هذه الحرب لم تنتهِ بعد

نشر في 11-08-2013
آخر تحديث 11-08-2013 | 00:01
لا شك أن إقفال عدد كبير من البعثات الدبلوماسية في نهاية الأسبوع يتناقض مع ادعاء الرئيس الأميركي باراك أوباما الصيف الماضي أن «الحرب على الإرهاب» وصلت إلى نهايتها، وأن تنظيم «القاعدة» الذي أسسه أسامة بن لادن ما عاد يملك القدرة أو الإمكانات ليسبب كوارث كبيرة في الغرب.
 ذي تيليغراف لا شك أن أعضاء "القاعدة"، ذلك التنظيم الذي يُقال عنه إنه في تراجع متواصل، سيشعرون بكم هائل من الرضا من جراء حوادث نهاية الأسبوع الماضية، حين برهن هذا التنظيم على قدرته على عرقلة عمل الحكومات الغربية بإرغامها على إقفال عشرات بعثاتها الدبلوماسية مؤقتاً في أرجاء العالم العربي المختلفة.

صحيح أننا لا ندرك كاملاً الخطر الذي دفع بحكومة الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذه التدابير الجذرية أو بوزارة الخارجية البريطانية إلى إقفال بعثتها في اليمن، غير أن مسؤولي أجهزة الاستخبارات الأميركية مقتنعون بأن تنظيم "القاعدة" يخطط لهجوم كبير احتفالا بعيد الفطر في نهاية شهر رمضان.

يؤكد بعض هؤلاء المسؤولين أن المعلومات ترتبط بخلية عنيفة تابعة لـ"القاعدة" تنشط في اليمن، بلد تمزقه الحرب ولا تتخطى فيه سيطرة الحكومة تخوم العاصمة القديمة صنعاء.

في السنوات الأخيرة، برز تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية كإحدى الأذرع الأكثر فتكاً لتنظيم "القاعدة" الأوسع. فازدهر هذا التنظيم الإرهابي في الدول الإسلامية التي تدير شؤونها حكومات ضعيفة. وشكل اليمين، الذي يعاني الحرب الأهلية وعدم الاستقرار منذ عقود، هدفاً واضحاً يمكن استغلاله.

بعد أن أسس فرع "القاعدة" في اليمن "قاعدته" هناك في مطلع العقد الأخيرة، اكتسب شهرة عالمية من خلال ما دُعي "مفجر الملابس الداخلية"، عمر فاروق عبد المطلب. ففي شهر ديسمبر عام 2009، أخفقت محاولة نفذها هذا الإرهابي النيجيري المثقف لتفجير طائرة كانت تهم بالهبوط في مطار ديترويت، عندما لم تنفجر عبوة مخبأة في ملابسه الداخلية. كذلك نجا الأميركيون والبريطانيون مرة أخرى بفضل الحظ في السنة التالية، عندما عُثر على عبوة ناسفة مخبأة داخل خراطيش حبر في طائرة شحن كان من المقرر أن تنطلق من مطار إيست ميدلاند متوجهة إلى الولايات المتحدة. وكانت هذه العبوة مضبوطة لتنفجر مع اقتراب الطائرة من الطرف الشرقي للولايات المتحدة.

يؤكد مسؤولو أجهزة الاستخبارات أن هاتين المؤامرتين من تخطيط إبراهيم العسيري، سعودي في الحادية والثلاثين من عمره هرب إلى اليمن بعد أن سُجن لارتباطه بتنظيم "القاعدة". وبما أن العسيري ورفاقه في اليمين ودول العالم العربي الأخرى ما زالوا يملكون القدرة على إثارة إنذار أمني عالمي، يشير هذا الواقع إلى أن تنظيم "القاعدة" يبقى خطراً أمنياً كبيراً، رغم كل الجهود التي بذلتها وكالات مكافحة الإرهاب الغربية.

لا شك أن إقفال عدد كبير من البعثات الدبلوماسية في نهاية الأسبوع يتناقض مع ادعاء الرئيس الأميركي باراك أوباما الصيف الماضي أن "الحرب على الإرهاب" وصلت إلى نهايتها، وأن تنظيم "القاعدة" الذي أسسه أسامة بن لادن ما عاد يملك القدرة أو الإمكانات ليسبب كوارث كبيرة في الغرب.

أدلى الرئيس الأميركي بهذا التصريح في أعقاب مهمة ناجحة قضت على بن لادن في مخبأه في باكستان في شهر مايو عام 2011. واستُخدم موت بن لادن، فضلاً عن قتل عشرات كبار مسؤولي القاعدة الإرهابيين في مخابئهم في المناطق الجبلية النائية بين أفغانستان وباكستان بواسطة طائرات بدون طيار، لتبرير انسحاب قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قريباً من أفغانستان. فإن كان تنظيم "القاعدة" لا يملك القدرة على ترهيب الغرب، فما من داعٍ لمواصلة الجنود الأميركيين والبريطانيين المخاطرة بحياتهم.

تَعزز الانطباع أن الولايات المتحدة تنهي حربها الطويلة مع تنظيم "القاعدة" الأسبوع الماضي خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي، السيناتور جون كيري، إلى باكستان. فقد ألمح بقوة إلى أن الولايات المتحدة تخطط لإنهاء عمليات الطائرات بدون طيار المثيرة للجدل في المناطق القبلية "قريباً جداً"، لأن تنظيم "القاعدة" ما عاد يشكل خطراً. ذكر كيري: "أعتقد أن البرنامج سينتهي، بما أننا تخلصنا من الجزء الأكبر من الخطر وما زلنا نعمل على ذلك".

ولكن بعد ساعات قليلة من تصريحه هذا، أُرغم وزير الخارجية الأميركي على السماح بإقفال فوري لكل السفارات والقنصليات الأميركية في العالم العربي مخافة أن يكون تنظيم "القاعدة" يخطط لتكرار اعتداء شهر سبتمبر الماضي على القنصلية الأميركية في بنغازي في ليبيا، الذي ذهب ضحيته السفير الأميركي كريس ستيفنز وثلاثة موظفين آخرين.

واجهت إدارة أوباما انتقادات لاذعة بسبب هجوم بنغازي، خصوصاً حين تبين أن هيلاري كلينتون، التي كانت تحتل منصب وزير الخارجية قبل كيري، تجاهلت التحذيرات من أن تنظيم "القاعدة" يخطط لاستهداف المجمع (نجا السير دومينيك أسكويث، سفير بريطانيا إلى ليبيا، من محاولة اغتيال نفذها تنظيم "القاعدة" في الصيف الماضي). وبدا لاحقاً أن الولايات المتحدة تعمدت تضليل الشعب الأميركي بشأن طبيعة هذا الهجوم، مدعية أنه كان تظاهرة خرجت عن السيطرة، لا عملية خطط لها تنظيم "القاعدة" بدقة.

رفض كيري ومسؤولوه المخاطرة هذه المرة. ولكن حتى إن لم يقع أي اعتداء، تعكس هذه الحادثة أحد الأوجه المثيرة للاستياء في حملة دامت عقداً من الزمن ضد تنظيم "القاعدة" ومجموعات إرهابية إسلامية أخرى: ما إن نتخلص من خطر مجموعة ما حتى تبرز مجموعة أخرى وتحل محلها. وكما ذكر مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابق، الجنرال ديفيد بتريوس، على الغرب تبني سياسة "لعبة ضرب حيوان الخلد الهزيل بمطرقة" (whack-a-mole) كي يتمكن من التعامل مع بروز خلايا "القاعدة" المختلفة حول العالم في وقت واحد.

بالنظر إلى تنامي نشاط "القاعدة" أخيراً، نرى أن هذا التنظيم يشهد اليوم نهضة جديدة، سواء من خلال عمليات الفرار الجماعية من السجن (كما حدث أخيرا في العراق وليبيا) أو محاولته استغلال موجة الانتفاضات العربية الأخيرة ليحقق أجندته الإسلامية الخاصة.

عندما نزل المتظاهرون المناهضون للحكومة إلى الشارع في العواصم العربية الكبرى قبل سنتين للمطالبة بإصلاحات شاملة، اعتُبرت هذه الحركة ضربة جديدة لتنظيم "القاعدة". فقد طالب المتظاهرون بالديمقراطية والازدهار الاقتصادي، لا بالشريعة وأنظمة أخرى من الحكم المستبد. واللافت للنظر ألا أحد ممن شاركوا في التظاهرات، مثل تظاهرات ميدان التحرير، حمل راية "القاعدة".

لكن هذه التظاهرات أخفقت، فسارع تنظيم "القاعدة" لتحويل هذه المبادرة في اتجاه يخدم مصلحته، مستغلاً الحكومات الجديدة القليلة الخبرة في بلدان مثل تونس، ليبيا، ومصر. نتيجة لذلك، استُهدف السياسيون الذين عبروا عن معارضتهم الحكومات الإسلامية، حتى إن سياسيين علمانيين بارزين اغتيلا في ليبيا وتونس خلال الأسابيع الأخيرة.

بالإضافة إلى ذلك، عادت الفوضى التي عمَّت ليبيا إثر سقوط نظام القذافي بالفائدة على "القاعدة"، ففضلاً عن حصول هذا التنظيم على ترسانة كبيرة من الأسلحة العالية التقنية من مخازن النظام (بما فيها صواريخ مضادة للطائرات تُحمل على الكتف)، أتاحت الإطاحة بحكومة القذافي المستبدة لخلايا "القاعدة" بالازدهار بدون أي حسيب أو رقيب في الصحراء الليبية الشاسعة، حتى إنها سمحت لداعمي هذا التنظيم بالسيطرة على مساحات كبيرة من دولة مالي المجاورة.

لكن إنجاز "القاعدة" الأبرز في الآونة الأخيرة يبقى تغلغله في حركة المعارضة السورية المعتدلة ونجاحه في إعادة ترسيخ وجوده في دولة العراق المجاورة، حيث يبذل مرة أخرى قصارى جهده ليؤجج جولة جديدة من الصراع الطائفي.

في سورية، نجحت جبهة النصرة، التي لا تخفي ولاءها لتنظيم القاعدة، في إثارة حرب أهلية داخل الحرب الأهلية بقتلها قائدا بارزا من الجيش السوري الحر. لكن هدفها الرئيس يبقى الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد وتأسيس حكومة إسلامية متشددة في دمشق، وخصوصا إن تمكنت من السيطرة على مخزون سورية من الأسلحة الكيماوية خلال هذه العملية.

طوال سنوات، كان أحد أهداف القاعدة الرئيسة الحصول على أسلحة دمار شامل، ما يمكنه من تحقيق هدفه بإلحاق خراب كبير بالغرب.

أخفق في ذلك حتى اليوم، ولكن إن نجح حلفاء هذا التنظيم في سورية وفي دول العالم العربي الأخرى في وضع أيديهم على أسلحة مدمرة مماثلة، فلا شك أن مخاوف إدارة أوباما وحلفائها لن تقتصر حينذاك على أمن بعثاتها الدبلوماسية.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top