الصراع على هوية اليهود العرب

نشر في 26-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 26-07-2013 | 00:02
في دارسات كثير من الباحثين العرب حول بعض المفكرين اليهود الذين عاشوا في العصور الإسلامية، مثل موسى بن ميمون (عاش في قرطبة، وتوفي في القاهرة)، ابن كمونة (في أواخر العصر العباسي)، وكعب الأحبار (في زمن الخليفة عمر بن الخطاب). غالباً ما يتم الصراع على هوية هؤلاء المفكرين وأفكارهم ومصاردهم ونسبهم إلى الدين الإسلامي.
الاستنتاج بأسلمة بعض المفكرين اليهود الذين عاشوا في العصور الاسلامية مرده إلى ثقافة هؤلاء المختلطة اليهو- إسلامية، ولمجرد اهتمامهم بالثقافة الإسلامية ومدارسها الفكرية أو الدينية، فابن ميمون كان أبوه من أحبار اليهود وعضواً في المحكمة الربانية الخاصة بالطائفة الإسرائيلية في قرطبة. أخذ عن أبيه مبادئ الديانة اليهودية وتعمق في الأدب التلمودي. تلقَّى العلم على يد ثلاثةٍ من العلماء المسلمين، مباشرةً من ابن الأفلح ومن أحد تلامذة ابن الصائغ، ومن ابن رشد بشكلٍ غير مباشر، حين عكف، كما يذكر ابن ميمون نفسه، على دراسة مؤلفات ابن رشد طيلة 13 عاماً.

اختير ابن ميمون طبيباً خاصاً لنور الدين علي، أكبر أبناء صلاح الدين، وللقاضي الفاضل البيساني وزير صلاح الدين. واستخدم ابن ميمون نفوذه في بلاط السلطان لحماية يهود مصر، ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد.

يعد {دلالة الحائرين} أهم كتبه الفلسفية، ويتضمن أفكاره الرئيسة، وهو موجَّه إلى علماء اليهود الحائرين بين ما تقرره الفلسفة بالعقل وما تقرره الشريعة اليهودية بالنقل. وتنعكس في الكتاب مناخات الفلسفة الإسلامية آنذاك بموضوعاتها ومصطلحاتها واستعاراتها وعلاقاتها بالفلسفة اليونانية. ويجد بعض نقاد ابن ميمون أن كتابه ليس إلا صدى لأفكار فلاسفة الإسلام وعلماء الكلام، خصوصاً الأشاعرة، ولذلك فحين ألَّف إسرائيل ولفنسون كتابه {موسى بن ميمون} وهو الكتابُ المنشور بالعربية في القاهرة عام 1936 كتب الشيخ مصطفى عبد الرزاق مقدمة الكتاب قائلاً: {إن موسى بن ميمون يعدُّ من الفلاسفة المسلمين! ثم ذكر الكثير من الأدلة المؤيدة لذلك.

في مقدمة تحقيقه {دلالة الحائرين}، يقول حسين آتاي: {إذا أخذنا في الاعتبار أنَّ الشهرستاني قد عدَّ حنين بن إسحاق النصراني فيلسوفاً إسلامياً، فإنه لا وجهَ للتفرقة بينه وبين موسى بن ميمون الإسرائيلي. وكما يعتبر الفلاسفة اليهود المشاركون في الفلسفة الغربية (يقصد أمثال: اسبينوزا وكارل ماركس وبرغسون) في بلاد الغرب فلاسفةً غربيين؛ فإن الفلاسفة اليهود والنصاري الذين شاركوا في الفلسفة الإسلامية وعاشوا في العالم الإسلامي آنذاك يعتبرون فلاسفةً إسلاميين؛ فمحمد أبو بكر بن زكريا الرازي مع أنه كان لا يعتنق ديناً ما، فقد اعتُبر من بين فلاسفة المسلمين. وعلى ذلك، فالفلاسفة أمثال موسي بن ميمون لا يعتبرون فلاسفةً من ناحية الشكل فحسب، لمجرد انتسابهم إلى المجتمع الإسلامي، بل لمشاركتهم في ثقافةِ ذلك المجتمع أيضاً؛ لذلك فموسي بن ميمون فيلسوف إسلامي من ناحية الشكل ومن ناحية الموضوع، لأنه نشأ في ذلك المناخ الفكري، فساهم فيه وأضاف إليه بقدر ما أخذ منه. وقولنا إنه فيلسوف إسلامي، لا يعني أننا نقول بأنه مسلمٌ آمن بالإسلام ديناً (كان موسى بن ميمون قد أشهر إسلامه وهو في المغرب ثم ارتد في مصر) بل هو فيلسوفٌ إسلامي بالمعني الثقافي الحضاري فحسب}.

  ولفنسون في معرض حديثه عن ابن ميمون وقضية إسلامه حين خرج من قرطبة وسكن المرية، وهي قضية خلافية يصعب فيها ترجيح رأي على آخر، نجده يبسط الأقاويل والروايات الخاصة بهذا الأمر مفنداً آراء القائلين بإسلام ابن ميمون، وقد خلص إلى ما يلي: {والذي لا شكَّ فيه أن أسرة ابن ميمون مكثت على دين أسلافها طيلة الأعوام التي أقاموها في المرية... ولم يكونوا ممن مكثوا في قرطبة وتظاهروا بالإسلام}.

أما ابن كمونة فهو فيلسوف يهودي، تأثر بالتراث الإسلامي، حتى قيل إنه أسلم. وكانت من نتائج تفاعله مع التراث الإسلامي أنه كتب عدداً من الأعمال الفلسفية والكلامية، التي يتضح فيها أثر المدرسة الأشعرية.

 وخلافاً لمعظم المفكرين الإسلاميين الذين عاشوا في أواخر العصر العباسي وبداية العصر المغولي، ممن تبنّوا الاعتزال صراحة، مثل الزمخشري وابن أبي الحديد، أو تبنوه من خلال التشيع الإثني عشري، مثل نصر الدين الطوسي أو العلامة الحلي، يقف ابن كمونة على الطرف الأقصى ويتبنّى الأشعرية موقفاً فكرياً.  

كعب الأحبار!

 

أما كعب الأحبار، فأصوله من يهود حمير اليمنيين. قيل إنه اعتنق الإسلام في زمن عمر بن الخطاب وتحول بفعل قربه من السلطة وثقافته التوراتية إلى شخصية مؤثرة آنذاك. وإذا كان بعضهم يعتبر أن كعب الأحبار انضم إلى الإسلام، نجد إسرائيل ولفنسون طوال دراسته يؤكد عراقة كعب في اليهودية، بل على صعوبة انسلاخ اليهودي عن ديانته حتى إن آمن إيماناً قوياً بالإسلام أو غيره، فإن يهوديته ما تزال داخله، تدفعه وتطبع رؤيته للعالم بطابعها الخاص. لذلك يقول ولفنسون عن كعب الأحبار: {إنه {كان يهودياً من المهد إلى اللحد، فقد تشبع بالعقلية اليهودية، حتى برزت فيه هذه النحلة بروزاً لم يُر مثله عند غيره من مسلمة اليهود، فقد كان بعد إسلامه كأنه لم يترك دين أجداده؛ لأنه كان ينظر إلى الإسلام بالعين اليهودية}.

كان كعب الأحبار وابن ميمون وابن كمونة موضع اتهام من بعض العرب والمسلمين، فالأول أي كعب الأحبار، اتهم في أنه تحول بفعل قربه من السلطة وثقافته النسبية (التوراتية) إلى شخصية مؤثرة آنذاك. وهي {ثقافة} بسيطة وشفوية. من هنا غلوها في إدخال هذا الكم الهائل من الأساطير التوراتية في الموقف من الأحداث السياسية والدرامية التي مر بها تاريخ الإسلام بعد موت النبي محمد. وقيل إن ما دوّنه ابن كمونة في كتابه لا يحمل أيَّ جديدٍ مخالف لما قرَّره العلماء المسلمون السابقون على ابن كمونة، خصوصاً متكلمو المعتزلة والأشاعرة، فهو يكاد يلخِّص أقوالهم، أو بالأحرى ينتقي من أقوالهم أشهرَها. وتصل ذروة الإتهام إلى موسى بن ميمون الذي بزعم خصومه كان ينثرُ في كتابه {دلالة الحائرين} بعضَ عبارات التوراة، بين آراء متكلمي المسلمين، ليُضفي طابعاً يهوديّاً مُصطَنعاً على ثقافته العربيَّة الإسلاميَّة.

back to top