العدل أساس المُلك

نشر في 28-09-2013
آخر تحديث 28-09-2013 | 00:01
 عبدالهادي شلا هذه الحكمة المُحكمة تدل على الطريق الصحيح للمساواة بين البشر دون لف أو دوران، لو أنها طبقت لعمّ الخير والسلام في الأرض.

ولأن «العدل» من أسماء الله الحسنى، فهذا يعني قوة الكلمة وبيانها الصحيح عند تفسيرها والأخذ بمضمونها.

وقد جاء في الحديث الشريف: «إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غير أهله، فانتظروا الساعة». حديثٌ يدلنا إلى الطريق الموازي لطريق العدل في السلوك الإنساني ليرسخ أساس الملك، وهو العدل.

ما يجعلنا نتفكر في معنى «العدل» هو الحالة العامة التي أصبحت فيها «الفهلوة» والقسوة من سمات العصر، وما تبعها من خراب في الأخلاق والعقيدة حين يتم تفسير العدل ليميل بمعناه لغرض يحقق منافع بعيدة عن جوهره والصفة الكامنة فيه.

ما يجعل «العدل» قيمة تتوازن بها الحياة وينتفع منها كل البشر على مختلف ألوانهم ودياناتهم أنه واحدة من صفات ربّ البشر جميعاً.

قيل إن «الأميرة مادلين ابنة ملك السويد قد تم تحرير مخالفة مرور لها بسبب تجاوز مروري، ولم تشفع لها مكانتها أنها ابنة الملك رغم أن المخالفة كانت في مكان قريب من القصر الملكي!».

ماذا يعني هذا في زماننا الذي تم فيه تجاوز حدود الأخلاق الرفيعة، أم هو «شذوذ» عن القاعدة في زماننا لما هو أكثر انحرافاً نحو طريق لا ملامح فيه ولا نهاية ظاهرة له؟

هذا يعني أن «العدل» رغم أنه منبثق من قوانين وضعية، فإن تطبيقه على الجميع يجعل من صفته التي نعرفها نحن أهل العقيدة منارة تضيء السبيل نحو المساواة بين البشر بغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية.

وقبل أن نمر على سلوكياتنا في المجتمعات العربية التي انبعث منها الأنبياء والرُّسل، التي نظمت أخلاق البشر منذ بداية الرسالات السماوية التي اختص بها الله أرض العرب، دعونا ننظر في سلوكيات الدول المتحضرة التي نتغنى كثيراً بأنها أخذت عنّا الكثير من العلوم والمعارف واهتدت بسلوكياتنا التي وصلت إليهم مع وصول الإسلام وحملاته لنشر الدعوة، في الوقت الذي يخبرنا التاريخ أن هؤلاء القوم كانوا في عصور جاهلية مظلمة.

فنحن الذين هاجرنا وعشنا في بلاد الغرب منذ سنوات طويلة نستطيع أن «نجزم» أن القانون للجميع وعلى الجميع، ولا يخلو من ثغرات يمكن لأصحاب النفوس الضعيفة النفاذ منها، لأنه ليس ربانياً إلا أنه في جُله وُضع ليحفظ كرامة الناس، وأن أي تجاوز يسبب ضرراً عاماً أو خاصاً، فإن القانون يقوم بواجبه في إحقاق الحق بـ»العدل» الذي يمثله.

وكلنا يعلم أن معظم البلاد الغربية مفتوحة أمام المهاجرين من كل أصقاع الأرض، لذلك فكل مهاجر يحمل عقيدة وتقاليد وتربية مجتمعية مختلفة عن الآخر، ولكي ينصهر في مجتمعه الجديد بالتساوي مع الآخرين، فإن الضابط على تساوي الجميع إنما هو «القانون العادل»، الذي يضبط السلوكيات ضمن دائرته المرسومة لتقدم البلد وكرامة المواطن في مزيج جميل ومريح.

صور تراكبت على مر الزمن، وترسخت في أذهان الكثير من شعوبنا، وهي أن بعضهم «فوق» بعضهم! ارتكازاً على مفهوم اجتماعي خاطئ أساسه المكانة الاجتماعية أو الغنى أو المركز السياسي.

فكانت الطبقية التي خرجت عن أساس العقيدة الربانية، والتي كانت بلادنا العربية مُصدرُها للبشرية، وفُتحت بها البلاد واستقرت في عقيدة العباد في كل الأرجاء التي وصلتها ومنها بلاد الغرب التي أخذت منها وبنت عليها وحفظت قوتها.

أما والحالة تنمو وتكبر وسط السخط المتنامي والإحباط العام في كل مجالات الحياة للأمة العربية التي تتآكل صورتها يوماً بعد يوم بشعارات أتت على الأخضر واليابس، وأصابت نفس المواطن في مقتل حتى كاد يغيب «العدل» وتضيع ملامحه، ولا نغالي إن قلنا إن «العدل» بات مفقوداً في تعامل أفراد الأسرة الواحدة.

ورغم أنني لست من أنصار التغني بالماضي فإننا نجد أنفسنا في حاجة إلى التذكير ببعض ما فيه من مآثر هي من الدروس والعبر المستفاد منها أنها ترتكز على مبادئ سامية لا يمكن لعاقل أن يكابر ويضحضها.

ولنا في العدل مثلاً تناقل عبر الزمن في قصة أمير المؤمنين «عمر بن الخطاب» حين جاء رسول كسرى يسأل عنه ليسلمه رسالة من عظيم الفرس، فأشاروا إلى رجل نائم تحت ظل شجرة في السوق فقال قولته الشهيرة: «أمِنتَ لما أقمت العدل بينهم، فنمتَ قَرير العين هانيها».

وقد صور هذا المشهد الشاعر حافظ إبراهيم في قصيدة «صاحب كسرى» حين قال:

وراع صاحب كسرى أن رأى عمرا    بين الرعية عُطلا وهو راعيها

وعَهْدَهُ بملوك الفُرس أن لها

سورا من الجُند والأحراس يحميها

رآه مستغرقا في نومه فرأى

فيه الجلالة في أسمى معانيها

فوق الثرى تحت ظل الدوم مشتملاً

ببـُردة كاد طــول العهد يبليها

فهان في عينه ما كان يكبره

من الأكاسر والدُّنيا بأيديها

وقال قولة حق أصـبحت مثلا

وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها

أمِنتَ لما أقمت العدل بينهم

فنمتَ قَرير العين هانيها

ويبقى سؤال نختم به: هل ينام حكام هذا الزمن ملء جفونهم؟!

لا أتصور وأكاد أجزم أن القلق يمنعهم ويقض مضجعهم. والسبب لا يحتاج منّا إلى جواب!

* كاتب فلسطيني - كندا

back to top