الولايات المتحدة حاميتنا تشيح بنظرها بعيداً عن أوروبا!

نشر في 28-04-2013
آخر تحديث 28-04-2013 | 00:01
اتخذ باراك أوباما السنة الماضية قراراً قد يعتبره التاريخ الأهم خلال رئاسته، فقد أعلن أن البحرية الأميركية «ستستدير» الآن نحو آسيا، مع نشر نحو 60% من قوة الولايات المتحدة البحرية في المحيط الهادئ بحلول عام 2020.
 ذي تيليغراف خلال ذروة التحالف الأطلسي، حذر وينستون تشرشل الولايات المتحدة من أن "المسؤولية ثمن العظمة"، وبعد مرور سبعين سنة، من المنطقي أن تأمل الولايات المتحدة أن تكون الدول، التي كانت توشك أن تحررها عندما تفوه تشرشل بهذه العبارة، قد تحملت مسؤولية الدفاع عن نفسها.

لكن المثير للدهشة أن العكس هو الصحيح، فلا يزال الأعضاء الأوروبيون الستة والعشرون في حلف شمال الأطلسي يعتمدون على واشنطن بصفتها الضامن الأكبر لأمنهم، والأهم من ذلك أن اعتمادهم هذا على الولايات المتحدة لا ينفك ينمو، فقد اقتبس تقرير مهم نشرته أخيراً صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤول أميركي شكواه من "التراجع العسكري الجماعي" في أوروبا. يوضح هذا المسؤول أن وضع بريطانيا بحد ذاتها سيئ إلى حد أنها قد تضطر إلى التخلي عن خَلَف برنامج "ترايدينت" كي لا تقع في عجز مالي كبير. ويضيف: "عليهم أن يكونوا إما قوة نووية وإما شريكا عسكريا حقيقيا".

في عام 2001، كانت الولايات المتحدة تؤمن نحو 63% من إنفاق حلف شمال الأطلسي في مجال الدفاع، أما اليوم، فارتفعت هذه النسبة إلى 75%، بما أن الأعضاء الآخرين يخفضون ميزانياتهم ردا على الأزمة المالية والكلفة الباهظة لأنظمة الرفاهية الاجتماعية. فهل يمكن للتاريخ أن يقدم مثالا أبرز على استغلال الآخرين؟ فبما أن الأوروبيين واثقون من أن الولايات المتحدة ستصون دوماً أمنهم، انتهزوا هذه الفرصة لخفض ميزانياتهم الدفاعية وتمويل أنظمة رعاية مكلفة في المقابل. نتيجة لذلك، تستثمر معظم الدول الأوروبية اليوم 1% فقط من دخلها الوطني في القوات المسلحة، تاركة للولايات المتحدة حمل عبء إنفاق 4.8% من ناتجها المحلي الإجمالي.

يمكننا أن نستثني بين هذه الدول الأوروبية بريطانيا و(المفارقة) اليونان، فتملك هاتان الدولتان اليوم أكبر ميزانيتين دفاعيتين في أوروبا من حيث نسبتها من الدخل الوطني: تنفق كلتاهما نحو2%، ما يعادل ضعف ما تخصصه جاراتها للدافع، إلا أن هذه النسبة تبقى أقل من نصف ما تنفقه الولايات المتحدة.

لكن مَن يستغلون الولايات المتحدة يقدِمون على مراهنة خطرة. يمكنك أن تنام بأمان تحت درع قوة عظمى إن كان هذا العملاق الكريم مستعداً لحماية دوما، لكن المسؤولين الأميركيين في واشنطن يلاحظون ما يحدث اليوم، فخلال اجتماع عُقد أخيرا، صاح مسؤول كبير بتهذيب "يا للمفاجأة!"، عندما ذُكر أن بريطانيا مستعدة للبقاء من دون حاملات طائرات، أو على الأقل حاملات قادرة على شن هجوم جوي، حتى نهاية العقد. كذلك تعجب هذا المسؤول من أن هذه الأمة-الجزيرة، التي تعتمد في تجارتها على خطوط شحن معرضة دوما للخطر، بدت مستعدة للتخلي عن جيل جديد من طائرات الدورية البحرية. ولا شك أن الولايات المتحدة ستُضطر إلى ملء هاتين "الفجوتين في قدرة بريطانيا العسكرية".

بات إلقاء المهام الأساسية على عاتق الولايات المتحدة عرفا غير رسمي في وزارات الدفاع البريطانية والأوروبية، ولعل هذه مدرسة أرثر كلوف في السياسة: "انظروا إلى الغرب، فالأرض خصبة".

لكن القوة العظمى تنظر هي بدورها إلى الغرب. اتخذ باراك أوباما السنة الماضية قراراً قد يعتبره التاريخ الأهم خلال رئاسته. فقد أعلن أن البحرية الأميركية "ستستدير" الآن نحو آسيا، مع نشر نحو 60% من قوة الولايات المتحدة البحرية في المحيط الهادئ بحلول عام 2020. ولا شك أن السبب وراء هذا القرار واضح: مع بروز الصين، صارت واشنطن تواجه منافساً استراتيجياً جديداً، ويحتاج أصدقاء الولايات المتحدة في آسيا إلى الحماية أكثر من الأوروبيين الذين يستغلونها.

علاوة على ذلك، يبدو حلفاء الولايات المتحدة الجدد مستعدين للاستثمار في دفاعهم الخاص، ففي عام 2008، فاقت الميزانيات العسكرية في آسيا ما شهدناه في أوروبا. في تلك السنة، أنفقت الدول الآسيوية مجتمعة 173 مليار جنيه إسترليني في مجال الدفاع، مقارنة بنحو 144 مليارا في دول حلف شمال الأطلسي الأوروبية. ومنذ ذلك الحين، أخذت هذه الفجوة بالاتساع. ويعكس هذا أداء الاقتصادات الآسيوية الجيد مقارنة بالركود الأوروبي، وهذا أيضا سبب إضافي يدفع الولايات المتحدة إلى التركيز أكثر على آسيا بدل حلفائها القدماء.

في الخطاب الأخير الذي ألقاه روبرت غيتس قبل أن يتنحى عن منصب وزير الدفاع الأميركي عام 2011، ظهر بمظهر رجل الدولة الصريح والعادل الذي يوشك أن يتقاعد. أعلن: "إن لم توقف الدول الأوروبية التراجع الحالي في قدراتها الدفاعية وتعكسه، فقد لا يظن القادة السياسيون الأميركيون في المستقبل، قادة لم تشكل الحرب الباردة بالنسبة إليهم تجربة حية كما حدث معي، أن فوائد الاستثمار الأميركي في حلف شمال الأطلسي يستحق العناء".

ولكن كيف يمكننا تفادي ذلك؟ على بريطانيا أن تؤدي دوراً أساسيا. صُممت المراجعات الدفاعية والأمنية عام 2010 لتبقي بريطانيا فوق العتبة المهمة وغير المحددة التي تجعلها حليفا بارزاً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، محتوية في الوقت عينه على اقتطاعات لا بد منها. وتبين أن الهدف المنطقي هو الحرص على أننا عندما نتراجع إلى ما وراء هذا الخط، نستطيع استجماع قوتنا والتقدم مجددا.

وهكذا حاولت بريطانيا تفادي استغلالها الولايات المتحدة، صحيح أننا فقدنا القدرة على شن هجمات جوية من حاملة طائرات، إلا أننا سنستعيد هذه القدرة عندما تصبح حاملة الطائرة "الملك إليزابيث" جاهزة عام 2018.

لكن برنامج المعدات الدفاعية الحالي يفترض أن ميزانيته ستزداد بعد عام 2015 بنسبة 1% بعد الأخذ في الاعتبار تأثيرات التضخم. لكن هذه مراهنة خطرة، لا شك أن مسألة برنامج "ترادينت" مجرد مناورة. فنحن نستطيع الاحتفاظ بهذه القدرة والتمتع بجيش مناسب إن كنا مستعدين لإنفاق المال، إلا أن بعض طموحاتنا لا يزال يحمل مظهراً خادعاً. ستحظى البحرية الملكية بحاملتَي طائرات ضخمتين، تستطيع كل منهما حمل 36 طائرة حربية من نوع Lightning II. لكن واحدة منهما فقط ستكون متوافرة في أي وقت، ولن تحمل هذه إلا 12 طائرة على الأرجح. إذا، من الناحية النظرية، ستملك بريطانيا منصتين قادرتين على حمل 72 طائرة حربية، إلا أنها في الواقع لن تحظى إلا بواحدة تحمل سدس هذا العدد.

إذا، توشك بريطانيا أن تنضم إلى سائر الدول الأوروبية في استغلالها الولايات المتحدة، ولكن إن حدث ذلك، وقرر الرئيس الأميركي المستقبلي التوجه نحو آسيا، فستتحمل الحكومة مسؤولية إخفاقا استراتيجيا كبيرا.

* ديفيد بلير

back to top