مقاربة واشنطن مع النووي الإيراني هل تنسحب على كوريا الشمالية؟

نشر في 06-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 06-10-2013 | 00:01
No Image Caption
نقل المسؤولون الكوريون الشماليون رسالة كيم التي تعهد فيها بضمان سلامة السياح، حين زارت هيون جونغ أون، رئيسة شركة هيونداي أسان التي تدير المجمع والجولات، هذا الجبل المميز في الشمال في شهر أغسطس الماضي، لكن سيول تريد ضماناً مكتوباً على مستوى الحكومتين.
 Kim Young قد لا يكون القائد الكوري الشمالي كيم يونغ أون مسروراً بمكانته على المسرح العالمي في الآونة الأخيرة. فقد أملت بيونغ يانغ التملص من عقوبات خانقة قد تفرضها عليها الأمم المتحدة بالعودة إلى المحادثات الثنائية مع الولايات المتحدة والمحادثات المتعددة الأطراف مع الأمم الست. لكن واشنطن حوّلت أنظارها بعيداً عن آسيا وشبه الجزيرة الكورية وكوريا الشمالية. صحيح أن الرئيس باراك أوباما أيّد خلال ولايته الأولى سياسة الاستدارة نحو آسيا، ولكن بعد فوزه بولاية ثانية، وجهت إدارته أنظارها نحو الشرق الأوسط. نتيجة لذلك، بدأ ما عُرف بـ"صبر واشنطن الاستراتيجية" نحو كوريا الشمالية يتحول إلى "إهمال استراتيجي"، مع استقطاب القضيتين الفلسطينية والسورية كل الاهتمام في الشؤون الخارجية في واشنطن اليوم.

لربما يخشى كيم أيضاً خسارة شريك كوريا الشمالية الرئيس في برنامجها النووي العسكري: إيران. من المعروف أن إيران أدت دوراً رئيساً في تحقيق كوريا الشمالية تقدما كبيرا في الأسلحة النووية والتكنولوجيا الصاروخية. ويظن كثيرون أن إيران كانت على اطلاع على التطور النووي الكوري الشمالي من البداية بإرسالها مراقبين إلى هذا البلد منذ تجربته النووية الأولى عام 2006. لكن هذه العلاقة الحميمة قد تنقطع مع تسلم رئيس أكثر اعتدالاً، حسن روحاني، سدة الرئاسة في إيران.

ففي سلسلة من المقابلات والمقالات التي جاءت ضمن إطار مشاركة روحاني الأولى في الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ذكر هذا الرئيس أن إيران مستعدة لعقد اتفاق "خلال فترة وجيزة"، والتوصل إلى صفقة نووية ما مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى. كذلك ذكر أن من الممكن التوصل إلى تسوية بشأن نزع السلاح في غضون سنة.

كانت هذه الخطوة مستبعدة تماماً خلال عهد سلفه المعادي للولايات المتحدة، محمود أحمدي نجاد، الذي زعزع سلوكه العدائي غالباً السلام في الشرق الأوسط. لكن روحاني أوضح أن توجهه الدبلوماسي الجديد يحظى بدعم القائد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، الذي يُعتبر الحكم الفصل في شؤون الدولة. كذلك ذكر روحاني أنه يستطيع احتواء التدخل السياسي لقاسم سليماني، قائد فيلق القدس، قوات النخبة في حرس الثورة الذي يعارض أي تسوية مع الغرب.

لاشك في أن مبادرة روحاني البالغة الأهمية حجبت الأنظار عن أخبار إلغاء بيونغ يانغ عملية لم شمل العائلات التي تفرقت خلال الحرب الكورية بين عامَي 1950 و1953، هذه العملية التي طال انتظارها. وهكذا، في تناقض تام مع المديح الذي أُغدق على الرئيس الإيراني الجديد، انهالت الانتقادات على كيم نتيجة خيبة الأمل التي سببها لمسنين على جانبي الحدود، بعد أن عززت إعادة فتح "مجمع كيسونغ الصناعي" الآمال أن يسود جو من المصالحة بين الكوريتين. لن يتمكن كيم من تصحيح الأوضاع إلا إذا تبدل. ويجب أن يدرك جيداً أن التهديدات والاستفزازات لا تفلح في التعامل مع حكومة رئيسة كوريا الجنوبية بارك كون هيه.

توضح الافتتاحيات والتصريحات على لسان الناطقَين الرسميين باسم حزب العمال الكوري الشمالي، صحيفة Rodong Sinmun ولجنة الشمال لإعادة توحيد كوريا سلمياً، الأسباب الحقيقية وراء تبديل بيونغ يانغ مسارها. يبدو أن كوريا الشمالية استاءت كثيراً لأن الجزء الأكبر من الفضل في إعادة فتح منطقة كيسونغ الصناعية المشتركة ذهب إلى الرئيسة الكورية الجنوبية بارك. فقد أثنت الصحف على سياسة القناعات والمثابرة التي اعتمدتها الرئيسة في تعاملها مع بيونغ يانغ، وأكدت أنها تمكنت بفضلها من الحصول في النهاية على تنازلات من بيونغ يانغ. ويبدو أن سيول انهمكت في تهنئة نفسها على الإنجاز الذي حققته في العلاقات بين الكوريتين، ولم تتنبه لمشاعر الطرف الآخر.

تذكر بعض التقارير أن القائد الشاب في بيونغ يانغ يبقى على اطلاع دائم على ما يجري في سيول من خلال الإنترنت. ولربما شعر كيم بالألم، الذي أحس به والده كيم يونغ إيل حين تسلم الرئيس الكوري الجنوبي السابق كيم داي جونغ جائزة نوبل للسلام عام 2000 بسبب القمة التاريخية بين الكوريتين، بعد أن قرأ كل تلك الأخبار التي تنسب الفضل إلى بارك كون هيه للدور الذي لعبته في كسر الجليد بين الكوريتين في مسألة منطقة كيسونغ.

لربما شكت بيونغ يانغ أيضاً في أن سيول ستنسحب من المحادثات بشأن استئناف الجولات إلى جبل كومغانغ بعد لم شمل العائلات المشتتة. تبدو رؤية إدارة بارك بشأن إعادة بناء الثقة في شبه الجزيرة بعيدة المنال، نظرا إلى انعدام ثقة بيونغ يانغ بسيول. لكن رد فعل بيونغ يانغ مبرر، بما أن تصريحات مسؤول بارز في حكومة كوريا الجنوبية عن أن سيول لا تنوي استئناف السياحة إلى جبل كومغانغ في المستقبل القريب بلغت مسامع الشمال على الأرجح.

كانت كوريا الشمالية تأمل أن يؤدي لم شمل العائلات إلى إعادة فتح المنتجع المدر للأموال واستئناف برنامج الرحلات السياحية إلى جبل كومغانغ، الذي عُلق مع مقتل سائح كوري جنوبي عام 2008. ولكن تناقلت بعض التقارير أخيراً تصريح مسؤول بارز في الحكومة الكورية الجنوبية عن أن سيول مازالت تدرس شروط رفع الحظر عن السفر إلى الشمال، وأن العلاقات بين الكوريتين لم تتحسن بعد إلى درجة السماح بهذه الجولات. وإن كان لتصريح هذا المسؤول أهمية، فلاشك في أنه شكل صدمة للكوريين الشماليين، لأنه أكد أن سيول ليست مستعدة لتطبيع العلاقات مع بيونغ يانغ.

من المؤكد أن سلامة السياح خطوة أساسية لاستئناف الجولات السياحية. وقد نقل المسؤولون الكوريون الشماليون رسالة كيم التي تعهد فيها بضمان سلامة السياح، حين زارت هيون جونغ أون، رئيسة شركة هيونداي أسان التي تدير المجمع والجولات، هذا الجبل المميز في الشمال في شهر أغسطس الماضي. لكن سيول تريد ضماناً مكتوباً على مستوى الحكومتين. فلا تحبذ إدارة بارك الاجتماعات والاتفاقات غير الرسمية التي تكون أحياناً ضرورية لعقد صفقات معقدة. أخبر وون دونغ يون، نائب رئيس دائرة الجبهة الموحدة التي تتولى وضع سياسة الوحدة في كوريا الشمالية، باحثاً أميركياً زائراً الصيف الماضي أن بيونغ يانغ مستعدة للقاء أي ممثل عن الرئيسة الكورية الجنوبية في الصين بغض النظر عن مكانته. لكن سيول تجاهلت هذا العرض. فوافقت بيونغ يانغ في النهاية على إعادة فتح مجمع كيسونغ من دون أي اجتماعات سرية مسبقة، لكن نجاح هذه المقاربة في مسألة كيسونغ لا يعني أنها ستفلح في الشؤون الأخرى بين الكوريتين.

إذا أمكن وقف برنامج إيران النووي من خلال الجهود الدبلوماسية، فقد يزيد ذلك الأمل بتحقيق إنجاز مماثل بشأن برنامج كوريا الشمالية النووي. على كيم أن يفتح عينيه ويواجه الواقع: استدارة واشنطن مجدداً نحو الشرق الأوسط وأجواء المصالحة السائدة بين الولايات المتحدة وإيران. وعلى سيول أيضاً أن تتوصل إلى توازن ما بين المبادئ والواقع. ونأمل ألا تتخطى صرامة الرئيسة بارك وانفصالها عن الواقع (ما عرقل علاقتها بكبار مسؤولي الحكومة وعلاقاتها بقطاع السياسة) حدود كوريا الجنوبية.

back to top