من تجليات «الإسلام الليبرالي»

نشر في 28-08-2013
آخر تحديث 28-08-2013 | 00:01
 د. شاكر النابلسي -1- في البدء علينا أن نحذر من الخلط بين الدين، والأصولية الدينية المتشددة والمتطرفة، التي حاربت "الليبرالية الإسلامية".

فالدين "إيمان"، والأصولية الدينية المتشددة "عقيدة" مخالفة، كما يقول الفيلسوف المصري المعاصر مراد وهبة.

والأصولية الدينية المتشددة، التي ناصبت "الليبرالية الإسلامية" العداء، جعلت من الإيمان معتقداً، تستعمله لخدمة أغراضها السياسية، والدينية، والأيديولوجية. فـ"الليبرالية الإسلامية" هي الدين في بيانه، وقيمه، وأخباره، والأصولية الدينية المتشددة اجتهادات، وتراكم أحكام، ومراقبة، وعقاب.

وعليه، فجمهور "الليبرالية الإسلامية" هم الخاصة، وجمهور العداء لهذه الليبرالية هم العامة، من أتباع "التديّن الشعبي".

فما هدف "الليبرالية الإسلامية" الرئيسي؟

إن هدف "الليبرالية الإسلامية" تكوين صالحين، ودعاة خير ومحبة،

والمعادون لها يهدفون إلى تكوين إرهابيين، بدعوى الدفاع المسلح عن الحقيقة المطلقة، التي لا جدال فيها، فإما معنا، وإما الموت، وهذا ما حصل منذ فجر التاريخ حتى الآن، فسقراط كان ضحية هؤلاء أصحاب الحقيقة المطلقة المتشددين، عندما تعرّض لها، وسخر منها، وغاندي كان ضحيتهم كذلك، ومنذ سنوات قتلوا إسحق رابين، وأنور السادات.

إن هدف "الليبرالية الإسلامية" الناس كافة، دون استثناء، وأعداؤها هدفهم فئة معينة، قابلة للتسييس والموت.  والخلاف الحاد بين "الليبرالية الإسلامية" وأعدائها المتشددين، يتمركز حول دعوة الفكر الليبرالي إلى قراءة النصوص الدينية المقدسة، قراءة تاريخية ومجازية- كما نادى ابن رشد، بوجود معنى ظاهر، وآخر باطن (المجاز) للنص، ومعنى للخاصة ومعنى للعامة- وليست قراءة حرفية، تواكلية، تسليميّة، مسبقة.

-2- نادى الرائد الليبرالي المسلم "طه حسين" منذ ثلاثينيات القرن الماضي، في مقالاته في جريدة "السياسة" المصرية (لسان حال الدستوريين المصريين الأحرار) بالمبادئ الليبرالية الإسلامية، فشدد على قيمة التعليم وأهميته، وكانت فلسفته في التعليم تتركز في إقرار "المجانية"، لكي تتاح فرصة التعليم للجميع، الغني والفقير، المسلم وغير المسلم، والأسود والأبيض، وربط بين التعليم والديمقراطية، وتوصَّل إلى أن الدولة التي لا تنشر التعليم وتؤكده دولة غير ديمقراطية. وقال في كتابه ("مستقبل الثقافة في مصر"، ص 61):

"الدولة الديمقراطية ملزمة أن تنشر التعليم الأولي، وتتوكَّل شؤونه كلها".

ولم يكف طه حسين عن الحديث عن قيمة التعليم وأهميته، فقرأنا في كتبه المختلفة: "روح التربية"، و"القصر المسحور"، و"أحلام شهرزاد"، و"شجرة البؤس"، و"المعذبون في الأرض" وغيرها من الكتب، كيف يشدد على أهمية التعليم، وقيمه الكثيرة، وأن الخلاص من التخلف، والفقر، والجهل، لن يتم إلا بالتعليم.

وتلك الدعوة إلى التعليم كانت من صميم قيم "الليبرالية الإسلامية". فالإسلام حث على التعليم والعلم، في عشرات المواقع والنصوص. وأكد التعليم والعلم تأكيداً شديداً.

-3- عندما بدأ طه حسين يكتب كتبه: "على هامش السيرة"، و"الشيخان"، و"علي وبنوه"، و"مرآة الإسلام"، وغيرها من الكتب، ظن أعداء "الليبرالية الإسلامية" وخصومها أن طه حسين بهذه الكتب، يعتذر- بشكل غير مباشر- عن ليبراليته في كتابه "في الشعر الجاهلي" الصادر 1926. ولم يدرك هؤلاء الخصوم، أن طه حسين كان في هذه الكتب يؤكد ليبراليته الفكرية، في أن الحقائق التاريخية، لا بُدَّ لها من أن تخضع للبحث والنقاش، وأن السياسة يجب أن تكون على الحياد بين الجميع، فلا تتشيع لفريق ضد آخر، كما حصل في العهد العباسي، وعهود أخرى سابقة ولاحقة.

وخان النقد الإيجابي بعضهم حين ظن، وكتب، أن طه حسين، ارتد عن "ليبراليته المزعومة"، في كتبه التراثية كما قال المؤرخ اللبناني-البريطاني ألبرت حوراني في كتابه "الفكر العربي في عصر النهضة".

ولم يدرك هؤلاء، أن طه حسين، أراد أن يقترب بليبراليته من سواد الناس المتدينين تديناً شعبياً فطرياً بسيطاً، وأن يكسب إلى جانبه وجانب أفكاره المزيد من الأنصار المهمشين، وهو ما نحتاجه اليوم بعد أن سقط في مصر "الإسلام السياسي" هذا السقوط المدوي ممثلاً بدولة "الإخوان المسلمين".

ولو سقط "الإخوان المسلمون" في غير مصر، كما تمَّ في سورية عام 1982، لما كانت نكبتهم كبرى، وعظيمة، وتاريخية، كما هي الآن, فمن قام في مصر، من الصعب عليه أن يسقط خارجها، ومن سقط في مصر، فمن الصعب عليه أن يقوم خارجها.

-4- وفي العصر الحديث ظهر في الخليج العربي مفكرون إسلاميون، يدعون إلى الليبرالية الإسلامية ومنهم المفكر السعودي يوسف أبا الخيل، ولعل أبرز ما في ليبرالية يوسف أبا الخيل الإسلامية، نداؤه الدائم لمجتمع تسود فيه المساواة والتعددية، وهما مطلبان من أهم مطالب الليبرالية السياسية الإسلامية.

والتعددية في رأي أبا الخيل، خيار وجودي لا محيد عنه، ولا يمكن لها أن تعيش باستقرار وطمأنينة، ما لم تكن مؤطرة بالتسامح. ويضرب لنا أبا الخيل أمثلة كثيرة من التاريخ العربي-الإسلامي على التزمّت والتعصّب، وعدم التسامح، الذي زعزع السلم الاجتماعي العربي-الإسلامي، ويُجمل أبا الخيل رأيه في التعصب (القاعدة) والتسامح (الاستثناء) بقوله في مقاله "التعصب والتسامح: القاعدة والاستثناء": "إن إحلال ذلك التسامح ضروريٌ، لإقامة نسق اجتماعي قادر على هضم مكونات المجتمع المتعددة، دينية كانت، أو مذهبية، أو عرقية". (جريدة الرياض،  18/ 4-16/ 5/ 2009).

وتضمُّ الكاتبة السعودية الليبرالية حِصَّة آل الشيخ سهمها إلى حُزمة سهام يوسف أبا الخيل، وإبراهيم البليهي، ومحمد العلي، وتُطلق سهمها بجرأة وإقدام في جريدة "الوطن" السعودية قائلة: "إن رفض التعددية ناشئ أصلاً من التعصب المولِّد للكراهية، وبالتالي العداء، الذي جعل المختلف مستحقاً للدعاء عليه، وفق هوس الاتباع المذهبي الإقصائي، وتغييب التسامح والانفتاح". (30/ 7/ 2009). و(للموضوع صلة).

* كاتب أردني

back to top