حوار الطرشان: رياح التغيير

نشر في 12-01-2013
آخر تحديث 12-01-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان التغيير سُنّة الحياة، وهو بالتأكيد من السنن المحببة المفضلة والمرغوب فيها، لأن الشعوب التي لا تطور من أفكارها وأوضاعها تطويراً يسمح لها باللحاق بركب الحضارة، هي شعوب ميتة من الناحية الفعلية، وإن كانت تأكل وتشرب ضماناً لاستمرار حياتها الزائفة.

والتغيير سمة مرتبطة بالأمم، لأن دوام الحال من المحال- كما يقول العرب- فهناك أمم تجمدت عند نقطة معينة في درب الزمن الطويل، فطواها الأخير بعجلته التي لا تفتر عن الدوران، لتقوم على أطلال الدول المنطوية أمم أخرى حية استطاعت أن تقوم على أنقاضها.

والأمم الحية تجدها تتجه في أنظارها إلى الأمام، ولا تلوي أعناقها نحو الماضي الذي تجاوزته من أجل اجتراره وإسقاط مشاكله المندثرة على واقعهم الذي يعيشونه، لأنهم يدركون وبدافع من أفكارهم النيّرة أن زمنهم يختلف اختلافاً جذرياً عن ذاك الذي ولى، وبالتالي لم يجعلوا من أحداث أيامه السابقة معول هدم لحاضرهم الذي يسعون على الدوام إلى تجديده.

ولن يتحصل التغيير المرغوب فيه، ما لم تقم الدولة ممثلة بجميع مؤسساتها "قيام المارد من القمقم"، فتعمل بشكل دؤوب على فرش الأرضية المناسبة التي تستند إليها فلسفة التغيير، وذلك عن طريق إرساء قواعد الحقوق التي تكفل للمواطن العيش الكريم، وإرساء قواعد الواجبات التي لا بد أن يتحملها المواطن من أجل بذر المسؤولية وتحمل تبعاتها في داخله حتى يأتي منتجاً نافعاً لوطنه الذي يعيش على إقليمه.

كما يجب على الدولة أن تهتم اهتماماً بالغاً بمناهج التعليم فتطورها لكي تأتي- أي المناهج- متوافقة وتلك المعمول بها في الأمم الحية من حولنا، فإعمال الفكر وكدِّه بالنسبة إلى النشء لا بد من غرسه في عقولهم، عن طريق إطلاق العنان للأفكار لتحلق في سماء البلد من دون تحفظ، لنجني بعد فترة مفكرين يحملون شعلة التطور ليزيلوا بها مواطن الجهل ويردموا مستنقعات التخلف.

وغنيٌّ عن البيان أن رياح التغيير، إن نحن أعددنا لها العدة، ستكون نسيماً عذباً ينعش الفكر، وتتنقى من جرائه الرئة، ليجري بعد ذلك الدم السليم في شرايين الدولة ليحييها ويزيد من عنفوان شبابها.

 وقد يسأل أحدهم من بعيد- ليقول- اطوِ صحفك وجفف مداد أقلامك، لأن رياح التغيير هبت بالفعل ولن تهدأ وتيرتها حتى تقتلع المستبدين، وتهدم عروش الطغيان، لتخلف وراءها خضرة الحرية، وجداول الأفكار النقية الرقراقة.

وأنا أقول له من غير صلف، إن الذي تراه وأراه، ليست رياحاً مرحباً بها، إنما هي رياح صفراء معتمة، تكاد تنعدم الرؤية فيها، رياح تفتقر إلى ذرات الأكسجين، الأمر الذي يجعلها غير صالحة للبشرية على الإطلاق، لأن البشرية لا يمكن أن تستمر لها الحياة ما لم يكن هناك هواء نقي تستنشقه.

فهذه الرياح يجب صدها، وبناء المتاريس في وجهها، حتى لا تقتلعنا فوضاها لترمي بنا من دون رحمة على صخور المجهول، أو تدخلنا في دهاليز الظلام المخيفة، فنحن لسنا بفئران تجارب- آسف للتشبيه- يعطوننا الإبر المنشطة؛ فننشط ليستفيدوا من مجهودنا فقط، ومرات أخرى يعطوننا الإبر المملوءة بالجراثيم ليروا مفعولها بأجسادنا... ونحن لسنا كذلك، ولن نكون كذلك!

 وللحديث بقية، والسلام.

back to top