حوار الطرشان: المحتار (2)

نشر في 16-02-2013
آخر تحديث 16-02-2013 | 00:01
 فيصل الرسمان لقد قام الإنسان الغربي بتحديد أولوياته منذ زمن ليس بالقصير, عندما اختار من غير تردد عربة الحضارة المادية, لتكون الناقل الرسمي والوحيد له, تاركاً خلف ظهره عربة الدين التي أعتقد أنها ليست ذات جدوى بالنسبة إليه.

فابتداء من عصر التنوير مروراً بعصر النهضة وانتهاء بهذا العصر الخرافي الذي وصل فيه العلم إلى مراتب متقدمة جداً، والإنسان الغربي يدرك تمام الإدراك أن المحرك لهذا العلم والدافع إلى تقدمه هو بلا شك "العقل"، ولكي يعلي من قيمة العقل خلع عليه صفة "المستبد" جاعلاً إياه المسيطر الأوحد والمحرك الأساس لكل ماديات الحياة عنده، فالعقل بالنسبة إليه كان ولا يزال يتربع على قمة الأولويات، بل لا أبالغ إن ادعيت أنه لا توجد أولويات خلاف العقل لديه.

ولكي يجعل السلطة مطلقة بيد العقل أخذ بنظرية "ديكارت" التي تتبنى الشك منهجاً، ليعلن في الوقت ذاته ضرورة "مسح الطاولة" والتحرر من جميع السلطات المعرفية والاعتماد على سلطة العقل وحده، سلطة البداهة والموضوع، فقام الإنسان الغربي بمسح الطاولة فعلاً، عن طريق تحطيم كل ما يقف بوجه العقل من معوقات، وأهم هذه المعوقات من وجهة نظر الدين، حيث أخذ بنبذه بعيداً بعد أن حصره في مكان ضيق ليس فيه ضوء أو هواء.

وبإطلاقه لأجنحة العقل، تقدم العلم تقدماً وصل إلى درجة الخيال أحياناً، فاستفادت البشرية أيما استفادة بل إنها سعدت كثيراً بهذه الاكتشافات التي جعلت من حياتهم حياة مريحة، حيث اقترب البعيد، وتكلم الحديد، وأصبح العالم كله عبارة عن قرية صغيرة تصلك المعلومة فيه بضغطة زر.

إلا أنه وبمرور الزمن حدث نوع من "الخواء الروحي" داخل نفس الإنسان الغربي، لأن الأخير خالف الطبيعة البشرية بتفضيله جناب العقل على جناب الضمير، عن طريق إطلاق العنان للأول وتكبيل الثاني، ومن حيث إن الإنسان لا يمكن له العيش بمعزل عن هذين الاثنين "العقل والضمير" اختل التوازن في جسد الإنسان الغربي، لأن العقل الذي كبل الضمير أخذ يعيث فساداً من منطلق غروره إلى أن وصل بالإنسان الغربي إلى درجة مبالغ فيها من الانحطاط الأخلاقي.

وأفظع أنواع الانحطاط وأشدها قسوة، أنه، أي العقل، استطاع أن يجعل من حياة الإنسان الغربي "حياة بهائم"، ولكي يتسنى له فعل ذلك قام بسن التشريعات الشاذة جداً، فهيأ المكان "للعراة" ينظر بعضهم إلى بعض من غير حياء، كما قام بحماية "الجنس الثالث" و"الجنس الرابع" إلى أن وصل في نهاية الأمر إلى قمة الانحطاط بإباحة زواج "الرجل بالرجل" بشكل رسمي، مباركاً هذا الزواج متمنياً لهم تكوين أسرة عن طريق تبني طفل يتكفلون تربيته.

* محصلة القول: على الإنسان العربي "المحتار" أن يقوم بدمج عربة الدين مع عربة الحضارة المادية، بحيث يجعل من الأخيرة القائد نحو التقدم، ويجعل من الأولى الموجه الحذر نحو التقدم.

فهل بمقدوره ذلك؟ أشك في ذلك شكاً عرضه المحيط الهادي وطوله المحيط الهادي أيضاً... والسلام.

back to top