خراب وطن عند قوم فوائد*

نشر في 20-08-2013
آخر تحديث 20-08-2013 | 13:01
 باسم يوسف قررت اليوم ألا أكون على الحياد، قررت ألا أمسك العصا من المنتصف، من السهل أن أصب جام غضبي على الطرفين وأتبرأ من ممارسات الداخلية وأنتقد أداء الحكومة الانتقالية لغبائها وإصرارها على الحل الأمني وأصرخ بأعلى صوتي "يسقط حكم العسكر" ثم أخصص بقية المقال للعن الإخوان وأوضح كيف أوصلنا الإخوان إلى ما نعانيه الآن، ثم أترحم على الشهداء وأؤكد أن "كل الدم حرام" وألعن سنسفيل الطرفين ثم أضع القلم جانباً لأشعر براحة الضمير لأنني حافظت على إنسانيتي ووضعت نفسي في مرتفع أخلاقي أعلى من الجميع يمكنني منه أن أسقط شتائمي واحتقاري وازدرائي على العسكر والإخوان.

حل لطيف وسهل ومريح للأعصاب، لكنني اليوم قررت أن أنحاز، قررت أن أختار جانباً واحداً، فلا مجال اليوم للميوعة وعدم تحديد المواقف، لقد قررت أن أنحاز إلى وجهة نظر الإخوان، أيه؟ صدمتك؟ طب اصبر عليّ...

الإخوان يزعقون في كل مكان إنها حرب على الإسلام وحرب على الدين، إذن فالاختيار واضح، سوف أنحاز إلى المقدس، سوف أعاني قليلاً من أزمة في الفهم بسبب تناقضاتهم ولكن لا بأس، "واحدة واحدة" وإن شاء الله سأصل إلى قناعاتهم.

أول خطوة سهلة جداً، سأتفق مع الإخوان على أن الداخلية بلطجية وغبية ومتوحشة، كيف تفض اعتصاماً بهذه الوحشية؟ حتى لو كان في هذا الاعتصام أسلحة فسيتم نسيان ذلك سريعاً ويمكن للإخوان استغلال هذه الفيديوهات للأبد فشكراً وزارة الداخلية على خدمتك للإخوان خدمة العمر، وكمان ألم يكن هناك سلاح وقطع طرق في ميدان التحرير على مدى العامين الماضيين؟ إشمعنى أنا؟ صحيح أن موقف الإخوان تجاه الشرطة كان مختلفاً تماماً بل طالبوا بقتل من يقترب من وزارة الداخلية وأسمعونا آيات تطبيق حد الحرابة على من يقطع الطرق واحتضنوا الشرطة والداخلية وأعطاهم الرئيس المؤمن الملتحي مميزات وأسلحة ودعما ومساندة غير مسبوقة وجعلهم شركاء في ثورة 25 يناير، ونادى أنصاره في مؤتمراته بالجملة الشهيرة "اضرب يا مرسي وإحنا معاك" ولكن كان ذلك أيام ما كانت الداخلية بتاعتهم، فقتلة اليوم كانوا حلفاء الأمس وكان من الممكن أن يتحول هذا الهتاف إلى فعل ضد الجماهير البائسة التي لم تنجح في عزله في 6/30 وكان سيخرج علينا إعلاميوهم وقنواتهم تزف إلينا خبر فض اعتصام ميدان التحرير بالقوة، فهؤلاء ما هم إلا بلطجية يريدون إرهاب الوطن، لكن حين يعتصم الإخوان فذلك لسبب أسمى كثيراً من الوطن، فهو لنصرة الدين والإسلام وبالطبع من أجل نصرة الشرعية والديمقراطية، لا يهم إذا تم انتهاك الشرعية والديمقراطية أكثر من مرة، لا يهم حصار المؤسسات وضرب وقتل المعتصمين غير السلميين عند الاتحادية المسلحين "بجبنة نستو يا معفنين"، لا يهم الدستور الذي كتب بليل لأنه "أعظم دستور في العالم" ليتضح بعدها أنهم وضعوا للجيش مميزات غير مسبوقة، ولكن "ملحوقة" فحين يعود مرسي سنتخلص من العسكر السفاحين ويتم استبدالهم بقيادات إخوانية وطنية تستطيع توظيف هذه المميزات في محلها.

أحاول أن أنقل تعاطفي مع الإخوان إلى الناس من حولي وأحاول أن أجعلهم ينظرون إلى الأعداد المهولة التي قتلت في رابعة وفي المنصة وعند الحرس الجمهوري ولكنهم للأسف يركزون على أشياء أخرى تافهة مثل الأهالي الذين تم قتلهم وترويعهم وتعذيبهم على يد الإخوان ولكن الإخوان يقولون إن كل هؤلاء بلطجية فيجب أن أصدقهم إذن، أحاول أن أظهر لأصدقائي كيف تم التعامل بغباء مع معتصمي الإخوان وكيف أننا يجب ألا ننجرف إلى هذه الكراهية المقيتة ولكنهم يصرخون في وجهي بأعداد من قتل من المواطنين في المحافظات والجنود في سيناء، بل إن أحدهم ذكرني بقتل تسعة مواطنين بدم بارد حين حاولوا اقتحام مقر الإخوان في المقطم فلا يجب أن نحزن عليهم حين يموتون أثناء محاولة اقتحام مؤسسات الجيش، يصرخ آخر في وجهي بعدد الكنائس التي أحرقت، ولكني خلاص صدقت الإخوان و"الجزيرة" وأن ما فعلها هم الأقباط أنفسهم، الإخوان لا يحملون أي غل أو كره تجاه الأقباط، دعكم من التحريض في قنواتهم ومنصاتهم وانسوا هذه المرة التي انهال فيها الإخوان على مهندس قبطي بالضرب والتنكيل وكان خائفا من مجرد ذكر اسمه، كلها حوادث شاذة لا تعبر عن سلمية ووسطية الإخوان.

قررت أن أنبذ كل مظاهر الدولة الأمنية بإعلامها الفاشي المنحط الذي تفوق على إعلام قنوات الحافظ والناس في نشر الكراهية والفتنة فبدلاً من هذا لدينا "الجزيرة" التي لا تكذب ولا تهيّج ولا تفبرك الأخبار، قررت أن أساند الإخوان حتى لو أدى ذلك لإحراق مصر، حتى لو أدى ذلك لانتشار الجماعات المسلحة وتحقيق أمانيهم الغالية بانشقاق الجيش والتدخل الأجنبي، لا يهم أن نكون نسخة منقحة من السيناريو السوري، فكل ذلك من أجل سبب أسمى ألا وهو انتصار الدولة الإسلامية أو ما تبقى منها، لا تحزنوا على الجيش المصري، أتذكرون هذا الحديث كونه خير أجناد الأرض؟ كان الإخوان يرددونه في شهر العسل مع المجلس العسكري لكن اتضح الآن أنه حديث ضعيف ولكنه سيعود صحيحا مرة أخرى حين يكون الإخوان جيشهم الخاص.

الحقيقة أنني أجد صعوبة في أن أدافع عن الإخوان أمام أصدقائي، للأسف هم وقعوا ضحية لغسيل المخ المستمر من الإعلام، للأسف لا يستطيعون فهم الهدف الأسمى من الدفاع عن الإسلام والشريعة وكيف أنه يأخذ أشكالاً متعددة يصعب على أمثالنا فهمها، أتذكر حين واجه قيادات "حماس" الظهير الإخواني في غزة موقفاً غاية في التعقيد، فقد قتلوا الشيخ أبوالنور المقدسي ومئة من أتباعه في مسجد ابن تيمية حين اعتبر "حماس" مقصرة في تطبيق الشريعة، وأعلن قيام الإمارة الإسلامية فدخلت ميليشيات "حماس" وأبادت كل من في المسجد، وكان لابد من إيجاد مخرج شرعي لما حدث فخرج الشيخ القرضاوي وأيد ما فعلته "حماس" قلباً وقالباً وتهكم قائلا: "شريعة ايه وإقامة دولة إسلامية ايه؟ لما نحرر الأرض نبقى نقعد نتكلم" وأوضح أنهم اضطروا لذلك بعد أن أرسلوا لهم من يتفاوض معهم ورفضوا وقال إن من كان في مسجد ابن تيمية "فاهمين الجهاد غلط" ولأجل هؤلاء وُجد فقه الجهاد، وهو نفس الشيخ القرضاوي الذي طالب المسلمين بالجهاد في مصر وهو الذي أثنى على الناتو وأميركا لتحرير ليبيا، لا يشغلك ذلك التناقض فهم تيار يعرف كيف يستفيد من الشريعة ومن الدين على مزاجه فيقتل من في مسجد ابن تيمية لأن ذلك فيه مصلحة ويجري على جامع الفتح في رمسيس ليعتصم داخله ويرفع المصاحف ويقنص الناس من مئذنته لأن ذلك فيه مصلحة أيضاً، أليس شيئاً جميلاً أن تنحاز إلى فصيل دائما على حق؟ وكله بالشريعة والدين؟

للأسف أصدقائي تحولوا إلى فاشيين جدد يريدون أن يسحقوا الإخوان ويظنون أنه ما هي إلا أيام معدودة ونتخلص منهم للأبد، الناس في الشارع لا ترى ثمناً لدمائهم بالضبط كما لا يرى الإخوان ثمناً للوطن، جمل مثل "التفاوض والحل السياسي واستحالة القضاء على جماعة بأعضائها والمتعاطفين معها" أصبحت هذه الجمل لا قيمة لها في ظل سياسة "فيها لاخفيها".

لذلك يبدو أن الخيار الوحيد هو أن أنضم إلى الإخوان حتى النهاية لنسقط معاً الجيش والداخلية وبقايا الدولة العميقة وكل من ساهم بغباء وعنصرية لأن نصل إلى ما نحن فيه الآن من اقتتال داخلي، الحل مع الإخوان ودولتهم الإسلامية ومبادئهم المتغيرة حسب مصلحة الجماعة وكما يتراءى لهم من تفسير الدين، هم معهم الحق المطلق وهم ظل الله على الأرض، يقول فولتير "إن الذي يقول لك اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله لا يلبث أن يقول: اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك".

لذلك بما أن الموضوع "كده كده" فيه قتل وبما أنه لا أمل الآن في مصالحة و"لا نيلة" فربما من الأفضل أن نختار الطريقة التي نموت بها، كم هو جميل أن نموت في سبيل إقامة دولة الخلافة المفصلة على مقاس الإخوان، ربما ساعتها يفتي شيوخهم بأننا شهداء بعد أن عشنا حياتنا في الكفر والضلال.

المشهد الآن مهيأ تماماً لتحقيق مراد الإخوان فالقرارات غير المدروسة للسلطة الحالية قد تمهد الطريق لعقوبات دولية، يبدو أن السلطة الحالية تقوم بدورها بكفاءة فإعلامها وداخليتها وانتهاكات شرطتها كله سيكون على "يوتيوب" مما يخدم قضية الإخوان جداً، فهذا فيديو لضرب نار عشوائي وهذا فيديو فيه عنف مفرط من الشرطة، هذه الفيديوهات ستجد طريقها إلى الخارج وتغطي على أي انتهاكات قام بها الإخوان أو أي تحريض ضد الأقباط أو الجيش أو الشرطة وأمة لا إله إلا الله واستباحة دمهم جميعاً أو أي فيديوهات تتعامل فيها الشرطة مع الشعب بحنية، فعنف السلطة دائما مادة أكثر دسامة والحمدلله الداخلية لم يطلها أي إصلاح في عهد مرسي بل ازدادت قسوة وظلما فلا تتعجب إذا قُتل محتجزون في عهدة الشرطة في عربة ترحيلات يصاحبه تفسير أمني مضحك للغاية، فمثل هذه الانتهاكات يمكن أن تغطي خارجياً على أي شيء يفعله الإخوان، فشكرا وزارة الداخلية.

يمكنني الآن كإخواني مستجد أن أفهم كيف يصب كل ذلك في مصلحتنا فأعداد القتلى في ازدياد والكثير منهم لا هم إخوان ولا إرهابيون بل خائفون من رجوع الدولة الأمنية، فيمكننا أن نستفيد من دمائهم هم أيضا، سنعتبرهم شهداء في وقت لاحق، أما الآن وفي ظل غشومية وحش الداخلية الذي أطعمه وسقاه نظام مرسي سينضم إلينا نشطاء وحقوقيون سبق أن تم تكفيرهم وتخوينهم لكننا الآن في حاجة إليهم وإلى حسن نيتهم ومبادئهم السامية، وفي النهاية سيتحقق ما نريد وسنستطيع أن نقيم الدولة التي نحلم بها، سنبدأ كالعادة بالاعتذار وطلب الغفران ثم سنضطر أن نظهر وجهنا الحقيقي، فما هذه إلا محطات الهدف منها في النهاية أن نصل إلى مبتغانا، لا أستطيع أن أجد أكثر من كلمات سيد قطب لشرح ما أعنيه حين يستتب لنا الأمر، يقول سيد قطب: "ليست مهمتنا أن نصطلح مع هذا المجتمع الجاهلي ولا أن ندين له بالولاء فهو بهذه الصفة الجاهلية غير قابل لأن نصطلح معه، إن أولى الخطوات في طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته وألا نعدل من قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيراً لنلتقي معه في منتصف الطريق، كلا إننا وإياه على مفترق الطريق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق، لقد آن الأوان أن يقدم كل إنسان مسلم رأسه ثمناً لإعلان وجود حركة إسلامية وتنظيم غير مصرح به قام لإقامة نظام إسلامي أياً كانت الوسائل التي سيستخدمها لذلك".

أرأيتم أحلى من هذا الكلام؟ "أياً كانت الوسائل التي يستخدمها لذلك" يعني نحرق البلد عشان شفيق كسب أو عشان وثيقة السلمي أو عشان الإعلان الدستوري أو عشان الثورة أو عشان مرسي وشرعيته أو عشان كأس إفريقيا المهم أن نحرق البلد، ومن وسط الحطام سنقيم دولتنا على ما تبقى من أشلاء الوطن.

فشكراً لكل من تعاون معنا سواء في الدولة أو إعلام أو الناس الطيبة التي تنحاز دائماً إلى الحق فحين نصل سنعيد تعريف هذا الحق.

لذلك لا تحزن عزيزي القارئ عندما ترى بلدك محطماً وممزقاً ومنهاراً ففي مكان ما في أدبيات الإخوان وقناعاتهم وفتاوى شيوخهم هم يعتبرون أن ذلك نصر من الله ودعم للإسلام، لذلك انضم إلينا الآن بدلا من معاناتك لاحقاً من رجوع الدولة البوليسية، فإن مت فسنصدر لك صك الغفران لمجهوداتك وتعبك معانا وإن كملت معانا للآخر حتروح مننا فين؟

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top