ما حاجتي إلى التقدير؟

نشر في 09-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 09-07-2013 | 00:01
No Image Caption
يقوم بناء الهوية، منذ الطفولة، على تداول إشارات التقدير المتبادلة مع البيئة ونوعيتها. يحتاج كلّ واحدٍ منا إلى تقدير الآخرين وقبولهم له وإلى تبادل المحفزات النفسية. وبقدر ما تتمكن من معرفة علامات التقدير وإدارتها، تتجدد الحياة الشخصية والاجتماعية وتُصبح أغنى.
يتعطش الناس إلى التقدير وهذا أمر طبيعي، لأنه يؤدي دوراً مهماً وأساسياً في إرساء التوازن، إذ يؤكد على قيمة الشخص وانتمائه وتكامله ويعزز الثقة بالذات. تشير الرسالة المرفقة بالتقدير إلى أنك جدير بالاهتمام  وتنتمي فعلاً إلى مجموعة معينة.

تُعزى هذه الحاجة، كغيرها من الحاجات، إلى أمرٍ أساسي وهو الاستمرار بالحياة من خلال الاستقرار النفسي والاجتماعي. يتطلع الإنسان إلى تقدير إنجازاته ونجاحاته بكلّ ما تقدّمه من خير، وتقدير المصاعب والعراقيل التي يواجهها ومدى نجاحه في إيجاد حلول مناسبة لها.

نقص التقدير

يقول كونفوشيوس: «كن لطيفاً ولا تنتظر التقدير».

 نقص التقدير أحد أسباب الضغط الأساسية  التي يعاني منها الموظفون، الأمر سيان بالنسبة إلى العلاقات التي تجمع بين الأزواج أو الأولاد وأهلهم.  في أغلب الأحيان يسبب نقص التقدير مشاعر وأحاسيس وتصرفات سلبية (إحباط، غضب، عدائية، استياء، القرف، العبوس، كآبة....) قد تؤدي إلى فقدان الطموح والتحفيز وإلى زيادة الضغط. لذلك يلجأ البعض إلى تعليم الأطفال ما يلي:

• أن يقللوا من عواطفهم أو حتى يرفضوها، فتحرص على إفهامهم أن الصبيةً والفتيات لا يبكون ما يعرّضهم لأضرار جانبية، فحين تُمنع العواطف عنهم كونها أموراً غير متاحة وغير  شرعية، تكون شخصيتهم  ناقصة وغير شرعية أيضاً.

• أن يحدوا من إنجازاتهم: سعياً وراء النجاح، قد يحتاج المرء إلى العناد ويضطر إلى بذل جهد مضنٍ والوقوف على الأمجاد... فيتعرض لأضرار جانبية ويفضل الانعزال والتقوقع بدلاً من الانخراط في المجموعة (الإخوة، الزملاء، الرفاق...) وحجز مكانة مهمة بين أفرادها.

• أن الآخرين يعرفون أكثر كيف يميزون بين الأمور القيّمة والأمور التافهة: الأهل، الأساتذة، الكبار عموماً... باختصار، تعلّمهم أنهم غير قادرين على اتخاذ حكمٍ صحيح على الأمور، فيفهمون ألا قيمة لهم إلا حين يعترف بها الآخرون.

• أن الأمور تبقى دائماً في حدود المعقول والعادي بالنسبة إلى أولئك الذين يعرفون نقاط القصور والعجز والأخطاء التي تشوب شخصيتهم، فهم يسهلّون على أنفسهم التعلّم إلا أن إنجازاتهم في هذه الحالة لا فائدة لها وغالياً ما يعانون وبتألمون ليتعلّموا.

الأسوأ من ذلك، أنه ما إن يبلغ الطفل سنّ البلوغ، يعاني نقصاً في التقدير وينتقص أيضاً من تقدير الآخرين لأن هذا ما تعلّمه.

مسؤول... إنما غير مذنب!

الأسوأ أنك تشارك في نقص التقدير الذي يعانيه أفراد المجتمع رغماً عنك! في الحقيقة، تسعى كغيرك من الناس، إلى نيل إعجاب الآخرين وتقديرهم، ولكن هل تساءلت عن مدى تقديرك للآخرين وإظهار إعجابك بهم وبأعمالهم؟ لا شكّ في أنك نادراً ما تعبّر عن ذلك! ولكن ما الذي يمنعك؟ إنها الأسباب التي سبق أن أدرجاناها أعلاه: توّد أن تكون تلميذاً جيداً يسعى إلى إثبات نفسه ويبرهن أنه تعلّم الدرس كما يجب.

لاحظ أنك ترفض الإنجازات التي يحققها الآخرون والصعوبات التي يواجهونها، لا سيما حين تتنافس معهم للحصول على إعجاب القيمين أو الأهل.... كذلك تحاول قدر المستطاع تجنّب تقدير إنجازاتك والصعوبات التي تواجهها في حياتك، فتدخل في حلقة مفرغة، ما يُحبط حاجتك إلى تقدير ذاتك لفترةٍ غير محددة من الزمن.  

لغز مصطلح stroke

استخدم الطبيب النفسي الأميركي الدكتور إريك برن في كتبه التي تتمحور حول التعامل بين البشر مصطلح «Stroke» على نطاق واسع في علم النفس. يذكر أنه لا يمكن العثور على ترجمةٍ دقيقة لفعل To stroke من الإنكليزية إلى العربية، لذلك يُعتمد مصطلح «إثارة» الذي يحمل معنيين في الإنكليزية: أحدهما إيجابي والآخر سلبي. من جهة تعني الإثارة اللمس بنعومة ومن جهةٍ أخرى الضرب، ويمكن تعريف هذا المصطلح  كعلامة تقدير متبادل بين شخصين،  وهي وسيلة يعتمدها الفرد للاعتراف بوجود الآخر وتقديره، علماً أن التقدير يمكن أن يتمّ عبر عملٍ معين أو تصرف أو كلمة.

تغذية شعور التقدير

إبدأ من حيث توّد أن يبدأ الآخرون معك، بمعنى عاملهم كما تحب أن تُعامل وستلاحظ كيف ستعتاد على تقدير الآخرين، وكيف ستحبّ أن تعطيهم وتتلقى منهم. بالإضافة إلى ذلك، اجذبهم  وادفعهم إلى تقديرك وحسّن علاقاتك بهم، من خلال إرسال رسائل تقدير وإعجاب، لا سيما في مكان العمل حيث يمتنع أشخاص كثر عن الإقدام على ذلك. تذكر أنك لن تحصل إطلاقاً على ما تمتنع أنت شخصياً عن تقديمه للآخرين.

باختصار، قدّر الآخرين تماماً كما تريد أن يقدروك، وتأكد أنك سرعان ما ستشعر بأثر ذلك الإيجابي على نفسك وعلى الآخرين. فلماذا لا تغيّر مقولة: «أنا ومن بعدي الطوفان» وتستبدلها بـ «اللهم نفس الآخرين (الأطفال والشريك والأصدقاء والزملاء والرفاق) ومن بعدها نفسي؟!»

علاوةً على ذلك، أنت الوحيد القادر على معرفة نوع التقدير الذي ترغب بالحصول عليه، إن لم تقدّر إنجازاتك الخاصة وتمنحها ما تستحق من اهتمام، لن يهتم بها الآخرون ولن ينظروا إليها بعين التقدير والإعجاب.

ما هي الإنجازات والصعوبات التي تود أن ينظر إليها الآخرون بعين التقدير؟ إلى أي مدى تمنحهم التقدير الذي تودّ الحصول عليه منهم؟ أي تقدير هو ذلك الذي ستمنحه لنفسك؟ أسئلة كثيرة تستحق البحث عن إجابات شافية لها.

المحافظة الذاتية على التقدير

 

لإرساء نظام  تقدير تلقائي، من الضروري أن تكرّس بعض الوقت لنفسك استناداً إلى الإيقاع الذي يلائمك. كلما اجتهدت لاكتساب هذا الأسلوب، ستلاحظ كيف سيبدأ الآخرون بتقديرك وستنال ثمار صبرك وجهدك  لأنك بدأت تغذي إحساسك الخاص بالتقدير.

هل يستطيع الإنسان أن يلبي بنفسه حاجته إلى التقدير فيلغي اعتماده على المصادر الخارجية؟ ألا يستعيد بذلك قدرته على التحكّم بحياته من دون أن ينكر في الوقت عينه حاجة الآخرين إلى التقدير؟  

يقول جول رونار، ما من شيء أبدي حتى التقدير! وماذا إن تحوّل الأمر إلى عدوى بين الناس لدرجة أن من نقدرهم ينجحون أكثر في تقدير أنفسهم وفي تقدير المحيطين بهم؟

التقدير الاجتماعي

يحمل التقدير في طياته معاني كثيرة غنية ومحاولات متنوعة، منها الفردي ومنها الجماعي ومطالب دائمة. في ظلّ بحث الموظفين عن التقدير الذي يشكل جزءاً من الأصول الأساسية، لا بدّ من أن تعي المؤسسات أمرين أساسيين: تقدير مساهمة كلّ فرد وتقدير عمله وهويته واحترامها.

أياً كان مركزه أو طبيعته، شابا أو مسناً، موظفاً قليل الخبرة أو محترفاً، باحثاً أو عاملاً، رجلاً أو امرأة، مغترباً أو مقيماً، بائعاً أو ممثلاً عن طاقم العمل، يحتاج الموظف إلى التقدير ويرفض مختلف أشكال التمييز. فما السبيل الأفضل للتقدير؟ تتعدد أشكاله وتتنوع لتشمل التدريب، الترقية، التعويضات، العمل وغير ذلك من النماذج والشروط التي تلبي حاجة الموظف إلى التقدير والاحترام.

back to top