجودون الآن هم سلفيون تنظيميون، وأنا سلفي عقائدي وشتان بين الاثنين، فأنا أختلف عنهم فكراً ومبادئ وقيماً، كالاختلاف بين الفهم الراقي للدين وبين الفهم الخاطئ له.

تحضر عروض الأفلام السينمائية، ألا يتعارض هذا مع رجل الدين؟

أحضر هذه العروض لبيان وإعلام الناس أن الدين الإسلامي لا يصطدم مع الفن بأي حال. بل على العكس، يشجع الدين على الفن باعتباره تراثاً إنسانياً، والإنسان والفن قرينان لا يفترقان. تجد السلفيين أصحاب الفكر المتطرف هم من يقول بأن أدب نجيب محفوظ مثلاً يدعو إلى الدعارة، على رغم أنه يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي. عموماً، تهدف الأفلام السينمائية الهادفة إلى عرض المجتمع، وكل ما يبني الإنسان لا يمكن اعتباره نوعاً من الإباحية، على عكس الأفلام الإباحية الصريحة فالهدف منها واضح.

أسباب التطرف

ما هي الأسباب التي تدفع المرء إلى التطرف؟

غالبية الظواهر التي تدرس وتعالج لا يكون لها سبب واحد، بل ثمة أسباب عِدة، من بينها الفقر والقهر والظلم وقلة العلم والوعي، وكذا الفوارق الاجتماعية الكبيرة بين الناس، ومن بينها أيضاً عدم التخصص إذ يتكلم الشخص في دين الله فيضل ويضل معه أناساً آخرين، فليس كل متطرف يكون متعمداً التطرف، فقد يكون هذا الشخص ساذجاً أو مخدوعاً، أما الإرهابي فهو شخص عدواني بطبعه، لأن الذي يتجاوز التطرف ويمد يده على الآخرين فيقتل أو يفجر هو غالباً شخصية غير سوية، ويندرج الإرهابيون في هذا السياق.

والمنتمون إلى التيارات الإسلامية عندهم عموماً نزعة تطرف، وفي هذا الصدد أضرب لك مثالين، عند اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله، ما من أحد منتمٍ إلى التيار الإسلامي أو الجماعات الإسلامية إلا وكان يهنئ الآخر بالاغتيال، وكأنهم تخلصوا من فرعون، فهل هذا عمل يقره دين أو شرع؟ والموقف الثاني بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 كان معظم المنتمين إلى هذه التيارات مسرورين يهنئون بعضهم بعضاً، فهل هذا جهاد في سبيل الله؟ نقول أبداً، بل هو تطرف وإرهاب.

لكل دين وجماعة مقاصد، فما هي مقاصد الإرهاب أو الفكر المتطرف؟

لو تعمقنا في دراسة أهداف الإرهاب، سنجد أن الهدف الأول هو أن يلزم الإرهاب الجميع بما يفرضه عليهم، ويفرض على المجتمع قانونه، وأن يسود فكر الإرهاب وفلسفته، إلى أن يصل الأمر إلى درجة أن يصبح فيها الإرهاب هو المرجعية العليا التي يجب الخضوع إليها. بالتالي، فإن فهم النصوص والأحكام في الشريعة لا يكون صحيحاً إلا إذا تطابق مع المفاهيم التي يفرضها، وكل فكره (أي الإرهاب) صواب، وكل فكر غيره ضلال وكفر.

هذا هو القانون الذي يريد الإرهاب أن يفرضه على المجتمع، لذا يستخدم أقصى درجات العنف المعنوي والمادي (بالتكفير والقتل) في محاولة منه إلى إخضاع الجميع، فإذا ساد قانون الإرهاب فوق قوانين العقل والشريعة والمجتمع، تَحقق الهدف النهائي الذي يسعى إليه، وهو أن يسقط المجتمع وأهله أسرى ورهائن في يده.

وينبغي ألا نغفل أن الإرهاب يستخدم أقصى درجات الذكاء لتحقيق هدفه، ويتدرج في مراحله بخطوات محسوبة، بما يؤكد وجود «عقل قائد» يتولى التخطيط وتنفيذ الاستراتيجية الحقيقية المعادية للشريعة والإسلام، ويحرك جماعات الصبية التي تتحول في ما بعد إلى دُمى مسلوبة العقل والإرادة، وتخرب وتقتل من دون وعي ولا حساب للعواقب.

هل يعني ذلك أن الفكر الإرهابي المتطرف يتمتع بذكاء؟

نعم، يتمتع الفكر الإرهابي بذكاء عالٍ، ويظهر ذكاء الإرهابي في اختياره المرأة نقطة بداية لفرض فكره وسيطرته على سلوك المجتمع، فكانت نقطة البدء قضايا من أمثال أن خروج المرأة إلى العمل حرام، ومشاركتها في الحياة العامة كفر، وأن النقاب فريضة، ومن يخالف هذه الأمور خارج عن الشريعة... إلخ، فقد انتقل الفكر الإرهابي من الدعوة إلى النقاب بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، إلى إيذاء غير المنتقبات، ثم إلى التحدي، وأخيراً إلى القضاء لاستصدار حكم بأن النقاب هو زي المرأة المسلمة الشرعي.

وقد رفضت المحكمة الدستورية في مصر منذ سنوات هذا المطلب وفندت القضية وأظهرت فساد المنطق الذي يستند إليه الفكر المتطرف في اعتبار النقاب فريضة، والهجوم على وزارة التعليم، لأنها منعت التلميذات من ارتدائه داخل المدرسة وسمحت بـ{الخِمار» وبالملابس التي تحقق معنى «الستر» المطلوب شرعاً، لكن القضية عند هؤلاء ليست النقاب، بل النقاب هو نقطة البدء للهجوم لتدور المعركة، وحين يحقق الإرهاب فيها النصر ويفرضه بالقسر، ينتقل إلى غيره، إلى أن تسود مفاهيمه كافة، ثم يسود التطرف والإرهاب ويحكمان ويتحكمان.

برأيك، هل يعتمد الفكر المتطرف إلى سند عقلي؟

نعم، يمسك أصحاب الفكر المتطرف البنادق الآلية والمفرقعات، وثمة من يفلسف الإرهاب ويقدم لهم التبرير العقلي ويضعه في قالب مقبول من المنطق المغلوط، ويَدُس السُم في العسل، فقد يكون هذا العسل نظرية سياسية أو دعوة اجتماعية أو فتوى دينية لكبار قادتهم أو شعاراً عاماً وهلامياً له جاذبية، وليس له قوام محدد يمكن مناقشته، مثل «إقامة الشريعة الإسلامية». المهم أن كل فكر متشدد لا بد من أن يستند في النهاية إلى مجموعة من أفكار تجعل من يحمل السلاح يتصور بالوهم، أو يحاول أن يصور للآخرين بالمكابرة، أنه بطل أو أنه صاحب قضية أو أنه شهيد.

بصفتك كنت أحد عناصر الجماعات المتطرفة سابقاً، هل يمكن أن تكون لهذه الجماعات قدوة ورموز معروفة ويظهرون أمام الناس؟

نعم، فالفكر المتطرف أو الإرهابي له مجموعات بينها تنسيق وتبادل معلومات وتداول أفكار وكتب وشخصيات محورية، ومفكرون كبار وصغار، وكتاب مشهورون ومغمورون، ومتحدثون في كل ندوة وكل مؤتمر واجتماع، فالمعلوم أن مفكري الإرهاب بكل ثبات يقفون أمام الجميع، على أنهم الوحيدون الذين يمسكون بالحق والحقيقة، وكل من ليس معهم فهو ضلال مبين، وعدو الله وشريعته.

منابع الفكر المتطرف

مرّ عالمنا العربي بفترات ضعف وُصفت وقتها بظهور تيارات الإسلام المتطرف، ما السبب؟

يرى المتابع لتاريخ التيارات الدينية المتطرفة أن أول بوادر ظهور هذه التيارات كان على يد الشيخ علي المودودي، وكان ذلك في شبه الجزيرة الهندية. استشرى هذا التيار في كامل القارة الآسيوية وامتد إلى البلاد العربية، لكن كانت مصر المرمى الذي استقبل هذه الأفكار، وظهر ذلك في أفكار الشيخ سيد قطب المفكر الإخواني وكتبه، وتأثر «الإخوان» به كثيراً، إلى جانب كثير من التيارات الأخرى، التي انزلقت في تطبيق آرائه من دون وعي والتي أحدثت تحولاً كبيراً في عدد من المسلمين، فضلاً عن بعض الأفكار الأخرى مثل «الحاكمية» وفكر «أمد يدي للتغيير وصولاً إلى الإرهاب». للأسف الشديد، كنت أحد الذين ضلوا الطريق في بداية حياتهم واتبعوا التشدد والغلو، حتى هداني الله وعدت إلى رشدي، وأقلعت عن هذه الأفكار التي كانت تؤكد أنني فقط على صواب والآخرين على خطأ. وبعد 30 عاماً من الضلال، عدتُ وأكملت دراستي التي كنت أعتقد أنها حرام، حيث كنت أدرس في كلية الطب، ووجدت أن أبي وأمي البسيطين يمارسان فلسفتهما الخاصة التي أيقنت أنها أفضل مني. وأقول الآن إن كتب سيد قطب هي سبب البلاء الذي يعيشه بعض التيارات المتشددة والتي عادت إلى الظهور مجدداً وبقوة وحرية وأصبحت تمتلك السلطة.

هل تقصد أن تيار السلفية الموجود الآن على الساحة قد شوه الإسلام؟

هذا أمر لا شك فيه، وهناك الكثير من الذين تلوثت أيديهم بالإرهاب ويؤكدون انتماءهم إلى السلفية، قد أساؤوا إلى السلفية، من بينهم السلفيون الموجودون الآن على الساحة، فهؤلاء جاؤوا بأفكار وفتاوى من الكهوف القديمة والسراديب المجهولة، لأجل تطبيقها علينا، وهم في أمس الحاجة إلى الرجوع إلى حظيرة الإسلام المعتدل وإلى السلفية السمحة. يطل هؤلاء علينا بوجه واحد فقط مشرق، في حين أن لهم ألف وجه آخر مظلم يؤمنون به، فقد أصدر أحد الذين يدعون السلفية في السابق فتوى مفادها أن الذي يتحدث بسوء عن رئيس الجمهورية يهدر دمه، ومنهم من أهدر دم الدكتور محمد البرادعي (عضو جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة في مصر)، وكان أداؤهم في المجلس التشريعي المنحل في مصر خير دليل على ضبابية فكرهم الذي يتجه إلى الوراء مئات من السنين.

دعاة السلفية كانوا على قلب رجل واحد لعدم المساس بالمادة الثانية من الدستور المصري، وعلى رغم ذلك قلت إن وجودها من عدمه لا يتطلب ذلك، لماذا؟

كلنا يعلم تماماً أن مصر دولة ذات طابع إسلامي، حتى لو لم تكن هذه المادة والتي تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع» موجودة في الدستور، وذلك لأن الغالبية بين أبناء شعبها من المسلمين. وثمة فرق بين الدولة المسلمة ودولة الإسلام، فمصر دولة مسلمة من بين دول عدة مسلمة. أما دولة الإسلام فهي الدولة التي أقامها رسول الله (صلى الله عليه وسلم). من هنا لا يجوز هذا القول، لأنه غير دقيق، فالمقصود بدولة المسلمين هنا الدولة الإسلامية التي يحكمها خليفة المسلمين، فيما لا تمثل مصر كل مسلمي العالم وحاكمها ليس خليفة المسلمين في الأرض.

في سطور:

مفكر وداعية إسلامي، يُعد أحد أقطاب السلفية، اعتنق الفكر المتشدد المُسمى بالسلفية الجهادية في بداية حياته، حتى لقب بـ{الإرهابي التائب». انضم إلى الجماعات التكفيرية وعاش طريداً سنوات طويلة من حياته، وبعد مراجعات فكرية قام بها أعلن في بداية تسعينيات القرن الماضي تبرئته من الأفكار التي غرق فيها والخاصة بالفكر التكفيري، ثم دعا إلى ما يُسمى بـ»السلفية العقلانية». يقود حملة ضد كتب سيد قطب والإمام المودودي باعتبارهما مصدرين للفكر التكفيري في عالمنا المعاصر.

هاجمه كثير من التيارات الدينية بسبب مساندته للفن والفنانين وفتواه بجواز صلح حركة المقاومة الفلسطينية «حماس» مع إسرائيل، واعتبرته خارجاً عن شريعة السلف.

له الكثير من الكتب والدراسات الإسلامية، ويحل ضيفاً رئيساً في المحافل الثقافية والفنية، ويدعو دائماً إلى قيام الدولة المدنية، ولا يمانع أن يكون رئيس الدولة رجلاً مسيحياً.

back to top