الجلسة الأولى: الوطن العربي والغرب
تطرق المتحدثون في الجلسة الأولى لمؤتمر العلاقات العربية والدولية عن الاحداث التي أثرت في العلاقة مابين العالم العربي والدول الغربية.
أوضح وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي الأسبق محمد بن عيسى أن الحديث عن العالم العربي والاتحاد الاوروبي، في الظرف المتقلب الراهن يتسم بصعوبات بالغة، فالتطورات الحاصلة في كليهما بسرعة وتوالي المفاجآت، يربكان اي محلل يحاول تحديد اطار منهجي لتناول الموضوع بغية الوصول الى استنتاج نهائي او شبيه بذلك.وقال بن عيسى في الجلسة الأولى لمؤتمر العلاقات إن عددا من الدول العربية تعرض الى ما يسمى بالربيع العربي، فبينما ذهبت التوقعات نحو الاعتقاد في قيام انظمة "ديمقراطية" تحقق الاصلاح الشامل وترسخ العدالة الاجتماعية والحريات، وتحارب الفساد، لاحظنا ان التيارات "الاسلاموية" هي التي استفادت واستحوذت اكثر من التيارات السياسية الاخرى العارضة، على حصيلة "الحراك" ونتج عن ذلك كما نرى حاليا اضطراب الاستقرار وانعدام الامن في دول المنطقة العربية مسرح "الاحتجاج" وبدل ان يصبح "الربيع العربي" مصدر قوة وعاملا فاعلا من اجل التجديد والتغيير، كما كان يتمنى الذين فجروه فانه حمل معه اسباب ضعف تلك الدول، واظهر شروخا في المجتمعات وايقظ صراعات خطيرة تنذر بمواجهات مذهبية وطائفية قد تكون ذات عواقب وخيمة على وحدة الشعوب والدول.الاتحاد الأوروبيوأضاف بن عيسى ان "الاتحاد الاوروبي من جهته فاجأ العالم بأوضاعه وبما يحدث داخله من تفاعلات وتحولات اقتصادية وسياسية، بدأت تفرز ظواهر سلبية اذ انعشت تلك التحولات احزاب اليمين المتطرف كما ان اقتصاديات بعض البلدان الاوروبية باتت مهددة بما يشبه الانهيار المالي والكساد الى مدى قد يطول"، مشيرا الى "أننا أمام عالمين كليهما في حالة فوران شديدة لاسباب مختلفة، بعبارة اخرى فاننا نعيش عربا واوروبيين نقلة حضارية تاريخية تطال كل مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، نقلة افرزتها العولمة واسقاطاتها على انظمة الحكم ومنظومة القيم ونمط العيش".العالم العربيوبين ان "أوروبا اعتراها ضعف، باعتراف قياداتها ونخبها، وأصبحت في وضعية غير مستقرة على حال، فالاتحاد الاوروبي، كفضاء وحدوي ورغم الجهود المبذولة، لم يكسب كل الرهانات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي وضعها القادة نصب أعينهم على مدى العقود الماضية ويجوز القول ان المشروع الاوروبي متعثر ويحتاج الى دفعة قوية كما ان الأزمة المالية الحالية عمقت نفس الشعور لدى شرائح اجتماعية عريضة في الدول الاوروبية، وجعلها ترفع شعار العودة الى الحدود الوطنية".وتساءل بن عيسى: "هل يدرك الغرب عمق وابعاد التحولات الحاصلة في العالم العربي وتعقيداتها قبل القيام بعملية التصنيف؟".ونبه بن عيسى الى أن "دولا عربية ربما يتهددها شبح التفتت والحروب الأهلية والصراعات البينية، والمشهد المخيف بدأ في السودان وانتقل، في صور أخرى، الى ليبيا ثم اليمن ألا يعتبر الصراع الدائر حاليا في سورية بوصلة المستقبل الغامض؟ في كل الأحوال سيكون الأوروبيون الخاسر الأكبر أمام القوة المتعاظمة للولايات المتحدة، انها سيناريوهات قائمة، والمؤمل ان نفاجأ بعكسها".وأكد أن ما يدعو للتفاؤل بمستقبل العالم العربي، وجود جيل جديد، له طموحات مغايرة تطبعها ثقافة العصر وقيم العولمة وبالتالي فقد تتغير التوقعات، ليس من تلقاء ذاتها، لانها ستخالف، اذ ذاك نواميس الطبيعة. لابد، اذن من جهد لتغيير المسار، مشيرا الى أن العالم العربي يحتاج إلى حكومات رشيدة، وادخال اصلاحات مؤسساتية عميقة على بنية الحكم، لا محيد عنها، لكن في المقابل على الغرب ان يراعي الارادة الوطنية للشعوب العربية وان يستبدل "إملاء الحلول" بتقديم المشورة والنصح، ليرسم العرب طريقهم المستقل نحو التنمية المستدامة واقامة نظام الحكم الرشيد.الشرق الأوسطومن جهته قال رئيس القائمة الوطنية العراقية النائب في البرلمان العراقي الدكتور إياد علاوي ان منطقة الشرق الأوسط تمر بمتغيرات خطيرة في الوقت الذي لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية تلمس الطريق الصحيح لتحقيق السلام.وأكد الدكتور علاوي ضرورة ترتيب البيت العربي لتحسين وضع المواطن العربي، لافتا إلى أهمية اعادة صياغة العلاقات الدولية التي تقوم على احترام السيادة مع تحقيق وتعزيز المصالح المشتركة.وعن العلاقات العربية - الروسية، قال الدكتور علاوي ان الاتحاد السوفييتي كان حاضرا في أحداث خطيرة شهدها الوطن العربي مثل القضية الفلسطينية وحرب لبنان الأهلية وحرب العراق وايران، مؤكدا أن لروسيا مواقف واضحة في دعم القضايا العربية بالرغم مما آلت إليه بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.واشار الى ان التقارب الجغرافي بين روسيا والدول العربية منح العلاقة العربية - الروسية نوعا من الخصوصية والتفهم ونجحت في تجاوز بعض الأحداث التاريخية التي أبرزها حرب افغانستان في الثمانينيات وما آلت إليه الأوضاع في الحرب الباردة.مكافحة الإرهابوأكد أن روسيا التي تنتج 10 ملايين برميل من النفط و20 مليون برميل مكعب من الغاز يوميا بامكانها بسط السلام، ومكافحة الارهاب، لافتا إلى أن قوى متطرفة بدأت تظهر بشكل جلي في بعض دول شمال افريقيا وبلدان أخرى مثل افغانستان وباكستان وبعض بلادنا العربية.وأضاف انه تحت اسم الربيع العربي أصبحت هناك فوضى وحالات من التطرف التي قد نحتاج إلى وقت لحين استقرار المجتمع المدني، مشيرا إلى أن اميركا جاءت بفكرة الديمقراطية وهي ليست غريبة على مجتمعاتنا وأرادت أن تفرض علينا تغيرات لأسباب لا أعلمها شخصيا، لكنها تسببت بانفلات حتى أميركا لم تحسب له حسابا، بعد أن ضربت هذه الديمقراطية دولا هي صمام أمان في المنطقة مثل مصر والعراق. وأشار الدكتور علاوي الى ان للاتحاد السوفييتي موقفا مميزا في دعم القضية الفلسطينية، مؤكدا أهمية استمرار هذا الدعم لحين ايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية التي تعتبر جوهر الصراعات في المنطقة منذ عام 1948 لبناء علاقات قوية ومتينة قائمة على التوازن والمصالح المشتركة والا تكون على حساب بعض الدول العربية.واوضح أن طلب الدول العربية من روسيا وقف الذبح في سورية يأتي لايقاف القتل والفوضى هناك ولعدم نقل هذه الفوضى الى الدول المجاورة مثل الاردن ولبنان والعراق، مؤكدا ان "توجهنا الى روسيا بخصوص الملف السوري لا يعني اننا متفقون معها بهذا الملف ولكننا نرغب بأن تعمل معنا من أجل ايقاف هذه الفوضى".وأكد الدكتور علاوي أن "أميركا عندما احتلت العراق لم يكن لديها تصور لمرحلة ما بعد الاحتلال فقامت ايران بدور سيئ في العراق وفي المستقبل ستكون هناك عواقب وخيمة على العراق وايران ايضا بسبب هذا تدخل ايران التي مهما حاولت فانها لن تستطيع ان تقتلع العراق ابدا".منطقة آسيامن جانبه، أكد نائب وزير الخارجية الامريكية السابق ريتشارد ارميتاج ان اصدقاء الولايات المتحدة من العرب ينظرون اليها في ظل تخوفهم في حال ما اذا ادارت اميركا ظهرها لهم، واكد ان بلاده تصب اهتمامها على منطقة اسيا وخصوصا المنطقة العربية التي تزخر بالنفط رغم وجود صراعات في العديد من اسيا، واوضح ان العرب اصدقاء تقليديون للولايات المتحدة، خصوصا في منطقة الخليج.واشار ارميتاج خلال كلمته في الجلسة الأولى لمؤتمر العلاقات العربية والدولية الى ان اقتصاديات بلاده متصلة باقتصاديات المنطقة ككل، وتطرق في حديثه الى الدور الايراني في المنطقة الذي وصفه بالمثير للغط، في اشارة منه الى محاولة ايران لاخذ مكانة خاصة في العالم، وذكر ان وزير خارجية بلاده جون كيري الجمهوري مهتم جدا بالمنطقة ومايدور فيها خصوصا عملية السلام، لافتا الى الزيارة التي سيقوم بها الرئيس باراك اوباما ووزير خارجيته الى المنطقة قريبا.عملية السلامووصف انتباه كيري للمنطقة بالايجابي، املا ان يجد حلا للقضايا التي تشهدها منطقة الشرق الاوسط، وبعث ارميتاج برسائل لمواطنه كيري قائلا: يجب الا تسند مهام عملية السلام في المنطقة لاشخاص اخرين وان تتبناها بشكل خاص، دون تسرع في ظل وجود هذه الصراعات، داعيا بلاده الى اقامة علاقات مع جميع الفرقاء وتحسين علاقاتها مع رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو على ان تكون الولايات المتحدة قوية في قراراتها بخصوص المستوطنات لكن بصمت، معتبرا انه لا مجال الان للدخول في صراع مع اسرائيل.وتطرق ارميتاج الى ما اسماه بالتفاوتات الموجودة بين الشيعة والسنة في المنطقة معتبرا ان تدخل بلاده في العراق هو من احيا هذه النعرات الطائفية، كما تحدث عن نتائج الربيع العربي الذي انطلق منذ سنتين مشيرا الى الاحداث التي شهدتها مصر وتونس في الاونة الاخيرة، ليخلص الى ان الحراك العربي لا يزال مستمرا وانه ناجم عن العديد من العوامل ولم يقتصر على المطالبة بالديمقراطية والحرية فقط.ودعا بلاده الى الوعي التام لما يريده الشارع العربي، كما تحدث عن الدور التركي في المنطقة والتفاوت الموجود بين الليبراليين والمحافظين داخلها، داعيا بلاده الى الالتزام التام مع العرب بمختلف تقاربهم معها، كما دعاها الى عدم السماح لايران بامتلاك الاسلحة النووية، مشيرا الى ان الرئيس اوباما لم يسحب الورقة العسكرية تجاه ايران بعد.وتطرق الى التغيرات التي شهدها العراق والحالة السورية التي قال انها مختلفة، مشيرا الى ان المعارضة السورية لا ينقصها الاسلحة وانما ينقصها الاتحاد والتوافق، داعيا بلاده الى الوقوف مع تركيا والاردن ولبنان في استيعابهم للاجئين السوريين، كما اكد وجود التزام بلاده بملف السلام لتفادي الراديكالية التي قد تحدث في المنطقة.أهداف مشتركةمن جهته، قال مدير برنامج الكويت في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية د. كريستيان كوتس اولريك ان هناك مخرجات هامة في العلاقات العربية والاتحاد الاوروبي بما فيها دول الخليج، مشيرا الى ان هذه العلاقات تطورت عبر التاريخ لوجود اهداف مشتركة في العملية الانتقالية، مضيفا ان ما حصل في ليبيا لم يحد من عملية الهجرة الى الدول الاوروبية، لافتا الى ان هذا النزوح حول الانظار الى المسائل الامنية على حساب العلاقات الاقتصادية.واوضح أن الارهاب تسبب في احداث مشاكل اقتصادية وان احداث 11 سبتمبر غيرت الكثير من الامور في السياسات الاوروبية مع المهاجرين وطالبي اللجوء، وتحدث عن مالي بالقول ان "ما حدث مؤخرا في مالي يبين الدعم السياسي والمالي الذي يسيطر على هذا النوع من العلاقات".من جهته، قال وزير خارجية روسيا الاتحادية السابق ورئيس المجلس الروسي للعلاقات الدولية ايغور ايفانوف ان بلاده تدعم الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط بما يشمل عملية السلام في المنطقة معربا عن تفاؤله "باستمرار وتطور العلاقات الروسية - العربية".وأضاف ان موقف موسكو دائما كان مع حل عادل للصراع في الشرق الاوسط ووقف العنف وفقا للاتفاقيات الدولية الى جانب دعم جعل المنطقة خالية من الاسلحة النووية.وأضاف ان موسكو "لا يمكنها أن تربح شيئا نتيجة تزعزع الاوضاع في الشرق الاوسط حيث ان الازمات الاقتصادية الجديدة قد تأتي بعواقب وخيمة بالنسبة للمنطقة العربية ولروسيا أيضا كما أن انتشار الاسلحة سيؤدي الى تزعزع اضافي في المنطقة وسيطال ذلك روسيا والمنطقة العربية على حد السواء".واستعرض حوافز "ايجابية" وامكانيات وقوى اقتصادية قوية بين روسيا والمنطقة العربية "وعلينا جميعا العمل على الاستثمار الاقتصادي واجراء البحوث المشتركة والبناء على الاختلافات الثقافية وثمة طاقة قوية امامنا للتعاون بين الجانبين".ووصف العلاقات العربية - الروسية بانها قديمة جدا في التاريخ "وعرفت مراحل متقلبة واتسمت بالديناميكية في مراحل أخرى، مشيرا الى الاهتمام في بلاده بالحضارة العربية لناحية اللغة والدين والتاريخ "وليس من غريب الصدف أن روسيا أولى الدول الاوروبية التي أدخلت الدراسات العربية الى الدراسات الجامعية".واشار الى ان بلاده تهتم بالمنظقة العربية لوجود عوامل مشتركة بينهم، موضحا ان الحرب في افغانستان وضعت هذه العلاقات على المحك، وان العلاقات اليوم اسهل مما هي عليه ايام الحرب الباردة.ووصف الربيع العربي بالصحوة العربية وانها ليست مؤامرة قادمة من الغرب، مشيرا الى ان انتشار اسلحة الدمار الشامل يسبب زعزعة المنطقة بما فيها روسيا، داعيا الجميع الى العمل المشترك لاستخدام وسائل جديدة للتعاون واطلاق افكار جديدة، للنهوض بالعلاقات الثنائية والتي تعود بنتائج ايجابية على المنطقة.