الليلة مع جون

نشر في 14-05-2013
آخر تحديث 14-05-2013 | 13:08
 باسم يوسف في مكان ما في وسط جزيرة مانهاتن بمدينة نيويورك، جلست على مقعدي في الغرفة المخصصة للضيوف قبل دخولي إلى الاستديو، أنا الآن في انتظار دوري في الفقرة الثالثة كضيف على برنامج جون ستيوارت مقدم البرامج الإخبارية الساخرة الأشهر بالولايات المتحدة، إنها المرة الثانية التي يستضيفني فيها خلال عشرة أشهر، كنت سعيداً لمقابلة الرجل الذي تحول من نجم أتابعه على مدى سنوات إلى صديق مخلص وقف بجانبي أيام التحقيق معي، بل ووقف قبل ذلك مع الثورة المصرية، ودافع عن حرية التعبير في مصر أكثر من مرة.

ابتسمت حين تذكرت الهجوم الكاسح الذي تعرضت له من جهة القنوات الدينية، لأن جون ستيوارت يهودي الديانة، فهؤلاء الناس يتكلمون عن سماحة الإسلام وتعايشه مع الديانات الأخرى لكنهم في نفس الوقت لا يفرقون بين اليهودية كديانة والصهيونية كتوجه سياسي، ثم نرجع ونصرخ ونبكي أن الغرب يصنف المسلمين والعرب والإرهابيين معاً في بوتقة واحدة.

المهم كنت أنتظر وقت دخولي للاستديو، لكن قبل ذلك كانت هناك فقرتان، يا ترى ماذا يخبئ اليهودي في جعبته اليوم؟

بدأ البرنامج بفقرة عن توابع تفجيرات بوسطن، المتهم فيها أخوان من أصل شيشاني، كبرا وتعلما في الولايات المتحدة، لك أن تتخيل طبعاً الشحن الإعلامي ضد المسلمين في أميركا، لكن جون ستيوارت عرض بشكل ساخر ردود الفعل في قناة فوكس المعروفة بتوجهها اليميني.

يسخر جون ستيوارت من "فوكس نيوز" بطريقة روتينية، فيبدو أن اليمين المتطرف في العالم كله هو منجم الذهب المتجدد للبرامج الساخرة، لكن الجديد هذه المرة أنه في وسط الشحن الإعلامي ضد المسلمين وقف جون ستيوارت "اليهودي" للدفاع عن حقوق المواطنين المسلمين ليس حباً فيهم وانحيازاً للإسلام بل دفاعاً عن مبادئ الدستور الأميركي والقيم الأخلاقية والإنسانية به، لماذا يختار رجل أن يسبح ضد التيار؟ وبدلاً من أن يسخر من هؤلاء الذين استمتعوا بخيرات هذا البلد ثم انقلبوا عليه، وبدلاً من أن يقع في فخ التعميم على المسلمين، اختار أن يدافع عن المبادئ التي تجعل بلاده في نظر البعض قائدة العالم الحر كما يقولون.

وتابع جون ستيوارت تصريحات وتعليقات مذيعي وضيوف قناة فوكس، وقارن بين تعديلات الدستور الأميركي، التي تعرف مجمعة بوثيقة الحقوق، وبين ما يطالب به هؤلاء اليمينيون.

فها هو شون هانيتي، المذيع المشهور بـ"فوكس" يطالب بالسماح باستخدام وسائل التعذيب لاستخلاص المعلومات، خاصة طريقة الغمر بالماء أو ما يعرف باسم "water boarding"، فيعلق جون ستيوارت بأن هذا خرق للتعديل الثامن (بعدم تطبيق عقوبات غير عادية أو وحشية).

ومذيع آخر يطالب بإعادة فتح باب النقاش بفرض الرقابة على المساجد والتفتيش الدوري عليها، فيرد جون ستيوارت بأن هذا خرق للتعديل الرابع على الدستور الذي يمنع التفتيش أو اقتحام خصوصيات الناس بدون إذن قضائي أو أدلة كافية.

يستمر جون ستيوارت في عرض التعليقات العنصرية فها هو أكثر من مذيع يعترض على قراءة الحقوق على هؤلاء المشتبهين في ما يعرف باسم حقوق ميراندا، التي تقضي بحق المقبوض عليهم في التزام الصمت، وتوكيل محام لهم، وجاء حق أو إعلان ميراندا، الذي تم سنه في عام 1966 بعد انتهاك الشرطة في أريزونا حقوق "أرنستوأرتوروميراندا" المنصوص عليها في التعديل الخامس من الدستور.

تابعت الحلقة وأنا أتعجب، ففي خضم الجو العاطفي المشحون، حيث يطالب الناس برؤوس هؤلاء، يخرج ذلك الرجل ليتحدث عن الحقوق المنصوص عليها في الدستور، حتى لمن يعتبرهم البعض إرهابيين.

ثم توالت رسائل الكراهية من فوكس، فعرض مقاطع لأكثر الرؤوس اليمينية المتطرفة، وهي أن كولتر، وغيرها الذين طالبوا بأن يعاملوا كمجرمي حرب فتنزع منهم حقوقهم كمواطنين، ويعاملون كإرهابيين مكانهم الوحيد سجن غوانتنامو، فيرد جون بأن هذا انتهاك للتعديل السادس الذي ينص على حق المواطن في محاكمته من خلال هيئة محلفين مدنية وليست محاكمة عسكرية.

ثم يطالب مذيع آخر بعدم قبول الطلاب العرب والمسلمين في الجامعات الأميركية إلا بعد مرورهم باختبارات تضمن ولاءهم، ثم تختمها المتطرفة أن كولتر بالمطالبة بأن تنزع زوجة المشتبه الأول حجابها.

فيصرخ جون أن ذلك انتهاك للتعديل الأول الذي يمنع "الكونغرس" من دعم ممارسة أي دين أو منع ممارسة أي دين آخر، وأيضاً انتهاك للتعديل التاسع الذي يمنع أي تعديل في الدستور يمنع أياً من الحقوق الممنوحة للشعب.

وفي النهاية، سخر جون ستيوارت من اليمينيين المتطرفين، الذين على استعداد لنقض كل الحقوق في الدستور، ما عدا التعديل الثاني الذي ينص على الحق في امتلاك الأسلحة، وأظهر جون إحصائية توضح أن عدد الذين تم قتلهم في حوادث إرهابية على مدى ثلاثين سنة 3400 قتيل، بينما بلغ عدد ضحايا الأسلحة النارية 900 ألف قتيل.

أمضيت أياماً بعد هذه الحلقة أفكر في دستورنا الذي كتب علينا، والذي يعطي مجالاً واسعاً لترسيخ التعصب والطائفية في مجتمع ينزف يومياً، بسبب التعصب وكراهية الآخر باسم الدين، لكن للأمانة نحن لسنا بحاجة إلى دستور لترسيخ ذلك، فنحن نفعل ذلك بدون أي مساعدة قانونية أو مساندة دستورية.

وأنا أشاهد هذا اليهودي، وهو يدافع عن حقوق المواطنة لأقلية مسلمة لا تتعدى 5 في المئة من السكان، ليس من منظور ديني بل من منظور إنساني ومجتمعي وحقوقي بحت، وأنا أشاهد ذلك تخيلت لو أن نفس السيناريو حدث هنا، وكان المتهم شيعياً أو بهائياً أو مسيحياً، يا ترى ماذا سيقول شيوخ الفضائيات ودعاة آخر الزمن الذين مازالوا يتخبطون في فتاوى الولاء والبراء وتهنئة المسيحيين في أعيادهم، والذين يخرجون علانية ليهيجوا الرأي العام على الكنيسة والمسيحيين؟

جاء الإسلام للإنسانية كافة، لكن حاصره تجار الدين في دائرة الطائفية الضيقة المقيتة.

الشيخ محمد تعيلب، رحمه الله، كان من شيوخ الأزهر، وكان يقول: "لابد أن نتعلم ما يصير به الإنسان إنساناً قبل أن نتعلم ما يصير به المسلم مسلماً".

تربينا على أن ديننا دين الإنسانية ودين التعايش، وللأسف كبرنا لنجد أن من يسيطرون على الفضائيات والقرار السياسي أبعد ما يكونون عن الإنسانية، وأقرب ما يكونون للعصبية والقبلية، والآن نجد أن من يدافع عن حقوق المسلمين في الخارج... من ليس على ديننا.

back to top