الباحث السوري هشام الأحمد: تهميش تراثنا سبب تأخرنا

نشر في 13-05-2013 | 00:02
آخر تحديث 13-05-2013 | 00:02
{يعاني مجال تحقيق التراث في عالمنا العربي والإسلامي إهمالاً شديداً وانصراف الكثيرين عنه، ورغم كثرة المؤسسات والمراكز العلمية الأكاديمية والخاصة في بلادنا، فإن ما تحقّق في هذا المجال قليل جداً، لذا تحتاج حركة تحقيق التراث إلى تنشيط واهتمام كبير من الجميع}، بهذه الكلمات يصف الباحث والمحقق السوري هشام الأحمد تعامل الخبراء العرب مع تراثهم، خصوصاً العلمي منه. {الجريدة} التقته وكان الحوار التالي:
ما الذي جذبك إلى مجال تحقيق التراث؟

لأنه يتفق مع دراستي وعملي كصيدلاني، واتجهت إلى مجال التحقيق منذ عشر سنوات أثمرت عن كتابي {علم التشخيص المخبري بين التراث والعلم الحديث وبين العلم الحديث والتراث العربي} وتحقيق {تقويم الأدوية المفردة} للطبيب التركي إبراهيم بن أبي سعيد بن إبراهيم العلائي المغربي، ونلت عنه جائزة معهد المخطوطات العربية في القاهرة التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة التي تحمل اسم {الجائزة العربية في تحقيق التراث} عام 2010.

عندما بدأت العمل دهشت لمدى الإهمال الذي وقع فيه العرب والمسلمون تجاه التراث العلمي، الذي يقدر بأضعاف مجموع تراث جميع الأمم ومع ذلك فإنه يعاني التهميش والإهمال، فأردت إثبات أهمية هذا التراث.

كيف ترى دراسة التراث؟

أرى أن مجال التحقيق رسالة على رغم أن البداية كانت صعبة جداً بسبب الهوة والفاصل الحضاري بيننا وبين التراث العلمي القديم، لذلك فالتراث لا بد من أن يخوض فيه العاشق، فبسبب سعة بحوره وعمق غوره لا يغوص في أعماقه ولا يستخرج لآلئه إلا عاشق. لا بد من توافر دافع شديد كي يستطيع المحقق أن يبدع في هذا المجال.

هل يعتبر مجال تحقيق التراث الطبي نادراً بين المحققين؟

التراث الطبي واسع ويحتاج إلى جهود جامعات ومعاهد ومراكز بحثية متخصصة، والأفراد المشتغلون فيه للأسف قلة قليلة ومعظمهم من دارسي الاختصاصين اللغوي أو الفلسفي أو غيرهما. أما أن تجد طبيباً أو صيدلانياً يختص بتراث العلوم الطبية أو مهندساً يختص بتراث العلوم الهندسية فهذا نجده أمراً نادراً مع أنه الأهم والألزم، لأن صاحب الاختصاص يستطيع الإفادة في خدمة التراث وتيسيره وتوظيفه.  

ما صعوبات العمل في مجال التحقيق؟

أبرزها الحصول على المخطوطات المهمة التي يجب على الباحث أن يعتمد عليها في عمله، لذا يرجع معظم المحققين إلى المتوافر بين أيديهم، فضلاً عن صعوبة المصطلحات للتباين الكبير بين مصطلحاتنا الحديثة والمصطلحات التراثية.

ماذا ينقصنا كي يخرج تراثنا المجهول إلى النور؟

ينقصنا كعرب نفض الغبار عن تراثنا، خصوصاً العلمي منه، والإيمان بهذا التراث، فإذا اعتقدنا اعتقاداً راسخاً بأهميته سنهتم به. ينقصنا أيضاً توظيف القدرات ودفعها في هذا المجال، وهذه مسؤولية قادة العالم العربي.

ما رأيك في حركة تحقيق التراث عموماً؟

آن الأوان للاهتمام بالتراث العلمي الذي يعاني الإهمال منذ قرون، ونحن في بعد عن هذا التراث الذي استفاد منه الغرب وتفوق به علينا.

كيف ترى دور الاختصاصيين من هذه القضية؟

متقاعسون عن أداء دورهم نحو التراث العلمي، وإلا لكنا رأينا تراثنا العلمي منشوراً ومتداولاً بين الباحثين العرب.

كيف يرى الغرب تراثنا العلمي؟

المستشرقون لهم أعمال كثيرة حول تراثنا العلمي، بل هم أول من أظهر الاهتمام به، لكنهم يدرسونه على سبيل التعرف إلى الآخر وكثير منهم درسه لأهداف مغرضة، لذا نجد أكثر المستشرقين روجوا لمقولة إن العرب نقلوا الطب عن اليونان، وهي إشاعة لن ينجح في نفيها إلا نحن. علينا أن نستلم عجلة البحث العلمي في التراث لنكون نحن المثبتين لتاريخنا وتراثنا، وبالتالي لوجودنا.

ما مدى نبوغ العرب في مجال الطب؟

العرب هم أول من وضع الأساس المتين لمهنة الصيدلة، وهم أول من فصلها عن الطب. عموماً، لم يقف دور العرب والعلماء المسلمين عند النقل من الأمم الأخرى بل كانوا يضيفون الشروح والتعليقات والتطوير. ونجد أن الأطباء العرب لم يعتمدوا في المداواة على نظرية الأخلاط والأمزجة والطبائع المتوارثة عن الطب اليوناني، بل اعتمدوا التجربة أساسا في اعتماد العلاج، وأضافوا مواد نباتية كثيرة كان يجهلها الإغريق جهلاً تاماً وزودوا الصيدلة بأعشاب لم تكن معروفة سابقاً.

ما المطلوب توافره في من يتصدى لتحقيق التراث العلمي؟

أن يكون واسع الاطلاع والمعرفة بعلم اللغة العربية للتعامل مع المصطلحات والبحث فيها، وأن يكون على علم بدقائق العلم الذي يحقق فيه. كذلك يجب أن يكون ملماً بعلم المنطق كي يستطيع فهم التراث، لأن العلماء العرب المسلمين كان المنطق يدخل في كل علومهم ثم يرتبون كتبهم على أساس منطقي.

هل الغرب أكثر اهتماماً منّا بتراثنا؟

فعلاً، فقد كان المستشرقون في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر وبداية القرن العشرين أكثر اهتماماً منا بتراثنا. أما في العصر الحديث فأرى أن انتشار وسائل الطباعة الحديثة ساعد في الاهتمام بتراثنا بشكل ليس مقبولاً، ولكنه بشكل ما قابل انحسار دور المستشرقين في الاهتمام بتراثنا.

ماذا إذا استمر إهمالنا لتراثنا؟

إذا لم نتبصر ونؤمن بأهمية تراثنا فسنبقى على الهامش، وإذا لم ننطلق من ماضينا فلن نستطيع أن نثبت شخصيتنا ووجودنا بين الأمم، فمن لا ماض له لا مستقبل له.

back to top