ما بعد مذبحة نيروبي

نشر في 08-10-2013 | 00:01
آخر تحديث 08-10-2013 | 00:01
 مايكل ماير تنفست كينيا الصعداء عندما انتهى أخيراً حصار مركز تسوق "ويست غيت" في نيروبي، والذي دام أربعة أيام، ورغم هذا فإن ما حدث في أعقاب المذبحة لا يقل مأساوية- وبشاعة- في كثير من النواحي عن الحدث ذاته.

لقد أذهل تعقيد المخطط وحرفيته المحققين، فقد استغرق المهاجمون- أعضاء "حركة الشباب" الصومالية الإسلامية المتطرفة- أسابيع عدة في مراقبة واستكشاف الموقع، وكانوا يعرفون كل مخرج وملاذ آمن، ويبدو أنهم استأجروا حانوتاً صغيراً حيث خزنوا وجهزوا الذخيرة والمتفجرات والأسلحة الثقيلة، وكان استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعية يستحق الدراسة لبراعته الشديدة.

كان مطلب المهاجمين واضحاً: يتعين على كينيا أن تسحب قواتها التي نشرتها قبل عامين في إطار الجهود الدولية الرامية إلى إخراج "حركة الشباب" من الصومال وإعادة البلاد إلى حكم حكومة مدنية وحالة أشبه بالحياة الطبيعية. وكان المقصود من الضربة في الأساس، حسب زعمهم، تحذير الحكومة الكينية: إما أن تغيروا سياستكم، وإلا... كما قدم المهاجمون استعراضاً كبيراً في إبلاغ العالم بأنهم توخوا قدراً خاصاً من العناية بحماية أرواح إخوانهم المسلمين أثناء الهجوم.

ولكن هل تستطيع أن تقول هذا لإحدى زميلاتي هنا في نيروبي، والتي وجدت نفسها محاصرة في المركز التجاري لمدة خمس ساعات وسط دوي الطلقات النارية في كل مكان؟ الحق أنها خرجت من الموقعة سالمة لكي تكتشف أن اثنين من أفراد عائلتها بين القتلى وثالثا بين المصابين. وكان الناجي صبياً في التاسعة من عمره أصيب بعيار ناري في الفخذ، وبينما كان راقداً ينزف، كان الإرهابيون يتدربون بأسلحتهم على إطلاق النار على والدته وشقيقته البالغة من العمر خمسة عشر عاماً.

أمرهما الإرهابيون بتلاوة مقطع من القرآن، ولأنهما مسلمتان فقد فعلتا، لكن الإرهابيين أطلقوا عليهما النار رغم ذلك، وصرخ الصبي الصغير "لماذا فعلتم ذلك؟ لماذا قتلتموهما؟" فأجابه أحد المسلحين "لأنهما لا يرتديان الحجاب"، وفي وسط الفوضى تلقفت الصبي سيدة فرنسية لتحمله إلى بر الأمان.

لقد سمعنا الكثير من هذه القصص في الأيام الأخيرة، ورغم وحشية هذه القصص فمن المرجح أن يكون القادم أبشع.

ترك طبيب من قوة الشرطة يعمل مع فريق الطب الشرعي الموقع في حالة صدمة وهو يبلغ المراسلين الصحافيين بأنه رأى أجساداً مقطوعة الرأس، وجثثاً أخرى تحمل أدلة واضحة على التعذيب. وروى أنه دخل أطلال المركز التجاري التي كان الدخان لا يزال يتصاعد منها في الأسبوع الماضي ليرى أجساداً معلقة على خطافات. لقد مات العديد من المحتجزين ميتات رهيبة، وكانت هناك جثث مجدوعة الأنف ومبتورة الأذنين بكماشة، وجثث أخرى اقتُلِعَت منها الأعين، ويبدو أن الإرهابيين استخدموا السكاكين، كما قال الطبيب، لبري أصابع بعض الضحايا كما يُبرى قلم الرصاص، وأرغموا ضحاياهم على تدوين أسمائهم بدمائهم.

كانت حصيلة الهجوم 72 شخصاً على الأقل، ويبقى أن نرى كم قد يرتفع هذا الرقم، ومدى بشاعة الوصف الذي سيقدمه المحققون للمشاهد التي عاينوها.

ومن الأهمية بمكان الآن أن نفهم ما الذي أصبح على المحك في هذا الحدث الشنيع، ليس فقط بالنسبة إلى كينيا بل أيضاً بالنسبة إلى المنطقة وخارج حدودها. لقد أوضح الرئيس أوهورو كينياتا على الفور تقريباً أن أحداث الأسبوع الماضي لن تضعف عزيمة كينيا على الاستمرار على نفس سياستها بشأن الصومال، وحتى هو شخصياً فَقَد بعض أحبائه في مذبحة نيروبي.

ولا تقتصر المخاطر التي تهدد أمن المنطقة على أمراء الحرب من "حركة الشباب". فاليوم يمتد قوس الأزمات من الصومال على المحيط الهندي عبر الساحل الإفريقي إلى ساحل المحيط الأطلسي.

وهناك دولة السودان التي تجاور كينيا والتي تمزقها حركات التمرد، ففي الجنوب تقاتل جماعات انفصالية في كردفان والنيل الأزرق، وإلى الغرب في دارفور أحرق المحتجون المباني الحكومية في العاصمة الإقليمية نيالا بينما كان الحصار في كينيا جارياً، وبعد أيام اندلعت أعمال الشغب في مدن بأنحاء السودان المختلفة بما في ذلك العاصمة الخرطوم، ووفقاً لتقارير إخبارية فإن قوات الأمن أطلقت النار على أكثر من مئة شخص، إضافة إلى حصيلة الضحايا التي جعلت من هذا العام واحداً من أكثر الأعوام عنفاً في تاريخ السودان الحديث.

ويتابع الدبلوماسيون هذه التطورات بقدر عظيم من الانزعاج، فعلى مدى العام الماضي، أصبحت دارفور خارج سيطرة الحكومة، ووفقاً للعديد من المحللين فإن ما ينطبق على دارفور ينطبق أيضاً على السودان بالكامل.

والأحوال في أنحاء منطقة الساحل المختلفة مثيرة للقلق والانزعاج بنفس القدر، فقد تكون مالي مستقرة الآن، ولكن بعد تعليق المتمردين الطوارق الانفصاليين في شمال البلاد مشاركتهم في محادثات السلام للتو، فإن العديد من الخبراء يعتقدون أنها مسألة وقت فقط قبل أن يشتعل الصراع هناك من جديد وينتشر. إن بارونات المخدرات وأمراء الحرب يسيطرون بشكل متزايد على مساحات شاسعة من الأراضي من غينيا على ساحل الأطلسي عبر السنغال إلى مالي والنيجر وما وراء ذلك. وليبيا أصبحت مقسمة بالفعل بين زعماء الحرب المتنافسين، في ظل حكومة "وطنية" تتساهل كل التساهل مع الجماعات المسلحة التي تدعمها.

على هذه الخلفية، فإن المخاطر في معركة كينيا ضد الإرهاب داخل الصومال والإرهاب الذي تفرزه الصومال مرتفعة للغاية، وهو ليس صراعاً ينبغي لكينيا أن تخوضه وحدها.

* مدير الاتصالات السابق للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ومدير بعثة الأمم المتحدة في دارفور سابقا، وعميد كلية الدراسات العليا للإعلام والاتصالات بجامعة أغا خان في نيروبي حالياً.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top