أهلاً بكم في برنامج البرنامج

نشر في 22-10-2013
آخر تحديث 22-10-2013 | 13:01
 باسم يوسف "هاه!!!! حتتكلم على مين دلوقتي؟"

كم مرة سمعت هذا السؤال منذ عزل محمد مرسي؟  

كتيييير.

يربط الكثير من الناس بين السخرية وبين تحطيم الأشخاص، أو باللغة الدارجة: "إنك تعلّم عليه" وهي عبارة مستوحاة من خناقات الشوارع و"التعليم على الوش" بالمطواة.

حين بدأنا البرنامج على الإنترنت ثم انتقلنا إلى التلفزيون كنا نعتبر أن هذه فرصتنا لتقديم طريقة جديدة للتعبير عن الرأي، وذلك عن طريق السخرية والكوميديا على قدر ما نستطيع.

وفي حين تقبل الكثير من الناس هذه الطريقة الجديدة اعترض عليها آخرون مرة بدعوى أنها حرام ومرة بدعوى أنها غير لائقة. 

لكن في الواقع الكثير من هؤلاء كانوا يعترضون فقط لأن اتجاه البرنامج وآراءه "مش على مزاجهم".

فالكثير من الإخوان المعجبين بالبرنامج في موسمه الأول انقلبوا عليه لمجرد أدائنا أغنية (راب) ضدهم، وازدادت العداوة بالطبع في الموسم الثاني حين قدم لنا مرسي ومقدمو البرامج الدينية مادة متجددة دائمة.

وعلى الناحية الأخرى كان البرنامج هو المفضل لأعداء الإخوان لكنهم لم يتحملوا فقرات قليلة سخرنا فيها من أحمد شفيق، أو عندما انتقدنا موقفهم حين خرجوا لحصار مقر الإخوان في المقطم.

في بلادنا يربط الكثير منا موقفه من برنامج أو من مذيع ليس على أساس جودة ما يقدمه ولكن يقيمه على أساس اتفاق هذا المذيع مع آرائه.

يقولون لك: "قول اللي أنت عايزه بس خليك موضوعي، خليك محايد".

وتحتار أنت في تفسير "محايد وموضوعي" لأنها في الحقيقة تعني "قول اللي على مزاجي".

يقابلني أنصار السيسي ويبادرون بضربة استباقية فيحذرون: "اوعى تتكلم على السيسي" مع أنهم نفس الناس الذين كانوا ينتظرون البرنامج ليتكلم عن مرسي، بل كانوا يقابلونني بعد الحلقات ويقولون: "بس أنت كنت حنين عليه" وكأن السخرية تعني أن أسب المرء بأهله و"أعلّم عليه" حتى يرضوا. 

حين أواجههم بذلك يكررون نفس كلام الإخوان من قبل من أنه "ما يصحش، أو إن مرسي يستاهل أو إن مش وقته أو منظرنا قدام العالم".

الحقيقة أنه لا يوجد تسامح لا من ناحية الإخوان ولا من ناحية من يطلقون على أنفسهم ليبراليين، فالكل يبحث عن فرعون على مقاسه.

على قناة "الجزيرة" عرضوا تقريرا وثائقيا مفاده بأن البرنامج كان سببا مهما في سقوط مرسي، يعني هم يسيئون لحكم مرسي أكثر مما أساء هو له بأن يقولوا إن برنامجا ساخرا يأتي مرة في الأسبوع ومدته أقل من ساعة قادر على أن يسقط نظام حكم 

وتنظيم عمره أكثر من ثمانين عاما، وإن كانت حقيقة فهو دليل على هشاشة الحكم وليس قوة البرنامج.

عادة لا أتكلم عن البرنامج في مقالاتي، لكنني أتكلم اليوم عنه لأوضح بعض الأمور، لقد التزمت الصمت في الأسابيع الماضية حين كنت أقرأ وأشاهد وأسمع الإشاعات التي أحاطت بالبرنامج وتوقفه وعودته، ولذلك اخترت أن أوضح هذه الأمور لأن الموضوع له أبعاد أعمق من مجرد الحديث عن برنامج تلفزيوني.

توقفنا في رمضان وعيد الأضحى لأنها إجازة معلن عنها سلفا، وتأخرت عودتنا بسبب فرض الحظر خاصة أننا لا نصور البرنامج من داخل مدينة الإنتاج ولكن من وسط القاهرة على بعد أمتار قليلة من ميدان التحرير، فكان من غير المقبول أن نعرض فريق العمل والجمهور للخطر، وحين أعلن عن تخفيف الحظر اتخذنا قراراً بالرجوع 

وتم التأجيل مرة أخرى بعد وفاة والدتي، فاتخذنا قراراً بالرجوع بعد ذكرى الأربعين.

على مدى الأسابيع التي توقف فيها البرنامج راقبت بتعجب الإشاعات والتحليلات والتكهنات التي أصبحت أخباراً و أمراَ واقعاً، فهذا خبر عن وقف البرنامج وخبر آخر بمنعي من الظهور وإنهاء التعاقد مع المحطة بعد "أن أديت دوري" كما يقولون.

المثير للاهتمام أنه بعد أسابيع من التقريع والشماتة لأن البرنامج "اتمنع خلاص" وبعد أن أعلنا عن عودة البرنامج وأسباب التوقف تغيرت النغمة لـ"نتحداك أن تنتقد السيسي وعدلي منصور" وإذا فعلنا ذلك فسيقولون إن ذلك ليس كافيا، أو إنها تمثيلية أو يطالبون بأن "اعمل فيه زي ما عملت في مرسي".

 طب يعملوا زي مرسي وأنا تحت أمركم!

لذلك إن كنت إسلاميا أو ليبراليا، محبا للعسكر أو الإخوان لا تقنع نفسك أنك موضوعي أو حيادي، أنت متحيز ومتحامل مثلما تصف هذا المذيع أو هذه القناة. 

يستخدم محبو السيسي نفس المصطلحات التي كان يستخدمها محبو مرسي. 

هم لن يطيقوا كلمة عن السيسي، ودفاعهم عن الحرية والديموقراطية سيتوقف في اللحظة التي تزعجهم نفس النكتة التي كانوا يصفقون لها من قبل، الإخوان لن يكفيهم أي نوع من الانتقاد أو السخرية إلا ما يريدونه هم وسيعايرون من لم يقف معهم وينصفهم مع أنهم يطلبون ذلك ممن علقوا له صوراً ترسم مشنقة حول عنقه وأطلقوا عليه سلاح التكفير وطالب شيوخهم وقياداتهم علنا بإيقاف البرنامج وذهبت بسببهم إلى النائب العام الذي ربما سأراه قريبا ولكن على يد ناس آخرين يحبون الحرية "زي عيونهم" أو على حسب المزاج.

أعترف أن الأمور الآن أصعب بكثير ليس لمجرد أن المادة الخام الآتية من القنوات الدينية أو من مرسي قد تضاءلت ولكن لأن المزاج العام أصبح مختلفاً. 

كيف نخرج ببرنامج ساخر وكوميدي وحديث الدم هو حديث الصباح والمساء؟ كيف نجعل الناس يضحكون وحياتهم اليومية مليئة بأحاديث عن الإرهاب والخوف والقتل؟

حين يعيش الناس في حالة من الرعب والخوف والغضب والكراهية لا أحد يريد أن يستمع لصوت العقل فما بالك بالسخرية؟!

حين يسألني أحدهم "حتعمل إيه بعد كده؟ حتضحكنا إزاي؟" أقول له إن برامج السخرية السياسية هي مرآة للمجتمع، إذا كان ما يحدث في البلد "دمه خفيف" فسنكون كذلك، أما حين يكون كل ما يحدث في البلد يدعو إلى الاكتئاب فبدلا من أن نقول "طب ونجبلكم منين؟" سنبذل قصارى جهدنا لوضع ابتسامة على شفاه من أصابهم الملل من البرامج التقليدية وسنضحك معهم بدلا من أن نبكي.

التحدي كبير ولذلك أحب أن أجدد شكري وتقديري للفريق الرائع الذي أعتبر نفسي محظوظا لأن أقضي معهم وقتاً أطول مما أقضيه مع عائلتي.

سيدي الفاضل لا أعدك أنك ستنفجر أحشاؤك من الضحك مع البرنامج ولكن نعدك أننا سنستمتع بما نفعله ليخرج لك منتج إعلامي مختلف بذلنا فيه قصارى جهدنا. 

أعتذر مقدما لأنك لن تتفق مع كل شيء أقوله وربما ستكرهنا أو "ننزل من نظرك".

ولذلك أختم المقال بهذه الأقوال المأثورة:

"رضا الناس غاية لا تبغى"

"لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع"

"ولهذا خلق الله الريموت"

نراكم 25 أكتوبر بمشيئة الله.

 

ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top