خطوة إيران الذكية لتجاوز الخطوط النووية الحمراء!

نشر في 28-02-2013
آخر تحديث 28-02-2013 | 00:01
تعمد إيران إلى تأخير اليوم الذي تكون فيه مستعدة للإسراع ببناء سلاح نووي، إلا أنها تضمن أنها، عندما يأتي هذا اليوم، ستبنيه في أقصر وقت ممكن. وهكذا تنجح إيران بذكاء في تفادي الخط الأحمر الإسرائيلي.
 ويكلي ستاندرد  مع اقتراب الجولة التالية من المحادثات الدولية بشأن برنامج إيران النووي، على الولايات المتحدة أن تفهم استراتيجية التفاوض الإيرانية. تكشف المناورات الإيرانية الأخيرة مقاربة تبدو متناقضة في الظاهر: إبطاء البرنامج النووي وتسريعه بشكل متعاقب. لكن إيران بتضييعها الوقت تسعى بذكاء إلى التخلص من الضغط الدولي، مسرعةً في الوقت عينه تقدُّمَها نحو القدرة النووية العسكرية. لذلك يجب أن تعبر الولايات المتحدة بوضوح أنها تعي جيداً ما تحاول طهران تحقيقه، وأنها لاتزال مصممة على منع إيران من التحول إلى دولة نووية.

ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تقريرها في شهر مايو الماضي ثم في نوفمبر أن إيران نقلت كمية من اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20% (أولاً 30 كيلوغراماً ثم 36 كيلوغراماً) لتحول إلى وقود لمفاعل الأبحاث في طهران. عندما يحول اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20% إلى صفائح وقود ليُستخدم في المفاعل، تصعب إعادته إلى الشكل الضروري لإخضاعه للمزيد من التخصيب، علماً أن ذلك ليس مستحيلاً. إذن، صحيح أن إيران مازالت تملك اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20%، إلا أنها ما عادت تستطيع استعماله في أي مناورة عاجلة لتطوير سلاح نووي.

لولا تحويل هذه الكمية من اليورانيوم لكان مخزون إيران من اليورانيوم المخصب إلى نسبة 20% قد تخطى في شهر نوفمبر الماضي العتبة الحرجة عند مستوى الـ155 كيلوغراماً... وتشكل هذه الكمية من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20% الحد الأدنى الضروري لإنتاج مواد انشطارية لإعداد جهاز نووي بعد خضوعها للمزيد من التخصيب. لكن بنقل 66 كيلوغراماً من هذا اليورانيوم عام 2012، أخرت إيران الموعد المتوقع لتخطيها عتبة القدرة على تطوير سلاح نووي إلى شهر مايو عام 2013، متيحة لنفسها سبعة أشهر إضافية. يرتبط هذا الإطار الزمني بالخط الأحمر الواضح الذي حدّده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو حرفياً السنة الماضية، مهدداً ضمنياً باتخاذ خطوة عسكرية "قبل أن تنهي إيران المرحلة الثانية من تخصيب اليورانيوم [مكدسةً ما يكفي من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20%] لتطوير قنبلة".

بنقل المزيد من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20%، تؤخر إيران مرة أخرى تاريخ تخطيها الخط الأحمر الإسرائيلي. ولكن في 13 فبراير، ادعت طهران أنها شرعت في تركيب الجيل الجديد من أجهزة الطرد المركزي في محطة تخصيب الوقود في ناتانز. وفي 14 فبراير، تبيّن أن إيران حاولت شراء قطع مغناطيسية خاصة لبناء المزيد من أجهزة الطرد المركزي. ولكن لمَ تسرّع إيران برنامجها النووي فيما تبدو في الوقت عينه وكأنها تماطل لاكتساب الوقت؟

الجواب المباشر عن هذا السؤال أن إيران لم تبطئ برنامجها إلى هذا الحد. فالكيلوغرامات العشرة الأخيرة التي نقلتها من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20% أصغر بكثير من الكميات التي نقلتها سابقاً ولا تؤخر بلوغ الخط الأحمر الإسرائيلي إلا بنحو شهر واحد. من الواضح أن عملية النقل الأخيرة هذه جاءت خصوصاً بسبب المفاوضات المقبلة، والهدف منها الإتاحة للمحادثات الانطلاق لا أكثر، بغض النظر عمّا إذا كانت إيران فعلاً مهتمةً بالتوصل إلى حل عبر المفاوضات، أو أنها تعتبر الدبلوماسية مجرد أداة أخرى للمماطلة.

يشمل الجواب الأكثر تعقيداً فهم البنية التحتية النووية الإيرانية المتنامية. تُنتج إيران يورانيوم مخصباً بنسبة 20% في منشأتين: محطة تخصيب الوقود فوق الأرض في ناتانز ومحطة تخصيب الوقود تحت الأرض في فوردو. لكن أجهزة الطرد المركزي الجديدة ستُركّب في محطة ناتانز، التي تُنتج حتى الآن يورانيوم مخصباً بنسبة 3.5% فقط. لذلك لن تؤثر أجهزة الطرد المركزي المتقدمة هذه مباشرة في نمو مخزون إيران المخصب إلى نسبة 20% ولا في التاريخ الذي تتخطى فيه الخط الأحمر الإسرائيلي. لكنها ستزيد من قدرات إيران على بناء سلاح نووي بسرعة. فإذا حاولت إيران إنتاج يورانيوم عالي التخصيب لتطور سلاحاً نووياً، فستقوم بذلك على الأرجح في ناتانز لأنها منشأة التخصيب الكبرى.

تستطيع أجهزة الطرد الجديدة IR-1 وIR-2m أن تضاعف معاً الناتج الحالي لمنشأة ناتانز، ما يعني أن الوقت الذي قد تحتاج إليه إيران لتُنتج 20 كيلوغراماً من اليورانيوم العالي التخصيب (الحد الأدنى لتطوير سلاح نووي) سيتقلص إلى نحو النصف من 99 يوماً إلى 52.

إذن، تعمد إيران بهذه الطريقة إلى تأخير اليوم الذي تكون فيه مستعدة للإسراع في بناء سلاح نووي، إلا أنها تضمن أنها عندما يأتي هذا اليوم، ستبنيه بأقصر وقت ممكن. وهكذا تنجح إيران بذكاء في تفادي الخط الأحمر الإسرائيلي، رافعةً في الوقت عينه أهمية الجولة التالية من المفاوضات الدولية.

تستغل إيران تعبير إسرائيل الصريح عن خطها الأحمر. تشكل كمية اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20% مجرد معيار واحد لتحديد قدرة إيران على تطوير سلاح نووي. ولكن منذ التزمت إسرائيل علانية بهذا المعيار، توصلت إيران إلى طريقة لتسرع عملها بطرق أخرى. تعمل إيران على تأخير اجتيازها خط نتنياهو الأحمر، بيد أنها تقلص المسافة بين تلك العتبة والقدرة على تطوير سلاح نووي. وهكذا، بحلول الوقت الذي تملك فيه إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20%، قد تتمتع أيضاً بالقدرة على إنتاج يورانيوم عالي التخصيب في غضون أيام، ما يعقد عملية توجيه ضربة عسكرية وقائية فاعلة إليها.

في الوقت عينه، تقلب إيران الطاولة على محاوريها الدوليين، مجموعة (5+ 1). حاول الرئيس الأميركي باراك أوباما الضغط على إيران من خلال العقوبات. كذلك زاد أخيراً الوضع إلحاحاً بإعلانه في خطاب "حالة الاتحاد" أن "الآن هو وقت التوصل إلى حل دبلوماسي".

علاوة على ذلك، تزيد إيران الوضع خطورة مشيرة إلى أن طهران ستكون قاب قوسين أو أدني من القدرة على تطوير سلاح نووي، إن لم تُعقَد صفقة قريباً. يهدف هذا التحذير غير المعلن إلى إرغام مجموعة (5+ 1) على القبول بصفقة وفق شروط تكون مواتية لإيران (ربما الإقرار "بحق التخصيب" غير الموجود) بدل أن تُضطر إلى خوض مواجهة مع إيران. يراهن القادة الإيرانيون على أن مجموعة (5+ 1) تعلق أهمية كبرى على التوصل إلى نوع من التسوية الدبلوماسية، لا على ضمان أن طهران لا تستطيع بناء سلاح نووي.

في المقابل، يجب أن توضح الولايات المتحدة جلياً، قولاً وعملاً، أنها ما زالت ملتزمة باستخدام كل الوسائل لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية. فقد يدفع ذلك طهران إلى التفاوض بنية حسنة. وعلى الرئيس أوباما أن يعود إلى الخط الأحمر الذي رسمه خلال المناظرة الرئاسية الثالثة السنة الماضية، "القدرة على تطوير سلاح نووي"، لأنه يشكل عتبة أكثر دقة يمكن التأكد منها والحؤول دون وصولها، مقارنة بـ"السلاح النووي". كذلك على الكونغرس العمل لتفادي اقتطاعات الموازنة الوشيكة، التي ستحد على نحو كبير من موارد الولايات المتحدة الضرورية في الخليج العربي وتشكل علامة ضعف في وقت حرج.

تبطئ إيران برنامجها النووي كي تسرع مسيرتها نحو امتلاك القدرة على تطوير سلاح نووي. ويجب ألا تتردد الولايات المتحدة في إظهار قوتها لتصون السلام.

Blaise Misztal و David Makovsky

back to top