ديليسبس كما قالها الرئيس

نشر في 09-07-2013
آخر تحديث 09-07-2013 | 13:00
 باسم يوسف أنا من هواة مشاهدة أفلام الخيال العلمي، خاصة تلك التي تناقش مواضيع السفر عبر المجرات والتنقل بين الأزمنة، وخاصة هذه الأفلام التي تتكلم عن حقيقة بديلة أو عوالم موازية، أو كما يقولون بالإنكليزية Parallel Universe.

هذا العالم أو الكون الموازي مشابه تماما لعالمك الأصلي، نفس الشخصيات، نفس الأماكن، لكنه بسبب أحداث أو ظروف مختلفة تلعب هذه الشخصيات أدواراً مختلفة ومتناقضة عن العالم الأصلي.

كان هناك مسلسل أجنبي عن شخص يتنقل بين هذه العوالم الموازية، ففي حلقة يكون في عالم حيث الاتحاد السوفياتي انتصر في الحرب الباردة وسقطت الرأسمالية، فأصبحت الولايات المتحدة واحدة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي، وفي حلقة أخرى يجد نفسه في عالم  تسيطر فيه النساء ويطالب الرجال بحقوقهم في المساواة معهن وهكذا.

خرجت أفلام ومسلسلات أجنبية كثيرة تناقش فكرة العالم أو الكون الموازي وتعتمد في النهاية على تساؤل واحد: ماذا لو؟

تذكرت هذه الفكرة وأنا أتابع الأحداث في الأسبوع الماضي، تابعت النقاشات عن شرعية الرئيس وإذا كان ما حدث انقلاباً عسكرياً أو انقلاباً بإرادة شعبية، وإذا كان ما حدث من إغلاق قنوات دينية يعتبر قمعاً أم درءاً للفتنة ومحاولة للسيطرة على العنف.

بدلاً من أن أشغل نفسي بالإجابة عن هذه التساؤلات، سألت نفسي سؤالاً واحداً: ماذا لو؟

ماذا لو كنا نعيش في حقيقة بديلة وعالم موازٍ حيث لم تنجح أحداث 30 يونيو قي خلع الرئيس محمد مرسي؟

ما شكل العالم الموازي الذي سوف نعيش فيه؟

لا أستطيع أن أجيب عن هذا السؤال بدون استحضار خطبة الرئيس الأخيرة يوم 6/26 هذه الخطبة الشهيرة التي تعدت الساعتين ونصف الساعة، هذه الخطبة التي تعرفنا فيها على فودة وعاشور والراجل بتاع المعادي.

بصرف النظر عن المادة الفكاهية التي قدمها هذا الخطاب لبرنامجي، أنا أعتبر أن هذا الخطاب هو أكثر خطابات الرئيس خطورة ورعباً.

نحن كنا أمام رئيس يشكو لجمهوره المتحمس من الذين يلعبون بمقدرات الوطن، من فلان وعلان وترتان، يشكو من هذه القناة وتلك، يشكو من هؤلاء الذين لا يحترمون شيبته وسنه، يشكو من أن الناس "أخدت راحتها" في الإعلام عشان "الرئيس الطيب"،  يشكو ويشكو ويشكو والجمهور كان غاضباً هاتفاً هادراً يملأ القاعة بصيحات الاستنكار.

في نقطة معينة وفي لحظة معينة يقولها الرئيس: "ديليسيبس"، لكنه لا يقولها كما قالها عبدالناصر كإشارة لتأميم القناة، بل قالها بطريقة أخرى، بأربع كلمات ألهبت حماس الجماهير، قال: "أنا بأقول... سنة كفاية".

كانت هذه الكلمات كافية لأن يجن الحضور من الفرحة، "سنة كفاية"، خلاص، هذا الرئيس الطيب لن يسكت مرة أخرى، "سنة كفاية"، هذا الرئيس يقول لنا إنه لن تكون هناك محاكمات عسكرية، لكنه يذكرنا أن من يتطاولون عليه في الإعلام إنما يتطاولون على القائد الأعلى للقوات المسلحة، "سنة كفاية" يا حبيبي أنت وهو، لعبتوا كتير وهرجتوا كتير بس خلاص، لن أسامح بعد اليوم.

اشتعلت القاعة، التهبت أيدي مؤيدي الرئيس بالتصفيق، ثم جاء الهتاف المفضل "طهر طهر" يا سلام، هذا الهتاف الذي تكرر في كل مؤتمرات الرئيس الجماهيرية "طهر طهر"، "الشعب يريد تطهير الإعلام"، الآن أتذكر الوجوه الغاضبة في مؤتمرات سابقة وهي تطالب الرئيس بالتطهير وهو يسكتها بإشارة من يديه ويقول كلاماً في ما معناه أنه لابد أن نصبر على بعضنا البعض، ولابد أن نعطيهم فرصة، لكن هذه المرة "سنة كفاية" لا يوجد فرصة أخرى.

يمكنك أن تجادل أنه ربما تكون هذه خطب للاستهلاك الجماهيري لا تسمن ولا تغني من جوع، لكن بعدها بساعات تم إرسال خطابات تهديد من وزارة الاستثمار الذي يرأسها الوزير الإخواني إلى القنوات الخاصة تهددها بالإغلاق إذا ما استمرت في انتقاد الرئيس.

 إذن "سنة كفاية" كان يعنيها الرئيس.

نكتشف اليوم قائمة بأسماء واحد وعشرين إعلامياً وسياسياً منها كاتب هذه السطور كان سيتم استهدافها والقبض عليها.

إذن "سنة كفاية" كان يعنيها الرئيس.

ينتقل المشهد سريعاً إلى "رابعة" حيث احتشدت الجماهير يومين قبل 30 يونيو إنها المفاجأة التي حذرنا منها خالد عبدالله المذيع الأشهر في قناة الناس وهو يقول "انتوا حتلاقوا مفاجأة تطلع من نافوخكم، إنه الحشد المضاد الذي سيرعب المعترضين على الرئيس فيجدون أنه لا وزن لهم وبذلك يقضى الأمر ويثبتون للشعب أن الإرادة الشعبية مع الرئيس ليفعل وعد سنة كفاية".

المشهد مهيب في رابعة، من يصعد على المنصة يلهب حماس الجماهير بجمل من عينة "أنتم اليوم تدافعون عن دين الله"، "اليوم قد جئنا للشهادة"، أحد الخطباء يثبت المرابطين ويقول لهم إن هناك رؤيا تقول إن جبريل يصلي معهم في رابعة، قنوات الحافظ والناس ومصر 25 تتخذ خطاباً طائفياً بامتياز، أخبار عن مسيرة في شبرا تهتف "بالطول بالعرض حنجيب الإسلام الأرض"، عناوين منازل الإعلاميين تعلن على الملأ من منصة رابعة.

"سنة كفاية" تتحول إلى خطة وهدف في حين تستمر القنوات في تحريض الناس وحثهم على الدفاع عن دين الله حتى لو أدى الأمر للاستشهاد أثناء قتال "العدو"، اللي هو إحنا.

والآن يمكننا أن نتخيل هذا الكون الموازي، ماذا كان سيحدث لو كان استمر الرئيس محمد مرسي في منصبه؟

لن يكون هناك مجال للتباكي على الديمقراطية وغلق القنوات الدينية المحرضة والخلاف البيزنطي هل ما حدث انقلاب عسكري أم لا؟  ففي هذا الكون الموازي كان سينفذ قرار غلق القنوات الخاصة، وكان سيتم القبض على الإعلاميين والسياسيين وتوجيه تهمة الخيانة العظمى وتهمة قلب نظام الحكم لكبار السياسيين.

خطاب الرئيس مرسي نتيجة لسنة طويلة تحول فيها المشهد من محاولة للتعايش إلى صراع للبقاء ينجو فيه طرف واحد وتتم هزيمة الآخر.

لقد وضعنا الرئيس في مسار تصادمي، بدلاً من أن تكون الإجابة "إحنا وأنتم" أصبح السؤال "إحنا ولا أنتم؟"

يمكنك أن تغضب وتثور وتتباكى على غلق القنوات المحرضة لترضي ضميرك الحقوقي، يمكنك أن تجادل في ما إذا كان ما حدث انقلاباً عسكرياً أو ثورة شعبية استجاب لها الجيش.

لكن اسأل نفسك ماذا لو كان البديل هو هذا الكون الموازي؟ هل كانت ستدافع عنك القنوات الدينية التي اتخذت من الشماتة والاستعلاء منهجاً واتخذت من التحريض وخطاب الكراهية حرفة؟

نعم ما حدث من غلق القنوات وعزل القيادات خطأ وتعد على الحريات في عالم مثالي، لكنك يا عزيزي  لم تكن تعيش في عالم مثالي، عزيزي الحالم بالتعايش، كيف تتعايش مع من يريد أن يرفع السلاح في وجهك ويعتبر قتلك أو حبسك أو غلق منبرك الإعلامي نصرة للإسلام؟

عزيزي الإسلامي المتباكي على الديمقراطية أنت اغتصبت الديمقراطية وأنجبت منها  سفاحاً، أنجبت منها مولوداً يسمى الأغلبية الغاشمة الظالمة المتفرعنة باسم الدين، أنت طالبت رئيسك بغلق القنوات وحاصرت مؤسسات القضاء وعذبت معارضي رئيسك في الاتحادية وأرعبت مهندساً قبطياً لم يكن يستطيع أن يقول اسمه حتى لا يكشف دينه وهللت لسب الشيعة ولم تبالِ لقتلهم وفي النهاية كنت ستتغاضى عن غلق القنوات الخاصة لأنك كنت ستعتبر ذلك درءا للفتنة ونصرة للإسلام وقضاء على الفساد واستجابة للهتاف الخالد "طهر طهر في الإعلام".

لذلك بعد أن ننتهي من النقاش والتنظير تذكر ماذا سيكون الحال إذا اخترنا الحقيقة البديلة والكون الموازي.

في العالم الموازي عزيزي القارئ لن تقرأ هذا المقال، لأن صاحبه سوف يكون في السجن أو مقتولاً، وسوف تفتح التلفاز لتشاهد مصر 25 تنقل على الهواء مباشرة حرق استديوهات القنوات الخاصة والشعب يهتف "الشعب خلاص طهر الإعلام"، وسوف يرفع المتظاهرون اللافتات التي سوف تخلد جملة الرئيس الشهيرة للأبد "سنة كفاية".

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top