حوار الطرشان: حضارة البترول

نشر في 18-05-2013
آخر تحديث 18-05-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان ظلام دامس مخيف استمد ظلمته من التخلف والجهل والأساطير، تخلف لا تجد في قاموسه مصطلح التقدم، وجهل لا يبدده نور علم، وأساطير لا تصدقها سوى العاطفة التي فقدت العقل الذي يدلها على الاتجاه الصحيح.

بعضنا يقتل بعضاً، وينافس كل منا الآخر منافسة غير مشروعة في كثير من الأحيان، والدافع المحرض الفقر الذي ضرب أطناب خيامه حولنا بسبب شح الموارد مما جعل البؤس يلازمنا والحرمان مرافقاً لنا.

كما أننا في الوقت ذاته منقسمون إلى فريقين؛ الأول، يسكن بيت الشعر في الصحراء المرعبة ويتردد في الوقت ذاته على المدينة في فترات متباعدة لقضاء حوائجه. والثاني، يسكن بيت الطين ويقصد البحر ليلتقط منه ما يسد به رمقه.

كانت هذه حياة السلف الذين طوتهم عجلة السنين التي لا تقف عند أحد ولا تنتظر أحداً، أجسادهم تحللت وقبورهم اندرست، وأتى من بعد السلف خلف أصبحوا بعد حين خلفاً لنا ونحن مازلنا نعيش في مستنقع التخلف والرجعية والخوض في الأساطير، لا نعلم أن العالم من حولنا يتطور ويدفع نفسه إلى التطور بفضل مادة جديدة يطلق عليها اسم "بترول" لم نعلم بأن الأخير ندوسه بأقدامنا من دون احترام سنين طويلة، لم نعلم أن الذي ندوسه سيغير مجتمعنا تغييراً شاملاً قد نسعد له حيناً وقد نندم عليه أحياناً أخرى.

وبعد فترة ليست بالطويلة أتانا من خلف البحار رجال بشرتهم بيضاء تميل إلى الحمرة وعيونهم زرقاء لامعة، أتوا ليخرجوا تلك الثروة المدفونة لكي نقوم بتصديرها من أجل جمع الأموال الكثيرة والكثيرة جداً لنملأ بعد ذلك أدراج خزائن دولتنا.

ومن جراء هذا التغيير السريع وبفضل من تلك الأموال التي أحدثت هذا التغير، بدلنا المطايا والحمير بسيارات فاخرة لم تكن بطبيعة الحال من صنعنا، وهدمنا بيت الطين وأحرقنا بيت الشعر لكي لا يذكرانا بالبؤس والحرمان الذي عشناه في السابق، كنسنا كل شيء لنستبدله بشيء آخر يدل على المدنية التي لا نعرف منها سوى مصطلحها.

عندها قلنا لمن أخرج لنا ما كنا ندوسه سابقاً نريد أن يكون مجتمعنا محاكياً لمجتمعك، فنحن نملك الأموال التي تستطيع أن تنبت الأجنحة في أجسادنا لنطير، نريد مجتمعاً متحضراً نجاري فيه البشر المتقدم عندك.

فأتى من جديد لينير لنا الشوارع ونحن ندفع الأموال، ويبني لنا المطارات ويرصف لنا الأرصفة ويشيد لنا الجامعات ونحن ندفع الأموال، فلما وصلنا إلى درجة من الزهو بالنفس أو خيل لنا أننا وصلنا إلى تلك الدرجة قلنا للأجنبي كفى، نحن الآن نستطيع أن نبني ونشيد ونضع الخطط ونرسم الطريق.

فقال الأجنبي: يجب عليكم أن تبنوا عقولكم لأن عدم بناء العقل سيؤدي الى هدم تلك الغابات الأسمنتية، قلنا له: كيف نبني العقول؟ قال... وللحديث بقية... والسلام.

back to top