هل يمكن معالجة الهذيان؟

نشر في 26-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 26-06-2013 | 00:01
No Image Caption
شاع مرض الهذيان منذ زمنٍ طويل، وساهمت مسرحية «مريض الوهم» للكاتب الفرنسي موليير في إخراجه إلى دائرة الضوء بصورة كبيرة. يظهر بدرجات مختلفة، وقد يسبب ضيقاً أو معاناةً حقيقية، لذلك ينبغي ألا يُستهان به بل أن يؤخذ في الاعتبار بجدية.
يكثر الأشخاص المصابون بالهذيان وينتمون إلى فئات عمرية مختلفة، فيطاول المراهقين والبالغين على السواء. في أغلب الأحيان، يبدأ الهلع الناتج من هذا المرض في مرحلةٍ عمرية مبكرة سواءٌ تمّ اكتشافه أم لا.

يتحول السعال إلى سلّ، وآلام الصدر إلى مشاكل في القلب، ومشاكل العبور المعوي إلى سرطان في القولون... باختصار، يخيّل للمصاب بالهذيان أنه يعاني مرضاً خطيراً، فيراجع الطبيب ويطمئن إلى وضعه فترة محددة، بعد أن يتبيّن أن نتائج فحوصاته إيجابية، ليسيطر القلق عليه بعد ذلك، فيتهم الطبيب بالتقصير أو أنه أخطأ في قراءة النتائج...

لا يتعلق الأمر بالأوقات التي يُصاب فيها المرء بالهلع نتيجة مصيبة حقيقية، فمن الطبيعي أن يقلق عند الشعور بألم حقيقي، إلا أن هذه المخاوف لا تتجدد لدى المصاب بالهذيان بانتظام، مع ذلك يبدو بعيداً عن الشعور بالطمأنينة.

نوعا الهذيان

• هذيان عصابي: أحد أشكال الهذيان الأكثر شيوعاً. يعي المصاب به أنه يشعر بمخاوف لا تفسير لها ويعجز عن السيطرة عليها، فتنتابه نوبات قلق بشأن وجود أورام، باعتبار أن السرطان مرضٌ يتطور تدريجاً وبشكلٍ سري في مخيلته. غير ذلك، قد يخشى النوبات القلبية بينما لا يشعر إلا بضيق مبهم في الصدر... فيهرع إلى مراجعة الطبيب للحصول على وصفة طبية. تتعدد النوبات استناداً إلى طبيعة الفرد. قد يكون الهذيان عرضياً يصيب المرء بعد فترة حداد، وقد يظهر لدى أشخاص يخشون الوقوع مجدداً في مرضٍ معين بعد الشفاء منه، وغالباً ما يكون في حالةٍ مماثلة مفهوماً وأسبابه واضحة.

• هذيان خرفي وذهاني: أشدّ أنواع الهذيان ويسبب سلوكاً غير عادي مرافقاً بتراجع في الشخصية وبأوهام يصعب التخلّص منها. قد يصل الأمر إلى حدّ الذهان والهلوسة. لحسن الحظّ، نادرون هم الأشخاص الذين يصابون بهذا النوع من الهذيان الذي غالباً ما يظهر مع أنواع أخرى من الآلام.

جذوره

 

لا تزال جذور الهذيان غامضةً. نادراً ما يكون الأشخاص المعرضون له عانوا صدمةً ذات طابع طبي أو مرضاً في طفولتهم. يعزو بعض الأطباء الصدمة إلى انتقال من منزلٍ إلى آخر أو فقدان الوظيفة أو وفاة شخص عزيز، في مطلق الأحوال يؤكدون على غياب الأمان، حتى وإن اختلف السلوك من شخصٍ إلى آخر، ما يجعل الوقاية من حالات مماثلة أمراً صعباً.

من السهل أن يشعر المصاب بالهذيان بالقلق حين يطّلع على تاريخ العائلة المرضي، أو الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى وفاة أفراد العائلة، أو إلى تقرير إعلامي أو برنامج تلفزيوني عن حالات وفاة أو أمراض معينة. تجمع علاقة سيئة بين المصابين بالهذيان والمحيط الطبي، ويشعرون بتناقض وتردد إزاء الأطباء، إذ لا يسعهم تخطيهم وفي الوقت عينه ينتقدون أداءهم ويشككون به.

لا يتفق المحللون النفسيون على جذور الهذيان النفسية، إذ يشير البعض إلى أسباب تختلف من شخصٍ إلى آخر، من ضمنها: نقص عاطفي، انفصال عن الوالدين أثناء الطفولة، إفراط في الحماية من قبل الوالدين، أسرة تصب غضبها وتوترها على أحد أفراد العائلة، شخصية نرجسية أو بكلّ بساطة ضغط العمل.

مظاهر الهذيان

 

يشعر المصاب بالهذيان بآلام قد تكون حقيقية أحياناً أو خيالية أحياناً أخرى، فيقتنع بأنه مصاب بمرضٍ حقيقي. تُعتبر الأوبئة حقلا خصباً لهؤلاء الأشخاص. يكفي أن يشاركوا في مؤتمر عن السيدا ليعتقدوا أنهم مصابون فعلا بالأعراض كافةً. نادراً ما يراجع مريض الوهم قاموساً أو موقعاً طبياً من دون أن يفكّر أنه يعاني أوجاعاً مشابهة لتلك المذكورة ضمن خانة أعراض المرض الذي قرأ للتو عنه. مع التقدّم في العمر، تتضاعف الآلام ومعها الأسباب التي تدفع إلى الإصابة بمزيد من القلق.

غياب المحفزات

لا يُعتبر المصاب بالهذيان محفزاً على الإطلاق، إلا أنه يبدو مقتنعاً بالمرض الذي يشتكي منه. يستحيل تقريباً التوصل إلى إقناعه بأنه لا يشكو سوءاً بطريقةٍ موضوعية، إنما يحتاج إلى بعض التحاليل والأطباء ممن يثق بهم ليشعر بالراحة والأمان. قد ينحرف سلوك الشخص فيصبح عدائياً إزاء الآخرين لا سيما الذين لا يصدقونه، أو إزاء الجهاز الطبي فيتهمه بأنه غير كفؤ، أو قد يُصاب بالاكتئاب.

قد يسبب القلق الذي يشعر به المصاب بالهذيان إلى: تعرق كثيف، عدم انتظام دقات القلب، آلام في الصدر وغير ذلك، وقد تصل الأمور إلى حدّ الهلع، لا سيما أثناء الليل. يُظهر المصاب بالهذيان تيقظاً شديداً فيزيد من حدة الأمور حتى العادية منها. غير ذلك، تراه واسع الاطلاع على أعراض الأمراض المتنوعة، ودائم الشعور بالخوف من الموت، فيسيء تفسير العلامات المختلفة ويعجز عن تطبيق إجراءات للسيطرة على مخاوفه. إلا أن المشكلة تتعقد حين يتحوّل القلق إلى هوس يزعج محيط المصاب بالهذيان بأكمله لا سيما أفراد عائلته.

هل من علاج؟

بعيداً عن أشكال الهذيان، لا يُعتبر المصاب بالهذيان مريضاً على الصعيد النفسي أو على الصعيد الجسدي ما يفسر صعوبة معالجته.

حين يتعرض المصاب بالهذيان لأزمة قلق مصحوبةٍ بتعرق شديد وخفقان قلب، يمكن تناول مضاد للقلق تختلف قوته استناداً إلى الحالة. علاوةً على ذلك، قد يعتمد بعض الأطباء علاجاً سلوكياً لضمان عدم تكرار الحالة المرضية، يتجلى في حمل المريض على مواجهة مخاوفه والتعبير عنها ومحاربتها والتأقلم معها إلى أن يتمكن من كبحها.

حين يعتاد المريض التحدث عن مرضه، سيلاحظ أن الأخير بدأ يتراجع إلى أن يُشفى تماماً. يكمن الهدف الأساسي في التوصل إلى السيطرة على المرض وأعراضه حين يبدو الأمر ضرورياً.

للتخلص من الهذيان أو للسيطرة عليه، لا بدّ من أن يساعد المريض نفسه من خلال:

• إعادة التفكير بالمعتقدات التي كوّنها على مرّ السنوات عبر مراجعة محللين نفسيين وإجراء سلسلة من الاختبارات: «ما الذي قد يحصل إن توقفت عن تناول الشاي المعجزة هذا أو أجريت صورة أشعة واحدة في السنة بدلا من إجراء ثلاث أو أربع صور؟»

• الامتناع عن إجراء التحاليل في كل وقتٍ واحترام المعدلات الموصى بها أو تخفيفها إلى النصف في البداية.

• ممارسة تمارين الاسترخاء وتقنيات التنفس أو الانغماس في نشاطات رياضية أو ثقافية.

 

حياة مضطربة

يمكن أن يتابع المصاب بالهذيان حياته المهنية أو الشخصية بشكلٍ طبيعي، مع ذلك تنتابه الهواجس الخاصة التي يميل إلى السيطرة عليها أو إلى نسيانها في حياته اليومية.

يعاني المشاهير الهذيان، من بينهم: الممثل والمخرج الفرنسي ميشال بلان والممثل والمغني الفرنسي ميشال leeb. يعترف أولئك المشاهير أنهم مدمنون على إجراء تحاليل طبية ويرفضون التنقل من دون حقيبة طبية. علاوةً على ذلك، عرف الممثل وودي ألن كيف يجسد، في أفلامه، مخاوفه غير المنطقية، إلا أن مقدم البرامج ميشال دروكير يبقى مريض الوهم الأشهر على الإطلاق. على غرار الأشخاص المصابين بهذا المرض، يجري دروكير تحاليل طبية على يدّ الأطباء أو المختبرات.

لا عجب في الأمر إن قلنا إن البشر يقعون فريسة الهذيان في مراحل متنوعة من حياتهم، إلا أن الرجال يبقون أكثر عرضةً من غيرهم لهذه الظاهرة ابتداءً من مرحلة عمرية مبكرة.

نتائج متنوعة

يختلف عمق الألم بشكلٍ كبير. قد يبقى الأمر ضمن حدود الهذيان الخفيف الذي يجعل المريض يضحك من نفسه من دون أن يتمكن من السيطرة على سلوكه، وقد يتعداه إلى الهذيان الذي يؤدي إلى سلوك مرضي: المثل الأكثر شيوعاً يبقى ذلك الذي يُظهر شخصاً يتجنّب الخروج خوفاً من التقاط مرضٍ ما.

يميل مرضى الهذيان إلى تناول أدوية بانتظام أو اللجوء إلى معالجات بديلة، رغبةً منهم في استعادة الشعور بالاطمئنان الذي يبقى هدفهم الأساسي على الدوام.

back to top