فن خسارة المعركة

نشر في 01-10-2013
آخر تحديث 01-10-2013 | 13:01
 باسم يوسف القمع والحظر والتضييق جزء لا يتجزأ من حياة "الإخوان"، على مدى أكثر من ثمانين عاماً ظلت الجماعة موجودة ومؤثرة رغم وجود الكثير من قياداتها في السجون ورغم ملاحقة "الداخلية" وأمن الدولة لعناصرها وأعضائها.

ومع وضع الجماعة المحظور في نظر القانون والأمن لم يؤثر ذلك كثيراً على تفاعلهم مع المجتمع ونظرة المواطن العادي إليهم، بل تعاطف معهم الكثيرون ربما عنادا في "الداخلية" وربما اقتناعاً منهم بأنهم لا يستحقون كل هذا الظلم، وربما، وفي رأيي هذا هو الأهم، بسبب الطريقة التي كان يتعامل بها "الإخوان" مع الناس. 

كل منا يتذكر الأسر الإخوانية في الجامعة وكيف كانت تكتسح الانتخابات الطلابية، كل منا يتذكر مجهوداتها في تنظيم الرحلات وطبع الملازم وأسئلة الامتحانات. 

لم يكن النشاط السياسي للإخوان في الجامعة يزعج أحداً، فكانت وقفاتهم ومعارض صورهم ضد التدخل الأميركي في العراق أو انتهاكات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، لا تمثل تهديداً أو تعكيراً لصفو أحد، بل كنا نتعاطف جميعاً مع هذه الأهداف والمبادئ المساندة لإخواننا في فلسطين والعراق.

كانت الجماعة متماسكة ومتوازنة رغم تعقبها واضطهادها، كنتَ تحس أن لهذه الجماعة عقولاً تفكر لها، وخبرات تخطط لها، حتى أكثر المعادين للجماعة كانوا يشهدون لها بأن شبابها على درجة عالية من التربية والأخلاق. 

بعد الثورة وحتى بعد حركات "النص كم" من الجماعة كان هناك قطاع عريض من الناس يتمسك بالأمل في الصف الثاني، كانت هناك مقولة منتشرة تقول "شباب الجماعة غير قياداتها"، وصدّقنا هذه المقولة غير مدركين أن الشباب المختلفين فعلاً قد تركوا الجماعة من الأصل. 

بدأ الناس يدركون الاختلاف الذي حل بالإخوان بعد أن وصلوا إلى السلطة، فتبدل الأدب غروراً واستعلوا على من اختلف معهم، ووجدنا الشاب الإخواني الذي كان يشكو لك من تحجر فكر قياداته يزايد الآن عليهم، بل يقود هتاف "اضرب يا مرسي وإحنا معاك".

اكتشفنا أن أسطورة "الشباب بتوعهم حاجة تانية" وصراع الحمائم والصقور داخل الجماعة ما هي إلا أوهام في مخيلتنا، وأنه لا فرق بين صبحي صالح الذي يدعو الله بأن يميته على "الإخوان" والذي يعتبر أن الزواج خارج الجماعة خيانة "فلوطية" لجنس الجماعة الآري، لا فرق بينه وبين الشاب الذي كان يقترب إليك بصوت خفيض لتصوت لأسرته في الجامعة، فكل منهما يؤمن بأنه أقرب إلى الله منك، ولذلك حق عليك الاحتقار واستحق هو أن يحكمك.

تخيل كل هذا الغرور وكل هذا اليقين بأن الدنيا بأسرها قد دانت لهم، ألم يصرح أحد شبابهم بأننا مخطئون إذا ظننا أنهم يريدون حكم مصر فهم في الحقيقة سيحكمون العالم؟ ألم يخرج أحد قيادييهم في برنامج هالة سرحان ويقول إن مصر هي البداية وإنه في أقل من خمسين عاماً سيسيطر الحكم الإسلامي (يقصد الإخواني طبعاً) على العالم شاء من شاء وأبى من أبى؟

تخيل أن ينتهي كل ذلك في أيام قليلة! وتخيل أن لا أحد يهتم! وتخيل أن نسبة 75% التي حصلوا عليها في أول برلمان قد تبخرت أمام أعينهم فتحولوا من "سادة البلد" إلى مطاريد، ونزل طموحهم من مناقشة كيف سيحققون أستاذية العالم إلى مناقشة "دي ثورة ولاّ انقلاب؟"... أليس هذا كافياً لأن تفقد عقلك؟

وهذا ما حدث فعلاً، فيبدو أن الجماعة فقدت عقلها، لم يعد هناك من يرشد ويوجه، حتى من كان يقوم بهذا الدور فقد عقله من قبل فحرض وسبّ وشتم، وطالب صراحة بانشقاق الجيش والتدخل الأجنبي. 

بعد هروب قياداتهم ثم القبض عليهم لم يبقَ إلا الشباب، ولكنهم شباب افتقروا إلى القيادة و"الخبث" الذي كان يتميز به من يقودهم، فماذا فعلوا؟ 

في ظل انعدام التوجيه بدأ الشباب يقودون المبادرات ويحددون الأهداف، ولكنهم نتيجة لذلك وقعوا في كل الأخطاء التي وقع فيها شباب الثورة على مدى سنتين، هؤلاء الشباب الذين تم تخوينهم وتسفيههم وتكفيرهم على يد الجماعة من قبل، ولكن حتى وهم يقلدون شباب الثورة في مسيراتهم وهتافاتهم وشعاراتهم قاموا بعمل ذلك "بغشومية".

فحين تقطع الطريق وتخترع حملات لافتعال أزمات مرورية أو لخلق ازدحام المترو أو إضعاف مرافق الدولة فأنت هنا لا تثور على السلطة المؤقتة التي أقصتك من الحكم، أنت تضع نفسك في مواجهة المواطن العادي، بل إنك تعطي فرصة ذهبية للحكومة التي تريد إسقاطها أن تستخدمك كحجة لفشلها.

هل تذكرون ميدان التحرير في أول سنة بعد الثورة حين تم غلق مجمع التحرير "بأمر الثورة" وتم تبرير كل مشكلة في مصر على الناس"اللي موقفة حال البلد" حتى لو كان ذلك مشكلة وقود في أقاصي الصعيد؟

يحدث ذلك بالضبط مع "الإخوان" بعد أن قدموا أنفسهم قرباناً للسلطة، لتغطي على أي فشل أو تقضي بأن الإخوان "موقفين حال البلد".

يقلد شباب "الإخوان" الهتافات وطريقة قطع الطرق ويتغاضون عن الإرهاب في سيناء وفي كرداسة ودلجا بمنطق "اشمعنى" ويضربون المثل بالبلاك بلوك، وينسى "الإخوان" أنه لا أحد وقف مع البلاك بلوك أو برر قطعهم للطريق وينسى "الإخوان" أن المواطن العادي "قفش" على الثورة بسبب الطرق المغلقة والأزمات الحياتية اليومية التي لم يجد غير الثورة "وبتوع الثورة" ليلومهم، ولكن "بتوع الثورة" في أقصى درجات حماسهم وفي عز هتافهم بسقوط حكم العسكر لم يسعوا أبدا إلى انشقاق الجيش أو التدخل الأجنبي أو محاكاة السيناريو السوري كما فعل ويفعل "الإخوان".

اختفى الشاب الإخواني المؤدب المهادن المهاود وتم استبداله بشباب يسبون الناس على صفحات التواصل الاجتماعي ويعطلون المرور والدراسة بل ويسبون مفتي الجمهورية بأهله على مرأى ومسمع من الجميع.

هل يظن "الإخوان" حين يسبون رمزاً دينياً مثل المفتي أن الناس ستتفهم مطالبهم وتقف بجانبهم؟ ألم يكن "الإخوان" يتباهون بأن "العيبة" لا تخرج منهم؟ كيف يتباهون الآن بسبابهم وسوء أدبهم وتعديهم على الناس؟

يخرج عليك الإخواني الآن بعد أن سبك وشتمك ويطلب منك أن تتعاطف معه، طب إزاي؟ لقد وضعتم أنفسكم في خندق واحد ضد الجيش والشرطة والقضاء والإعلام، ووضعتم كل من عارضكم في قفص الاتهام بأنه ضد الله وضد الدين وضد الإسلام وسعيتم إلى المواجهات ووضعتم البلاد كلها على خط المواجهة.

وفي النهاية.... خسرتم.

هذه هي الحقيقة التي يجب مواجهتها، راهنتم، واجهتم خسرتم. 

خرجت تظاهرات "الإخوان" قبل 6/30 بصور عملاقة تحمل الإعلاميين على المشانق، وخرج إعلامهم يتهم الإعلام الآخر بالعمالة والولاء للصهيونية والشذوذ، كيف تريد أن يدافع عنكم هؤلاء الآن؟

لقد أمضيتم سنة حكمكم البائسة في فرد عضلاتكم والاستعلاء على الناس، وفي اعتصامكم تحديتم الجيش والشرطة "معاً" وفرد صفوت حجازي صدره، وهو يقول: "لو وزير الداخلية راجل ييجي يجيبني" ولكن وزير الداخلية لم يستطع أن يمارس رجولته عليك لأنك هربت فتفرغت "الداخلية" لقتل من لا يستحق الموت وهرب من لا يستحق الحياة، ومارس الأمن رجولته على شباب ورجال آخرين.

الجماعة لم يضرها الحظر خلال ثمانين عاماً كما أضرها قياديوها في سنة الحكم، وكما يضرها من بقي منهم الآن. لقد فقدت الجماعة عقلها وتفرغ أعضاؤها الآن لهدف واحد، ألا وهو كيفية خسارة كل شيء.

للأمانة، قد تعلمنا من "الإخوان" الكثير في السنة الماضية، تعلمنا كيف يمكن أن تغير السلطة مَن تظاهر بالتواضع و"المسكنة"، تعلمنا كيف تتجرأ وتسب وتلعن خصومك وأنت في السلطة ثم لا يكون لديك أي مشكلة على الإطلاق أن تسبهم وتلعنهم مرة أخرى حين تخسر المواجهة وتتباكى على عدم مساندة هؤلاء الخصوم الملعونين لك، تعلمنا كيف تفرد عضلاتك على خلق الله وتهدد وتتوعد وتضع البلد كله على حافة الهاوية، ثم حين تخسر تتعجب أنه لا أحد يريد مساعدتك ولا أحد يهتم بك. 

تعلمنا منكم كيف تخسر معاركك، وكيف تخسر الناس وكيف تخسر نفسك.

 

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top