صانع البهجة...سيد مكاوي (6): ليالي الحلمية

نشر في 15-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 15-07-2013 | 00:02
جاء حكم والدة الشيخ سيد مكاوي وأشقائه على صوته مطمئناً له، فاتحاً باب الحلم أمام شيخ {الناصرية}، غير أن تأييد الأسرة لم يكن كافياً، يريد رأياً محايداً من دون عواطف، غير أنه يخشى أن يفعل ذلك أمام أيّ من الجيران أو أهالي الحي، كي لا يسقط من نظر الجميع، الكبير قبل الصغير يحترمونه، على رغم صغر سنه، لأنه كما يقولون {حامل كتاب الله}، وإذا تجرأ وفعل ذلك مع أصدقائه، من الوارد أن يفضح أمره أيّ منهم، حتى ولو من دون قصد، فقرر الشيخ سيد أن يرجئ هذا الاستفتاء على صوته ولو بشكل موقت.

كانت تلك الأفكار تدور في ذهن الشيخ مكاوي وهو يمر أمام محل عم مسعود بائع العسلية، ألقى عليه السلام من بعيد من دون أن يقترب كان شارد البال لا يريد حديثاً، فهم عم مسعود مسرعاً والتقطه:

= أنت بتسلم وماشي من بعيد ليه يا شيخ سيد.

* أصل عندي مشوار يا عم مسعود وخايف أتأخر.

= دا أنا كنت لسه هروح لك البيت. جايبلك شغل يا شيخ سيد.

*(في سخرية) شغل... إيه سواق على عربية “سوارس”؟!

= الله يحظك يا شيخ سيد. عموماً مش هعطلك... روح مشوارك وأنت راجع عدي عليّ.

لأن أهالي الحي يعتبرون الشيخ سيد مكاوي ابناً لهم، كان كل منهم يحاول مساعدته بشكل أو بآخر، وهو ما فعله عم مسعود عندما علم من صديق له يقوم بالاتفاق مع عدد من المشايخ والمنشدين لإحياء ليلة كبيرة في بيت أحد الباشاوات في حي الحلمية، فلم يتردد ورشح الشيخ سيد على الفور للمشاركة في إحدى ليالي الحلمية.

 لم يصدق الشيخ سيد أنه سيخرج للمرة الأولى، بعيداً عن الحي، فسيطرت عليه أحاسيس متناقضة، بين السعادة والاعتداد بالنفس، وبين الخوف والقلق والاضطراب.

شحنة ثقة

راحت والدته تطمئنه، وتقوي من عزيمته وتزيد من ثقته بنفسه، فقام بتجهيز ملابس المناسبات، لتليق به في هذا المكان الذي يختلف أهله عن الناس الذين يعيش بينهم واعتاد عليهم، فقد عرف أن الحضور سيقتصر على علية من البكوات والباشوات، وأهل الصفوة.

قبل مغادرة المنزل طلب سيد مكاوي من والدته طلباً غريباً:

= كشاف بالبطارية!! هتعمل بيه إيه يا شيخ سيد؟

* أصل ممكن أتأخر في الرجوع بالليل. مش عارف الليلة ممكن تخلص أمتى... دا ممكن تقعد لحد عشرة ولا حداشر بالليل... وبيني وبينك يا أم سيد... أصل بخاف من الضلمة.

= الله يجازيك يا شيخ سيد.. بتخاف من الضلمة.

* غريبة يعني. ما كل الناس بتخاف من الضلمة أشمعنى أنا.

= لا مش القصد. أنا قصدي يعني...

* قصدك تقولي ما أنا عايش في الضلمة على طول... هتفرق إيه؟!

= مش القصد والله.

* لا أنتِ عندك حق... بس تصدقي يا أمي. رغم أني نور عنيا مطفي. بس ربنا خلاني أحس بنور النهار... وضلمة الليل... ورغم أني عايش في ضلمة على طول. بس طول ما أنا حاسس أن اللي حواليه بيشوفوا ببقى مطمن... على الأقل ممكن ينقذوني عند اللزوم من ضلمتي.

لم يكن سيد مكاوي يطلب {الكشاف} كنوع من المزاح مع والدته، كما لم يكذب عندما قال: {إنه يخاف من الظلام}، فهذه حقيقة، فعلى رغم أنه غير مبصر، فإنه يستطيع أن يميز بين النور والظلام، عبر بصيص ضوء ضعيف جداً، يستطيع أن يسير على هداه، فإذا ما وجد شيئاً مصمتاً قطع بصيص الضوء أيقن أن أمامه شيئاً يمكن أن يصطدم به، فيسارع بالابتعاد عن هذا الطريق، أضف إلى ذلك أنه طور قدراته ليميز ضوء النهار من خلال {لسعة الشمس}، ويعرف المواقيت من خلال تحركها في السماء، فإذا كانت تشرق عن يسار بيته، يظل معها حتى تصبح عمودية فوق رأسه، فيعرف أن النهار قد انتصف مع وقت صلاة الظهر، ثم يبدأ يتابعها وهي تتحرك إلى الغرب، وعندما تصبح عن يمين بيته، يعرف أن الغروب قد اقترب، مع موعد صلاة المغرب، فإذا كان يحفظ أماكن بيته وتفاصيل حارته عن ظهر قلب، فلا بد من أن يستعين بما يساعده على اكتشاف الأماكن بعيداً عن الحارة، ما جعله يطلب {الكشاف}.

اصطحب الشيخ سيد معه في طريقه إلى حي الحلمية صديقه إبراهيم الذي يلازمه غالباً عند الخروج من الحارة، وأجلسه ليستعد للقراءة، جلس سيد وهو يتخيل نظرات المحيطين محدقة به، يعتقد بينه وبين نفسه أن الدهشة أخذت بهم كل مأخذ من جسده النحيل الذي لن يخرج منه إلا صوتاً ضعيفاً، ربما يتساءلون ما الذي أتى به إلى هنا؟

كبرياء

 كل ذلك دار في عقل الشيخ سيد ما جعل وجهه مكفهراً متجهماً، ليس عن قصد، لكن بفعل الخوف والاضطراب، غير أن ذلك كله لم يؤثر فيه، وما إن بدأ التلاوة، حتى أطلق صوته يعانق الفراغ، فأبهر الحضور، وزاد من اطمئنانه اقتحام “الآهات” أذنه، والثناء الذي انهال عليه من الحضور. حتى إن الأمر لم يقتصر على “المعازيم” فقط، بل امتد إلى زملائه من الشيوخ الذين صعدوا قبله إلى “جلسة التلاوة” رغم أن الغيرة دبت في نفوسهم، فإنهم لم يستطيعوا أن يتمالكوا أنفسهم أمام جمال صوته.

انتهى الشيخ سيد من تلاوته، وجلس بين الحضور يستقبل عبارات الترحيب والثناء، وهو ما افتقده عند دخوله إلى السرادق، فلم يكن يشعر بوجوده أحد، بعد التلاوة كان وجوده قد ترسخ، حتى جاءه مندوب من صاحب الاحتفال ليهمس في أذنه:

= تعالَ معايا يا شيخ سيد.

* مين؟

= ما تخافش قوم معايا.

* أيوا بس أتشرف بحضرتك.

= أنا عادل برهام... سكرتير نظمي باشا.

* أهلاً وسهلاً يا سيدنا.

= هنروح بس لحد مكان الباشا لأنه عايز يتعرف عليك هو وأصدقاؤه الباشاوات والبهوات.

* الشرف ليّ يا سيدنا.

في المسافة ما بين المكان الذي يجلس فيه، إلى المكان الذي يجلس فيه الباشا وصحبه، على رغم أنها مسافة قصيرة جداً، شعر الشيخ سيد بها كأنها طريق طويل، راح يفكر خلال تلك الخطوات، في ما يحدث حوله، وهذه النقلة الاجتماعية الكبيرة، وآهات الإعجاب من صفوة المجتمع، للدرجة التي جعلت الباشا صاحب الاحتفال يطلب مقابلته شخصياً.

صافح سيد الباشا وأصدقاءه، ثم فوجئ بالباشا يمد يده تجاهه:

= خد يا شيخ سيد.

همس سيد في أذن إبراهيم:

* إيه دا يا إبراهيم.

- دي ورقة خضرا (تعبيرا عن الخمسة جنيهات في هذه الفترة)

* أيوا بس أنا أخدت حقي!

= ودي مني فوق حقك لأنك تستاهل أكتر من كدا... وكمان لأننا عايزين نسمعك تاني.

رفض الشيخ سيد بأدب أن يأخذ الخمسة جنيهات، ما زاد من إعجاب الحضور به، غير أنه لبى دعوة صاحب الاحتفال، وتلا آيات من الذكر الحكيم مرة أخرى قبل أن يغادر الاحتفال، ويترك خلفه عدداً كبيراً من المعجبين الجدد.

عاد الشيخ سيد مكاوي إلى بيته ليروي لوالدته ما لاقاه في ليلته الأولى من ليالي الحلمية، وراح يمني نفسه وإياها بأن انفراجة قريبة ستحدث بعد هذه الليلة، لما لمسه من كلمات الإعجاب والتقدير، غير أنه لم تمر أيام عدة على ما حققه مكاوي من نجاح، حتى شهدت مصر لحظة فارقة في تاريخها، كان مسرحها قصر عابدين الذي لا يبتعد إلا خطوات عن بيت عائلة مكاوي.

مناضل ضد الإنكليز

فيما تدور رحى الحرب العالمية الثانية بين الإنكليز والحلفاء من ناحية، وألمانيا مع دول المحور من ناحية أخرى، حاصرت قوات الاحتلال البريطاني في الرابع من فبراير عام 1942 قصر عابدين، حيث أجبر السفير البريطاني في القاهرة مايلز لامبسون ملك مصر والسودان فاروق الأول، على توقيع قرار باستدعاء زعيم حزب {الوفد}، أكبر الأحزاب المصرية آنذاك، مصطفى النحاس باشا لتشكيل الحكومة بمفرده، أو يتنازل جلالته عن العرش!

 لم يكن الموقف يحتمل أي مخاطرات من أي نوع، فقوات ألمانيا الهتلرية دحرت قوات الحلفاء في الشمال الإفريقي واقتحمت مصر وتمركزت في {العلمين} شمال غربي القاهرة، كان على رأس القوات الألمانية أسطورة الحرب العالمية الثانية الجنرال فيلد مارشال إرفين روميل، المعروف بـ{ثعلب الصحراء}، الذي بدأ في التجهيز للهجوم على العاصمة الصيفية لمصر، الإسكندرية.

 ما أثار هلع الاحتلال البريطاني في مصر، ولم تر لندن إلا أن تتدخل لإرغام ملك مصر فاروق على اتباع الدستور بتشكيل وزارة ترضى عنها غالبية الشعب وتستطيع إحكام قبضتها على الموقف الداخلي، فطلب السفير البريطاني من الملك تأليف وزارة تحرص على الولاء لمعاهدة 1936 نصاً وروحاً، وقادرة على تنفيذها وتحظى بتأييد غالبية الرأي العام، وأن يتم ذلك في موعد أقصاه  3 فبراير 1942، لذلك طلب الملك قادة الأحزاب السياسية في محاولة لتشكيل وزارة قومية أو ائتلافية، وكانوا جميعاً ما عدا مصطفى النحاس مؤيدين لفكرة الوزارة الائتلافية برئاسته فهي تحول دون انفراد حزب {الوفد} بالحكم خصوصاً أن له غالبية بالبرلمان.

 فطلبت المملكة المتحدة من سفيرها في مصر أن يلوح باستخدام القوة أمام الملك، وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 طلب السفير مقابلة رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، وسلمه إنذاراً موجهاً إلى الملك يهدده فيه بأنه إذا لم يكلِّف قبل الساعة السادسة مساءً مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة، فإنه يجب عليه أن يتحمل تبعات ما يحدث، وعليه أن يجهز من يخلفه على العرش، وهو ولي العهد الأمير محمد علي الصغير.

وفي مساء اليوم نفسه، توجه السفير ومعه قائد القوات البريطانية في مصر الجنرال ستون وعدد من الضباط البريطانيين المسلحين، وحاصروا ساحة قصر عابدين، ودخل السفير بصحبة قائد القوات البريطانية إلى مكتب الملك فاروق، ومعهما رئيس الديوان أحمد حسنين باشا، ووضعا أمامه وثيقة تنازل الملك عن العرش، في مشهد مهين لكرامة الدولة المصرية، ولم يجد الملك مفراً من الخضوع لهذا التهديد، وصدع بما أمر به ونفذ طلبهم.

كان الشيخ سيد مكاوي مع الجموع التي خرجت من حي عابدين، وبقية أحياء القاهرة، لمؤازرة الملك في موقفه، غير أن استجابة الملك السريعة عملت على تهدئة الموقف، وتجنب وقوع كارثة محققة. لكن الشيخ سيد شعر بأن كارثة لحقت به شخصياً، فبعدما راح يمني نفسه بانفراجة قريبة بعد الاحتفال الذي شارك فيه، عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه، ليفاجأ بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر بمن يبحث عنه في الحارة ويطلبه للمشاركة كمقرئ في احتفال جديد في بيت أحد الباشوات.

عالم جديد

لم يندهش سيد هذه المرة، بل شعر بأن هذا الطلب تأخر كثيراً، لذا ذهب هذه المرة وهو يريد أن يخوض تحدياً حقيقياً، فاجتهد أن يدهش كل الحضور بصوته، وهو ما حدث فعلاً، وما إن انتهى وهمّ بالخروج حتى وجد من يستوقفه:

= أيدك يا شيخ سيد.

* أهلاً وسهلاً... أهلاً أهلاً.

= أنا اسمي إسماعيل رأفت... ابن صاحب الاحتفال.

* أهلاً يا سيدي.. حصلنا الشرف.

= الشرف ليا أنا يا شيخ سيد... ولأيّ حد ممكن يتعرف على صوت عظيم زيك

* في الحقيقة كلامك أنت اللي عظيم.

= أنا عايز أقعد معاك شوية نتكلم. بس الظرف دلوقت مش مناسب... خد مد أيدك... دا الكارت بتاعي فيه رقم تليفوني تبقى تكلمني بكرة إن شاء الله على الساعة اتنين بعد الضهر... علشان نتفق على معاد نتقابل فيه.

* إسماعيل رأفت.. ودا رقم تليفونك.

= أيوا.

* (ضاحكاً) متهيألي ناقص رقم.   

= لا مضبوط يا شيخ سيد خمس أرقام.

في اليوم التالي ظل الشيخ سيد جالساً إلى جوار  هاتف عم محروس البقال من بعد صلاة الظهر، حتى دقت الساعة الثانية، فطلب من عم محروس أن يطلب الرقم، ليرد عليه ويحدد معه موعداًَ في بيته في السادسة من مساء اليوم التالي.

فكر سيد طيلة الليل في ما يمكن أن يكون غرض المدعو إسماعيل رأفت، فليس من المعقول أن والده سيقيم احتفالاً آخر، وحتى لو كان، فلن يكون قريباً، ولماذا هذا الحرص وهذا التأكيد على الحضور؟

في الموعد المحدد كان الشيخ سيد في بهو الفيللا التي يعيش فيه إسماعيل رأفت، حيث كان في استقباله، غير أن إسماعيل لم يكن بمفرده، بل كان بصحبته شقيقه محمود رأفت:

= دا أخويا الأستاذ محمود رأفت.

* أهلاً أهلاً.

= يمكن أكون أنا أكبر بكام سنة.. لكن الأستاذ محمود أكبر مننا أحنا الاتنين... وأنا ومحمود زي ما تقول كدا عاشقين للموسيقى.

* أنا اتشرفت والله بمعرفتكم.. يظهر زي ما بيقولوا فعلاً ربنا ما بيجمع إلا ما يوفق.

= بالظبط كدا... واللي خلاني وجهت لك الدعوة النهاردة صوتك.

*(ضاحكاً) اشمعنى؟!

= صوتك عاجبني أوي أنا ومحمود... ودا يخليني أسألك سؤالا بس بلاش تتخض... أنا عارف أنك حافظ كتاب الله وأنك عايش من قراءة القرآن. بس كنت عايز أسألك أنت ما فكرتش تغني؟!

سمع سيد مكاوي السؤال وظل صامتاً يفكر:

= يعني ما ردتش يا شيخ سيد... أنا بسألك ما فكرتش تغني؟

* أنا سمعت السؤال... وعايز أقولك إني قاعد من إمبارح أفكر في إيه اللي ممكن تكون عايزني فيه.. خطر على بالي كل حاجة.. إلا أنك تسألني السؤال دا.

= أنا آسف لو كان السؤال ضايقك.. بس صوتك الجميل أوحى لي بـ...

* ما تعتذرش... أنا لو كنت حلمت ما كنش ممكن حلمي يتحقق كدا... أنا كنت أتمنى أنك تسألني السؤال دا... ما تعرفش أد إيه أنا عاشق للغناء والموسيقى. بس ما باليد حيلة.

= يعني سبق لك غنيت.

* أيوا طبعاً... بس بيني وبين نفسي... ما فيش حد سمعني غير والدتي وإخواتي بس.

= وأحنا كمان... أحنا سمعنا صوتك الرائع وأنت بتقرأ القرآن..لكن نفسنا نسمعه دلوقت في أغنية.

* أيوا بس هغني إيه؟

= اللي تختاره أنت. وكمان أنا هبقى معاك بالكمان.

* كمان... الله... أنت بتعزف كمان {كمان}.

= هاهاها... على أدي يعني... ومحمود بيعزف على آلة القانون.

* الله... دا أنا قاعد وسط تخت عربي بقى.

= بوجودك يبقى تخت بجد.

* طيب أنا ممكن أغني أغنيه اسمها أذكريني... كتبها الشاعر الجميل ابن منطقتي أحمد رامي... ما هو من مواليد عابدين زيي... وأنا بعشق كلماته... ولحنها الرائع رياض السنباطي، وغنتها الآنسة أم كلثوم.

= حلو أوي... عارفينها... دي من مقام النهاوند.

* بسم الله ما شاء الله. كمان عارفين المقام. دا أنا معاكم للصبح... لا صبح إيه معاكم العمر كله.

أمسك إسماعيل بآلة الكمان، ومحمود بآلة القانون... واستعدا، ثم صمت الشيخ سيد لحظات وانطلق:

اذكريني... كلما الفجر بدا

ناشراً بالأفق أعلام الضياء

يبعث الأطيار من أوكارها

فتحييه بترديد الغناء

قد سهرت الليل وحدي

بين آلامي وسهدي

وانجلى الصبح وهلا

وانطوى الليل وولى

فتذكرت الذي كان رواحا

حين أفنيناه أنساً ومراحا

وجرى دمعي من فرط حنيني

فارحمي قلبي.. وحني واذكريني

اذكريني.. كلما الطير شدا

مرسلا في الدوح ألحان الصفاء

ينصت الزهر إلى أنغامه

فيحيين ببشر وانحناء

قد ظللت اليوم أبكي

من أذى دهري ومنك

وشدا الطير وغنى وتناجى وتهنى

فتذكرت الذي طاف بسمعي

إذ مرجت الكأس في كفي بدمعي

وهفا قلبي من طول حنيني

فارحمي دمعي وحني واذكريني

اذكريني.. كلما الليل سجا

باعثاً في النفس ذكرى الأوفياء

يعرض الماضي ويجلو صفحة

أشرق الإخلاص فيها والولاء

قد سقيت الحب ودي

ورعيت العمر عهدي

وبدا لي ما ألاقي من تباريح الفراق

فتذكرت ليالينا المواضي

بين شكوى وتجني وتراضي

واشتكت روحي من نار شجوني

فصليني بالتمني وأذكريني

انتهى الشيخ سيد من الغناء... وتوقف إسماعيل ومحمود عن العزف.. وسادت لحظة صمت بين ثلاثتهم، كأن كلاً منهم ينتظر أن تعود إليه روحه من العالم الذي كانت تسبح فيه، غير أن روح الشيخ سيد كانت أسبقهم في العودة إلى المكان، في انتظار معرفة رأيهما.

نظر إسماعيل ومحمود إلى بعضهما البعض، ومن دون اتفاق مسبق راحا يصفقان بحرارة، بل أن إسماعيل قفز من مكانه وراح يقبل الشيخ سيد، وتبعه شقيقه محمود:

= الله الله الله.  

* أفهم من كدا أني نجحت في الاختبار.

= اختبار إيه. دا أحنا اللي لازم ندخل اختبار قدامك. أنت أذهلتنا بالقرآن. وأمتعتنا بالغناء.

لم تنفض  الجلسة التي جمعت الثلاثي، إسماعيل ومحمود ومعهما الشيخ سيد، إلا بعدما اتفقوا على أن يكونوا معاً فريقاً واحداً، لإمتاع أنفسهم وإشباع رغبتهم في عشق الموسيقى والغناء.

البقية في الحلقة المقبلة

back to top