استسلام الغرب في أفغانستان «وطالبان» تتهيأ للعودة!

نشر في 27-06-2013
آخر تحديث 27-06-2013 | 00:01
في الوقت الذي فتحت فيه حركة «طالبان» مكتبها في الدوحة، أعلن كرزاي أن الجيش الأفغاني تسلّم رسمياً مسؤولية الأمن في كامل البلاد من قوات المساعدة الأمنية الدولية (البعثة الأمنية التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان).
 شبيغل في شهر أبريل عام 2007، اقترح كورت بيك، الذي كان يرأس آنذاك الحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني، إجراء مؤتمر بشأن أفغانستان يشمل كل الأطراف المعنية، بما فيها حركة "طالبان"، لكن بيك واجه الكثير من الانتقادات بسبب هذه الفكرة. فنفّس محافظو المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل غضبهم في وجهه، حتى إن وزير الخارجية الأفغاني آنذاك، رانغين سبانتا، ذهب إلى حد اعتبار بيك جاهلاً.

ولكن اليوم، بعد مرور ست سنوات، ها هي فكرة بيك تُطَبّق، فيوم الثلاثاء الماضي، احتفلت حركة "طالبان" بافتتاح مكتبها الجديد في الدوحة، عاصمة قطر. ويريد الإسلاميون عقد مفاوضات سلام مع الحكومة الأفغانية والبيت الأبيض، لكن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي ما زال متردداً في هذا الشأن، إلا أن المحادثات بين "طالبان" والحكومة الأميركية ستنطلق، حسبما يُفترض، خلال بضعة أيام.

كانت الأطراف المتقاتلة تعقد محادثات سرية، كذلك التقوا في ألمانيا في مناسبات عدة، ولكن هذه المرة الأولى منذ بداية التدخل العسكري الدولي في هندوكوش عام 2001 التي يجلس فيها ممثلو "طالبان" رسمياً على كرسي المفاوضات، فقد رفض المتطرفون المشاركة في أي من المؤتمرات الأفغانية السابقة، التي عُقدت في مراحل مختلفة.

هل تصبح حركة «طالبان» معتدلة؟

تبدلت الأوضاع اليوم. تخطط الولايات المتحدة وحلفاؤها لانسحاب منظَّم شبه تام من هذا البلد الكثير الاضطرابات، ففي الوقت عينه الذي فتحت فيه حركة "طالبان" مكتبها في الدوحة، أعلن كرزاي أن الجيش الأفغاني تسلّم رسمياً مسؤولية الأمن في كامل البلاد من قوات المساعدة الأمنية الدولية (البعثة الأمنية التي يقودها حلف شمال الأطلسي في أفغانستان). وبحلول نهاية عام 2014، من المفترض أن ينسحب نحو مئة ألف جندي أجنبي من أفغانستان، مخلفين وراءهم مجموعة صغيرة من المدربين العسكريين فحسب.

تأمل دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) أن تترك وراءها على الأقل دولة لا تعمها الفوضى. في عام 2001، رسم الغرب أهدافاً كبيرة في أفغانستان، مثل تطبيق الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز الحوكمة المسؤولة. لكن الدول المشاركة في قوات المساعدة الأمنية الدولية تخلى عن سعيها إلى تحقيق أهداف مماثلة منذ زمن. أشارت الولايات المتحدة إلى أنها ستسمح لحركة "طالبان" بالقيام بما يحلو لها، شرط ألا تسمح للإرهابيين الدوليين باللجوء إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها.

لكن الاختلاف الذي يتحدث كثيرون عنه بين عناصر "طالبان" "المعتدلين" و"المتشددين" يعكس تماماً هذا الحد الفاصل، فنرى من جهة أعضاء "طالبان" الذين يريدون تأسيس إمبراطورية إسلامية عالمية بمساعدة تنظيم "القاعدة"، في حين يكتفي آخرون في "طالبان" من جهة أخرى بحكم كابول.

ما يوحّد كلتا المجموعتين احتقارهما لحقوق المرأة والأقليات، فقد بدأت منظمة مراقبة حقوق الإنسان برسم صورة قاتمة لمستقبل حقوق المرأة في البلد. كذلك تشتكي "منظمة العفو الدولية" من انتهاكات فادحة لحقوق الإنسان، ففي تقريرها السنوي الأخير، ذكرت أن النساء والفتيات يتعرضن اليوم لعنف كبير ومتكرر.

مواجهة بين «طالبان» وكرزاي

تتمتع حركة "طالبان" منذ بعض الوقت بسيطرة مطلقة على عدد من المناطق، خصوصاً في الجزء الشرقي من البلد قرب الحدود مع باكستان، وفي تلك المناطق، تطبق هذه الحركة ما تعتبره نظاماً إسلامياً شرعياً. على سبيل المثال، عمد المتطرفون في إقليم قندهار الجنوبي الأسبوع الماضي إلى قطع رأس ولدين بعد أن اتهموهما بالتجسس لمصلحة القوات الأمنية الأفغانية، وفي اليوم التالي، نفذوا أكبر عملية تفجير قاموا بها خلال أكثر من سنة خارج مبنى المحكمة العليا في قلب كابول، ما أدى إلى مقتل 17 مدنياً وجرح 39 آخرين.

تُظهر دراسة نشرها الجيش الألماني في أواخر شهر مايو مدى تردي الوضع الأمني، فقد أشارت الدراسة إلى أن الهجمات على الجنود والمدنيين شهدت نمواً سنوياً بنسبة 25% عام 2012.

مع كثرة هجماتها وتوسّع نفوذها، ازدادت حركة "طالبان" جرأة. فخلال افتتاح مكتبها الجديد في الدوحة، وقف ممثلوها لالتقاط صورة تحت راية حملت عبارة "المكتب السياسي لإمارة أفغانستان الإسلامية". وهذا هو الاسم عينه الذي حملته البلاد بين عامَي 1996 و2001، حين كانت "طالبان" تمسك بزمام السلطة في كابول. لكن الضغط من الولايات المتحدة وآخرين حمل هذه المجموعة يوم الخميس الماضي إلى إعادة تسمية المكتب "المكتب السياسي لأفغانستان طالبان". وهكذا تحوّلت "طالبان" إلى حكومة موازية بات يُفترض بكرزاي اليوم أن يتوصل إلى اتفاق معها بشأن تشاطر السلطة.

لكن هذه الخطوة أشعلت غضب الرئيس كرزاي، الذي اعتبرها إهانة لسيادة حكومته. نتيجة لذلك، سحب وفده يوم الأربعاء من المحادثات، لكنه مستعد اليوم للعودة إلى المحادثات، وفق وكالة "الأسوشييتيد برس"، شرط أن يُزال علم "طالبان" واسمها عن مبنى المكتب، وأن ترسل الولايات المتحدة برسالة دعم رسمية إلى حكومته.

اعتبر وزير الدفاع الألماني، توماس دي ميزيير، في خطاب ألقاه قبل مغادرته أفغانستان يوم الخميس راية "طالبان" "غير مقبولة"، وحض كابول على ألا تسمح لأحد باستفزازها، وفق وكالة "فرانس برس".

علاوة على ذلك، تثير المحادثات مع الحكومة الأفغانية الكثير من الجدل بين مجموعات "طالبان" المختلفة، فقد رفض مَن يعارضونها باستمرار التفاوض مع ممثلي كرزاي لأنهم يعتبرون الرئيس مجرد دمية في الحكومة الأفغانية.

لعبة النفوذ

لم تقدّم "شبكة حقاني" خصوصاً دعماً كاملاً للمحادثات، لكن هذا الفرع النافذ من حركة "طالبان"، الذي أعلن مسؤوليته عن عدد من الهجمات في أفغانستان وباكستان، يتمتع بنفوذ أكبر بسبب أسره أحد الجنود الأميركيين. يحتجز هؤلاء المتطرفون الرقيب الأميركي بوي بيرغدال منذ عام 2009. وهم يهددون اليوم بإفشال المحادثات أو حتى بمنع عقدها، مطالبين بإطلاق سراح خمسة سجناء عسكريين من سجن خليج غوانتنامو مقابل الإفراج عن بيرغدال. أخبر متحدث باسم "طالبان" صحيفة "نيويورك تايمز" يوم الخميس أن التبادل قد يكون وسيلة "لبناء جسور الثقة"، لكن الصحيفة تشير أيضاً إلى أن أعضاء "طالبان" الخمسة "يُعتبرون من أبرز المقاتلين في غوانتنامو ويُفترض أن يكونوا من آخر مَن يُطلق سراحهم". من المتوقع أن يقود جهود الحوار من ناحية "طالبان" ما يُطلق عليه "شورى كويتا". تُعتبر هذه الهيئة، التي تعمل من باكستان، القيادة السياسية لحركة "طالبان"، وتذكر بعض التقارير أنها لا تزال خاضعة لقيادة الملا محمد عمر، الرجل ذاته الذي طردته الولايات المتحدة وتحالف الشمال الأفغاني من السلطة في كابول عام 2001.

إذن، من المحتمل أن يعود عمر إلى السلطة في وقت قريب. تهدف المفاوضات إلى تشكيل حكومة أفغانية جديدة تشارك فيها حركة "طالبان". ومقابل الاعتراف السياسي الرسمي، يُطالب كرزاي والرئيس الأميركي باراك أوباما بأن تعلن "طالبان" التزامها بالدستور الأفغاني الذي وُضع عام 2004. لكن الإسلاميين يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية، ولا شك أن التوصل إلى تسوية في هذا المجال صعب جداً.

من الطبيعي أن تؤدي باكستان دوراً كبيراً في تحديد ما إذا كانت هذه المحادثات ستثمر، فما زالت الحكومة والجيش في إسلام أباد، خصوصاً جهاز الاستخبارات العسكري، يتمتعان بنفوذ كبير بين أعضاء طالبان. وقد أعلنت باكستان مراراً ضرورة مواصلة حماية "مصالحها الشرعية في أفغانستان" حتى بعد انسحاب قوات المساعدة الأمنية الدولية. لذلك لن تفضي المحادثات في الدوحة إلى إنجاز كبير، إلا إذا كانت جارة أفغانستان القوية راضية عن النتائج.

Christoph Sydow

back to top