وداعاً هيلاري... حتى إشعار آخر

نشر في 01-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 01-02-2013 | 00:01
كانت الجهود التي بذلتها كلينتون لتنشيط التحالفات الأميركية سبباً في جعل استعادة الثقة بزعامة الولايات المتحدة أولوية عليا، وهو ما نجحت في تحقيقه من دون السعي إلى عسكرة كل المشاكل الدولية. ولقد افترض نهجها في التعامل مع الأمور ضمناً أن تهيئة الظروف لتعزيز القوة التعاونية من شأنه أن يمنح السعي إلى السلام الدائم قوة ذاتية.
 يوريكو كويكي في مناسبة شهيرة قال ف. سكوت فيتزجيرالد: "لا توجد فصول ثانية في حياة الأميركيين"، بيد أن حياة هيلاري كلينتون المهنية المبهرة (والتي أعتقد عن يقين أنها لم تنته بعد)- من سيدة أميركا الأولى إلى عضو في مجلس الشيوخ الأميركي إلى مرشحة رئاسية إلى وزيرة خارجية الولايات المتحدة في إدارة الرجل الذي تغلب عليها في الانتخابات- تثبت أن فيتزجيرالد كان مخطئاً تماما.

واليوم، بينما تستعد كلينتون لترك منصبها، هناك تكهنات واسعة النطاق حول سعيها إلى خلافة الرئيس باراك أوباما في عام 2016، وهذا يعني أنها لن تدخل فصلاً ثانياً من حياتها المهنية فحسب، بل ثالثاً أيضا، ويريد لها الملايين من الأميركيين أن تكتب فصلاً رابعاً.

إن السنوات الأربع التي أمضتها كلينتون بوصفها صاحبة أعلى منصب دبلوماسي في أميركا أعطتها مكانة بارزة في مختلف أنحاء العالم، وهي تستحق هذه المكانة عن جدارة، فأثناء شغلها لمنصبها خفتت حدة أطول حربين في تاريخ الولايات المتحدة، وأعيد تنشيط التحالفات الأميركية، وتشجعت النساء الشابات في كل مكان على ملاحقة أحلامهن، سواء في الأوساط الأكاديمية، أو التجارية، أو السياسية. وهذا السجل يضعها بين أعظم وزراء الخارجية الأميركيين بعد الحرب العالمية الثانية؛ دين أتشيسون، وهنري كيسنجر، وجيمس بيكر.

إن منصب وزير الخارجية عالمي في نطاقه حقا، فهو لا يتطلب تصوراً متماسكاً للكيفية التي يعمل بها العالم وموقع المصالح الوطنية الأميركية داخل النظام الدولي فحسب، بل يحتاج أيضاً إلى قدر غير عادي من البراعة السياسية، والقدرة على التحمل، وحسن التوقيت، وفي المقام الأول من الأهمية الشجاعة. والواقع أن كلينتون استخدمت كل هذه الفضائل إلى أقصى حدود تأثيرها.

وفي خضم حربين وصعود آسيا، واجهت كلينتون المهمات الثلاث الكبرى التي يتعين على أي وزير خارجية أميركي أن يواجهها: التحديد الدقيق للتحديات المطروحة؛ ووضع استراتيجية قابلة للتطبيق وقادرة على اجتذاب دعم الحكومة الأميركية بالكامل والرأي العام؛ وإدارة الممارسة الفعلية للدبلوماسية الأميركية. وهنا كانت الثقة الكبيرة التي وضعها أوباما فيها بمنزلة المعين لها، وهي نتيجة مذهلة، نظراً للتنافس بينهما على منصب الرئاسة أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية في عام 2008. ويشهد القرار الذي اتخذه أوباما بتعيينها وزيرة للخارجية ليس فقط على صواب حكمه، بل أيضاً على شخصيتها.

كان التحدي الرئيسي في مواجهة كلينتون بوصفها وزيرة للخارجية يتلخص في إعادة صياغة طبيعة التدخل الأميركي في الشؤون العالمية، فقد تسببت التوجهات الأميركية الأحادية التي ميزت سنوات الحرب ضد الإرهاب في تنفير أقرب حلفاء أميركا إليها، وأثبتت عجزها عن حل معضلة الحرب في العراق وأفغانستان، أو خلق هيكل السلام اللازم لآسيا في صراعها من أجل التغلب على قوة الصين وعدوانيتها الجديدة.

ومع وجود كلينتون على رأس الدبلوماسية الأميركية، جعلت الولايات المتحدة من تحالفاتها- في أوروبا، والشرق الأوسط، وآسيا- مرة أخرى مبدأً أساسياً وآلية تشغيلية أساسية لسياستها الخارجية. وكانت هذه الثقة المتجددة بالحلفاء مهمة بشكل خاص في آسيا والشرق الأوسط، حيث استخدمت الولايات المتحدة التعاون مع الشركاء القدماء مثل تركيا واليابان وكوريا الجنوبية، وشبه التحالف الجديد مع الهند وإندونيسيا، لردع العدوان.

والواقع أن "محور الباسيفيكي" في السياسة الخارجية الأميركية ما كان ليتحقق ما لم تعمل الولايات المتحدة أولاً على تنشيط علاقاتها مع الديمقراطيات في آسيا، ولكنه أيضاً ما كان ليتحقق من دون عزيمة كلينتون وإصرارها على جعل الصين جزءاً من الحل، وليس مجرد هدف لتبادل الاتهامات أو الاحتواء.

ونتيجة لهذا، أعطيت الصين الفرصة للحفاظ على كرامتها في حين تحصل على الحوافز اللازمة للاندماج في نظام إقليمي- وعالمي في نهاية المطاف- يرحب بها كلاعب أساسي، ما دامت ملتزمة بالقواعد التي تحكم عمل الأطراف المتعددة.

بطبيعة الحال، كانت الجهود التي بذلتها كلينتون لتنشيط التحالفات الأميركية سبباً في جعل استعادة الثقة بزعامة الولايات المتحدة أولوية عليا، وهو ما نجحت في تحقيقه من دون السعي إلى عسكرة كل المشاكل الدولية. ولقد افترض نهجها في التعامل مع الأمور ضمناً أن تهيئة الظروف لتعزيز القوة التعاونية من شأنه أن يمنح السعي إلى السلام الدائم قوة ذاتية. فضلاً عن ذلك، وحتى في تأكيدها أهمية التحالفات، فإنها لم تهمل المشاركة الدبلوماسية مع الخصوم، ولو أن هذا لم يكن قط- وخاصة فيما يتصل بإيران وكوريا الشمالية- في هيئة ممارسة بسيطة لتوزيع المتبقي من الفارق.

إن كلينتون، التي عملت في مجال التشريع وكانت سياسية ممارسة، تدرك أن الإرث الحقيقي الذي تخلفه أي سيدة دولة لا يوجد في العناوين الرئيسة للصحف واستطلاعات الرأي اليوم، بل في السياسات والمؤسسات الدائمة، كما أدركت أن هذا الجهد يتطلب الاستعداد لتحقيق أهداف المرء على مراحل، ولو كانت منقوصة. وفي كلماتها شخصياً تقول كلينتون: "إن التحدي الآن يتمثل بممارسة السياسة باعتبارها فن تحويل ما يبدو مستحيلاً إلى ممكن".

وأخيرا، من بين المساهمات الأقل بروزاً ولكنها بلا شك ذات أثر بعيد المدى، أن كلينتون جعلت من قضية المساواة بين الجنسين- وليس فقط في أروقة السلطة- هدفاً خاصاً لدبلوماسيتها. وحيثما سافرت، فإنها كانت تناصر المساواة في الحقوق، وعلى حد تعبيرها "في العديد من الحالات، كانت المسيرة إلى العولمة تعني أيضاً تهميش النساء والفتيات، ولابد أن يتغير هذا".

وقد ساعدت كلينتون في جلب هذا التغيير، ليس فقط من أجل النساء مثلها (ومثلي)، بل أيضاً وفي المقام الأول من الأهمية، من أجل النساء الفقيرات المحرومات المكبوتات في مختلف أنحاء العالم.

* وزيرة الدفاع ومستشارة الأمن القومي السابقة في اليابان، وزعيمة الحزب الديمقراطي الليبرالي في اليابان سابقا، وزعيمة المعارضة في البرلمان الياباني حاليا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top