رجالنا... هل يحتاجون إلى مكمّلات التستوستيرون؟
من منا لم يقع على الإعلانات التجارية الرائجة؟ رجال رشيقون في منتصف العمر يخبرونك كيف اكتسبوا الوزن وتراجع مستوى طاقتهم وما عادوا يتمتعون بالرغبة الجنسية نفسها كما في العشرينيات حتى بدأوا يدهنون هلام التستوستيرون في منطقة الكتف أو أعلى الذراع أو البطن. باتوا بذلك يشعرون أنّهم استعادوا وضعهم الطبيعي. جون- مانويل أندريوت من {أتلنتيك} جاء بالتفاصيل التالية.
في دراسةً أُجريت في عام 2009 ونُشرت في مجلة {نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين}، واجهت مجموعة من الرجال ممن تلقوا علاج استبدال التستوستيرون مشاكل في القلب والشرايين. كان عدد الإصابات كبيراً، ما استدعى وقف الدراسة.لا توضح الإعلانات حجم الخطورة التي يتعرض لها الآخرون (المرأة، الأولاد، وحتى الحيوانات الأليفة) عند الاحتكاك بهلام التستوستيرون. يبدو أنه مضرّ عند انتقاله إلى الآخرين. فهو قد يسبب نمواً فائضاً من الشعر على وجه وذراعَي المرأة، ويزيد من خشونة صوتها، ويوقف الدورة الشهرية لديها، وقد يجعلها متوترة ومنزعجة. عند الأطفال، قد يؤدي احتكاكهم بهلام وكريمات التستوستيرون إلى بدء سن البلوغ في مرحلة مبكرة وزيادة العدائية في سلوكهم. وعند الحيوانات الأليفة، قد يسبب التستوستيرون سلوكاً عدائياً وتضخماً في الأعضاء التناسلية.
تذكر الإعلانات آثاراً جانبية محتملة أخرى قد تصيب المستخدمين الرجال، ولكنها تدعي أنها تحصل في حالات {نادرة} مثل تورم وألم في الثدي، وتخثر الدم في الساقين، وارتفاع خطر الإصابة بسرطان البروستات، ومشاكل في التنفس خلال النوم (أو توقف التنفس أثناء النوم)، وتغير حجم الخصيتين وشكلهما، وتراجع عدد الحيوانات المنوية. لكن لا يُفترض أن يركز المشاهدون على هذه التفاصيل، بل يكفي أن يفكروا بالطاقة التي سيكسبونها وبالعلاقة الجنسية التي سيستمتعون بها وبقوة العضلات. سيكون الأمر أشبه بمراهقة ثانية لأن الجسم المتقدم في السن سيشهد ربيعاً جديداً.لا تسيئوا فهم ما أعنيه. شدد خبراء الطب الذين قابلناهم لإعداد هذه المقالة على أنّ مشكلة تراجع مستوى التستوستيرون (تُعرَف أيضاً باسم قصور الغدد التناسلية) تطاول فعلياً نسبة ضئيلة من الرجال. لكنهم يوضحون فوراً أن مستوى التستوستيرون الطبيعي عند رجل معين قد يكون أدنى من مستواه عند رجل آخر.أرقام وتقديراتوفق {المجلة الطبية البريطانية}، طرحت {الدراسة الأوروبية لشيخوخة الرجال} أفضل تقديرات حول نسبة انتشار مشكلة تراجع مستوى التستوستيرون (خليط من العوارض الجنسية مع قياس معدل التستوستيرون)، فوجدت أن 0،1% من الرجال في عمر الأربعينات، و0،6% من الرجال في عمر الخمسينات، و3،2% من الرجال في عمر الستينات، و5،1% من الرجال في عمر السبعينات، تتوافر لديهم المعايير المطلوبة لتشخيص هذه الحالة.على عكس ما يحصل مع المرأة في مرحلة انقطاع الطمث (حين تنهار مستويات الأستروجين وتتوقف بشكل شبه كامل)، تتراجع مستويات التستوستيرون عند الرجال في العادة بنسبة 1% إلى 2% فقط في السنة بعد عمر الأربعين.باختصار، لا تبدو مشكلة تراجع مستويات التستوستيرون حالة حتمية. تذكر {نشرة الأدوية والتداوي} ضمن {المجلة الطبية البريطانية} بقاء مستويات التستوستيرون ضمن النطاق الطبيعي عند 80% من الرجال في عمر الستين ونصف الرجال في عمر الثمانين مقارنةً بالرجال الأصغر سناً. استنتجت الدراسة {ضعف الأدلة على أن تراجع مستويات التستوستيرون نتيجة التقدم في السن يسبب عوارض معينة}. في غضون ذلك، لم تصادق {إدارة الغذاء والدواء} على استعمال التستوستيرون لتحسين القوة والأداء الرياضي والمظهر الجسدي أو منع التقدم في السن. على صعيد آخر، اعتبر تقرير صدر في عام 2004 عن {معهد الطب} (بعنوان {التستوستيرون والتقدم في السن: توجيهات الأبحاث العيادية}) أن علاج استبدال التستوستيرون لمعالجة تراجع مستوى التستوستيرون المرتبط بالسن {وسيلة غير مثبتة علمياً}.كتب نائب رئيس تحرير {المجلة الطبية البريطانية}، توني ديلاموث، في تعليق صدر في عام 2012: {من المتوقع أن تصبح نسبة تركز التستوستيرون عند فئة معينة من الرجال الأكبر سناً تحت عتبة النطاق الطبيعي المُسجَّل عند الشبان الذين يتمتعون بصحة جيدة}. لكنه أضاف قائلاً: {من المؤسف أن نحوّل ظاهرة مرتبطة بالسن إلى مرض، لكن هذا ما حصل}.استناداً إلى الممارسات التقليدية التي تشمل تنقل الباعة المتجولين لبيع زيت الأفعى وتنظيم المعارض الطبية المتنقّلة، يُعتبر علاج استبدال التستوستيرون أحدث تركيبة مشتقة من نبع الشباب. تقدم أنابيب التستوستيرون مصدر أمل قوي ومادة دسمة للوحات الإعلانية الخاصة بوكالات الدعايات، وهي أحدث سلعة رائجة تستهدف المستهلكين الساذجين.ما هو هرمون التستوستيرون أصلاً؟ التستوستيرون هرمون ستيرويدي مشتق من الكولسترول واسمه أندروجين، وهو يساهم في تطور الخصائص الذكورية والحفاظ عليها. يتم إفرازه بشكل أساسي في منطقة الخصيتين عند الرجل، مع أن القشرة الكظرية والمبيض عند المرأة تفرز التستوستيرون أيضاً لكن بنسبة العِشر مقارنةً بما يفرزه الرجال الذين يتمتعون بصحة جيدة.بدأ الاهتمام بهرمون التستوستيرون حين لاحظ المزارعون التقليديون أن الحيوانات المخصيّة تكون أكثر هدوءاً من الحيوانات الطبيعية. ينطبق الأمر نفسه على البشر المخصيين. بالنسبة إلى الرجال الذين يتمتعون بغدد تناسلية سليمة، يرتفع معدل التستوستيرون في مرحلة سن البلوغ. فتزيد خشونة الصوت وتقوى العضلات وينمو الشعر على الوجه والجسم وتزداد الرغبة الجنسية. يرتبط التستوستيرون أيضاً بخصائص الشخصية المتعلقة بالقوة والسيطرة.يتقلّب معدل التستوستيرون طوال اليوم ويكون في أعلى مستوياته في فترة الصباح، وهو يبلغ ذروته في نهاية مرحلة المراهقة ثم يبدأ بالتراجع بوتيرة بطيئة لكن ثابتة مع التقدم في السن. ما من تعريف نموذجي لتراجع مستوى التستوستيرون، لكن يتراوح النطاق الصحي بين 250 و1100 نانوغرام مقابل كل دسيليتر دم.تُطرَح أسئلة عدة في هذا المجال طبعاً: إذا كان العلماء لا يُجمعون على معنى تراجع مستوى التستوستيرون، فكيف يمكن أن يشخّص أحد هذه الحالة؟ ما هو المستوى الذي يشير إلى وجود مشكلة؟ والأهم من ذلك، كيف يمكن أن يعرف الرجل أنه مرشح مناسب لعلاج استبدال التستوستيرون؟تقول د. كاثلين ل. واين التي تدير الأبحاث حول داء السكري والأيض في معهد الأبحاث في {مستشفى هيوستن الميثودية} وتعمل في {اللجنة العلمية للهرمون الجنسي والغدد الصماء الإنجابية} ضمن {الجمعية الأميركية لأطباء الغدد الصماء العيادية}: {أنا حذرة جداً في ما يخص إلزام أحد بتناول أدوية مدى الحياة. هذا الأمر يثير استياء المرضى لأنهم سمعوا عن مشكلة تراجع مستوى التستوستيرون من التلفزيون والأصدقاء}.مع أن مرضاها الذكور قد يحصلون أو لا يحصلون على تشخيص انخفاض مستوى التستوستيرون كما يتوقعون من د. واين، إلا أنهم يستفيدون من فحص شامل في مطلق الأحوال. عدا قياس مستوى التستوستيرون، هي تتحقق أيضاً من مستويات الشحوم الثلاثية، ونسبة تحمّل الغلوكوز (سكر الدم)، وأنزيمات الكبد، ومعدلات أخرى، فضلاً عن وضع الخصيتين. توضح واين: {يجب أن أعرف ما إذا كان الوضع طبيعياً}.أخبرت د. واين بأنها لاحظت ارتفاع عدد الرجال الذين يسألون عن تراجع مستوى التستوستيرون، إلا أنها لم تلحظ زيادة في نسبة الإصابات بهذه الحالة: {ألاحظ ارتفاع عدد الشبان المصابين بالبدانة. يتمحور السؤال الأساسي حول صحة استعادة مستوى طبيعي من التستوستيرون عند خسارة 7 إلى 9 كيلوغرامات. نعلم أن فقدان 7 كيلوغرامات يُحدث فرقاً هائلاً على مستوى تلك الهرمونات. لكن يجب أن يخسر معظم هؤلاء الشبان 22 كيلوغراماً}.في سياتل، قال د. برادلي أناوالت، اختصاصي غدد صماء وأستاذ الطب في جامعة واشنطن، إن الأطباء يجدون صعوبة في تحديد الأسباب الفعلية وراء تدني طاقة الرجل، وتراجع اهتمامه الجنسي، وعوارض محتملة أخرى ترافق مشكلة تراجع معدل التستوستيرون ويمكن أن تنجم عن عوامل مختلفة.يوضح: {الجزء الأصعب مقابلة رجل يكون وزنه أعلى من المعدل الطبيعي بـ25 كيلوغراماً ولا يتحرك كثيراً ويشاهد التلفزيون بشكل دائم ثم يقرر الذهاب إلى الطبيب. لنفترض أنه يستشير طبيباً بارعاً يُجري له الاختبار المناسب في الوقت المناسب من اليوم (في الصباح)، ثم تكون نتيجة الفحص منخفضة. سيكون مستوى التستوستيرون منخفضاً أو أدنى من المعدل الطبيعي بقليل عند هؤلاء الشبان. لكننا لا نملك أدلة كافية على صوابية وصف التستوستيرون لهؤلاء الشبان}. ثم اعتبر أن القلق بشأن مستوى التستوستيرون قد يكون أمراً إيجابياً إذا كان دافعاً للرجال كي يفقدوا الوزن الزائد ويمارسوا الرياضة: {قد يكون تراجع مستوى التستوستيرون مؤشراً على ضعف الصحة}.اعتبر د. أناوالت أن تشخيص ومعالجة مشكلة تراجع معدل التستوستيرون عمل متوازن وحذر: {لا نريد أن نلمح إلى أنّ أحداً ليس معرضاً لتراجع مستويات التستوستيرون}. بل إنه شرح أن الأطباء يجب أن يتنبهوا إلى أن تراجع الرغبة والوظيفة الجنسية وهشاشة العظام والحساسية المستجدة في الثدي قد تعني وجود مشكلة تراجع معدل التستوستيرون. فضلاً عن قياس معدل التستوستيرون (مرتين في العادة أو حتى ثلاث مرات)، تقيس اختبارات تأكيدية معدل هرمونات أخرى تنظم مستوى التستوستيرون وإنتاج المني في الخصيتين. أوضح د. أناوالت: {في حال عدم الحصول على تلك الأدلة، يجب أن نخبر الرجل بأنه لا يعاني عوارض تراجع مستوى التستوستيرون بحسب رأينا}.في بعض الأحيان، قد يكون تراجع مستوى التستوستيرون أمراً جيداً. يعمد مئات آلاف الرجال في أميركا الشمالية في فترة معينة إلى تخفيض مستويات التستوستيرون لديهم عبر استعمال أدوية مشتقة من التستوستيرون أو الأستروجين. إذ يخضعون لعلاج سرطان البروستات.تحدث ريتشارد ج. واسرساغ الحائز شهادة دكتوراه، وهو أستاذ في أمراض المسالك البولية، عن تجربته الشخصية مع {العلاج بالحرمان من الأندروجين}: {إذا كنت تأخذ العلاج بالحرمان من الأندروجين وشاهدتَ تلك الإعلانات عن تراجع مستوى التستوستيرون، ما الذي يمكنك فعله حيال ذلك؟ هذا الوضع يضعك أمام معلومات متناقضة}. يعتبر أن تلك الإعلانات {مؤذية} كونها تشير إلى أن تراجع مستويات التستوستيرون يعني أن الرجل يخسر رجولته.كذلك، ذكر د. واسرساغ الخبير في علم الأحياء التطوري أن تراجع مستوى التستوستيرون عند الرجال الأكبر سناً قد يكون تكيفياً، وهي منفعة إيجابية، لأن الجسم يشيخ ويصبح أكثر ضعفاً: {يمكن اعتبار أن الأمر يشبه عدم وجوب أن يتحلى رجل عمره 49 عاماً بعقلية شاب عمره 19 عاماً، لأن الشخص قد يتعرض للقتل إذا كان عدائياً بما يكفي لخوض معركة مع شاب بعمر التاسعة عشرة}.حين أطلقت شركة {سولفاي} للمنتجات الصيدلانية (وهي الشركة المصنِّعة لهلام {أندروجيل} الذي اكتسح الأسواق) حملة عن تراجع معدلات التستوستيرون في عام 2008، ادعت أن 13 مليون رجل أميركي فوق عمر الخامسة والأربعين يعانون هذه المشكلة، لكن لم يتم تشخيص الحالة عند 90% منهم. يعرض موقعها الإلكتروني (IsItLowT.com) مجموعة من الرجال البدينين والمحبطين مع زوجاتهم الحزينات وهم يتذكرون كيف كان الوضع في السابق. تسأل الحملة على الموقع الإلكتروني وفي الإعلانات التلفزيونية التابعة لها: ما الذي يبرر الاستسلام للاكتئاب إذا كان الحل بسيطاً؟خلال السنة الأولى وحدها، كُتبت 1،4 مليون وصفة لهلام {الأندروجيل} في الولايات المتحدة، وكانت في معظمها لرجال بين عمر الخمسين والتاسعة والخمسين. اليوم، تبيع مواقع إلكترونية كثيرة الدواء من دون أن تطلب أي وصفة طبية. أثار جانبيةاللافت أن شركة {سولفاي} البلجيكية التي اشترتها الشركة الصيدلانية الأميركية العملاقة {أبوت} مقابل 4،5 مليارات يورو في عام 2010 لم تذكر اسمها أو اسم منتجها على الموقع الإلكتروني. ذكرت مجلة AdWeek عند إطلاق الحملة: {عدم استعمال الاسم التجاري لمنتج {أندروجيل} يعني أن الشركة لا تكون مضطرة إلى تحذير المستهلكين بشكل واضح من آثار {أندروجيل} الجانبية}.تعتبر د. أدريان فوغ بيرمان، أستاذة في علم الأدوية ومديرة مجموعة لمراقبة المنتجات (PharmedOut.org) في كلية الطب التابعة لجامعة جورج تاون، أن هذا النوع من إعلانات الأدوية التي تستهدف المستهلكين مباشرةً {عمل خبيث}. تشبّه تلك الجهود الرامية إلى بيع علاج استبدال التستوستيرون بالحملات السابقة لترويج علاج استبدال الهرمونات للنساء بعد مرحلة انقطاع الطمث: {أعادوا تطبيق القواعد نفسها. يتم تداول الهرمون على نطاق مخيف}.في مقالة وردت في عام 2012 في {مجلة أستراليا الطبية}، كتبت باربرا مينتزيس، أستاذة مساعِدة في كلية الصحة العامة التابعة لجامعة كولومبيا البريطانية، وأغنيس فيتري، باحثة بارزة في جامعة جنوب أستراليا: {من خلال توسيع حدود هذا المرض كي تشمل عوارض شائعة عند المسنين من فئة الرجال، مثل التعب وتراجع الرغبة الجنسية، تسعى شركات الأدوية إلى توسيع أسواقها وزيادة مبيعاتها}.في أستراليا، حيث يُعتبر تسويق منتجات شركات الأدوية إلى المستهلكين مباشرةً عملاً غير قانوني (كما هو الوضع في كل مكان باستثناء الولايات المتحدة ونيوزيلندا)، أوضحت د. فيتري في رسالة إلكترونية بأن الهيئة التنظيمية المحلية التي تشبه {إدارة الغذاء والدواء}، أي {هيئة أدوية أستراليا}، فرضت غرامة ضئيلة لكن رمزية على شركة {باير} بقيمة 10 آلاف دولار أسترالي لأنها خرقت قانون السلوك الذي حددته {هيئة أدوية أستراليا} حين أطلقت حملة توعية عن مرض تراجع مستويات التستوستيرون. مع أنّ شركة {باير} ألمحت إلى أن تراجع معدل التستوستيرون كان السبب الأكثر شيوعاً للعوارض، وعلى رغم تسجيل ارتفاع في عدد حالات تراجع معدل التستوستيرون، اعتبرت فيتري أن {هيئة أدوية أستراليا} لم تطارد شركة {باير} بسبب ترويجها غير القانوني للمنتجات التي تستهدف المستهلك مباشرةً لأن حملتها {لم تشجع المرضى على الحصول على وصفة طبية لمنتج خاص بهرمون التستوستيرون}.تكون حملات التوعية حول المرض سلسة أو حتى خادعة. قد لا تذكر منتجاً معيناً لكن قد يكشف تحقيق صغير أن الشركات الراعية تكون في العادة شركات أدوية {يصدف أنها} تصنّع منتجات لمعالجة الحالة الحقيقية (أو المزعومة على الأقل).قالت د. فوغ بيرمان إن هذه الحملات تشجع الرجال على سؤال الطبيب عما إذا كان تراجع مستوى التستوستيرون سبب فقدان الوزن والنوم بعد العشاء وتدني الطاقة وتراجع الرغبة الجنسية. في الوقت نفسه، تعمل الشركات على تفعيل جوانب أخرى للتأثير على قرار الأطباء بوصف الأدوية، وذلك عبر دروس {التوعية الطبية المستمرة} وعبر المقالات الصحفية الطبية المدعومة. كذلك، أنشأت تلك الشركات مجلة {الرجل المتقدم في السن}. اعتبرت فوغ بيرمان أن هذه القنوات كلها {تُستعمل لإقناع الأطباء بضرورة معالجة هذه الظاهرة}.بعد إغراق المستهلكين بالإعلانات والتلاعب بالأطباء عبر الوجبات المجانية و{المعلومات} الطبية، أصبح الوضع يسمح بإبرام الصفقة. قالت فوغ بيرمان: {يشاهد الرجل السمين الإعلانات على التلفزيون. ويأتي الأطباء دوماً من اجتماع طبي حيث كان الموضوع يركز على أن استعمال التستوستيرون قد يحارب الاكتئاب، وقد أصبحوا يتلقون المعلومات بطريقة مختلفة}.في الولايات المتحدة، حيث يشاهد ملايين الناس المباراة النهائية في دوري كرة القدم الأميركية لرؤية تلك الإعلانات الذكية والمكلفة، وحيث يتم ترويج منتجات صيدلانية لها آثار جانبية قاتلة المناسبات، ليس مفاجئاً على الأرجح أن تُعرَض إعلانات عن تراجع مستوى التستوستيرون الآن على مختلف اللوحات الإعلانية في فلوريدا التي تشمل عدداً هائلاً من السكان الأكبر سناً أو أن تنشأ سلسلة من {المراكز المعنية بتراجع التستوستيرون} في تكساس وضواحيها. يذكر شعار {مركز تراجع التستوستيرون}: {استعيدوا شبابكم الداخلي}. وفق موقعه الإلكتروني، أنشأ رئيس المركز، السيد (وليس الطبيب) مايك سيسك، {تلك المراكز من باب الحاجة إليها}. هي تَعِد بأن تساهم حِقَن التستوستيرون في تحسين الرغبة الجنسية المتدنية فضلاً عن تعزيز الطاقة وتخفيف دهون الجسم ومعالجة الانزعاج والاكتئاب}. تذهب المراكز إلى حد ادعاء أن {الأبحاث تعتبر أن استبدال التستوستيرون قد يحل مشاكل صحية على المدى الطويل مثل الزهايمر وأمراض القلب}.ما هو أفضل جانب من هذه المراكز؟ العملية سهلة: {نشأ مركز تراجع التستوستيرون كي يتمكن الرجال من المجيء وإجراء فحص دم بسيط ومعرفة ما إذا كانوا مرشحين مناسبين لعلاج استبدال التستوستيرون خلال 30 دقيقة. الرجال المؤهلون للعلاج يحصلون على أول جرعة فوراً ويتابعون المجيء ثلاث مرات في الشهر لتلقي حقنة سريعة من التستوستيرون}.إنها خطوة مباشرة نحو الهدف الأساسي! هكذا تجري الأمور بكل بساطة. سواء أُخذت جرعة التستوستيرون على شكل حقنة أو هلام أو رقعة أو حبيبات تحت الجلد، يمكن تحقيق الوعد بالشباب الأبدي فوراً.أوضحت د. فوغ بيرمان: {شهدتُ ضد أحد المراكز في تكساس. عرض علي صاحب المركز فحصاً مجانياً. فرفضتُ العرض مع الشكر وسألتُ عن كلفة الزيارة الأولى. هل تبلغ ألفَي دولار؟ أكدتُ له أنني بخير. لكنه أجابني: {أنت تظنين أنك بخير}}.دراسةوفق جمعية الغدد الصماء، أقدم وأكبر وأنشط منظمة معنية بإجراء أبحاث عن الهرمونات والممارسات العيادية في مجال علم الغدد الصماء، {يجب تشخيص نقص الأندروجين (وهو اسم آخر لمشكلة تراجع معدل التستوستيرون) عند الرجال الذين يواجهون عوارض ومؤشرات دائمة والذين يسجلون مستويات منخفضة بشكل واضح من التستوستيرون}.توضح توجيهات الممارسات العيادية التي أصدرتها الجمعية في عام 2010 أن {مستوى التستوستيرون الذي يترافق مع عوارض نقص الأندروجين ونتائج صحية معاكسة ويشهد تحسن النتائج بعد التحكم بمعدل التستوستيرون لا يزال مجهولاً بشكل عام}. كذلك لا توصي بفحص الرجال لتجنب {تصنيف الأشخاص الأصحاء ضمن خانة معينة وإخضاعهم لاختبارات وعلاجات ومراقبة تسبب لهم أعباء من دون أي منافع واضحة}.عمل د. رونالد سويردلوف، رئيس قسم الغدد الصماء في المركز الطبي في جامعة كاليفورنيا – لوس أنجيلس وأستاذ الطب في كلية ديفيد جيفن للطب، في لجنة الخبراء التي طورت التوجيهات الصادرة عن جمعية الغدد الصماء. وهو المحقق الرئيسي في واحد من 12 موقعاً حول تجربة التستوستيرون عند الرجال الأكبر سناً، وهي دراسة وطنية مموَّلة بشكل أساسي من المعهد الوطني للشيخوخة. تجري الدراسة التي تشمل 800 رجل فوق عمر الخامسة والستين تحقيقاً لمعرفة ما إذا كان الرجال الذين يستعملون الأندروجيل لسنة واحدة مقارنةً بالدواء الوهمي يسجلون تحسناً في سرعة المشي والنشاط الجنسي والحيوية والذاكرة وفقر الدم. تنتهي الدراسة في يونيو 2015.يشرح د. سويردلوف خلال مقابلة على الهاتف: {نأمل أن توفر الدراسة بعض الوضوح لمعرفة ما إذا كان علاج استبدال التستوستيرون سيفيد الأشخاص في هذه المجموعة التي تشمل الرجال الأكبر سناً ممن يسجلون بكل وضوح مستوى غير طبيعي من التستوستيرون ويواجهون بعض العوارض. لا نعلم ما إذا كان الأمر سيفيد جميع الحالات التي ندرسها أم أنّ بعضها سيستفيد دون سواه. ولا نعلم ما إذا كانت المنافع تحدث على مختلف مستويات الدم التي يسجلها الأفراد}.أكد سويردلوف على ضرورة التحدث عن وجود عتبات مختلفة لمختلف الأشخاص: {قد يسجل رجل مستويات منخفضة من الرغبة الجنسية على معدل 325 ملغ لكل ديسيلتر بينما قد يشعر رجل آخر برغبة جنسية متدنية تصل إلى معدل 450}. بالنسبة إلى الأطباء الذين يقولون إن كل رجل في عمر معين سيستفيد من علاج استبدال التستوستيرون، يرد سويردلوف: {لا يجب أن يرتكز العلاج على العمر. بل يجب أن يتوقف العلاج على أفضل البيانات المخبرية والعيادية المتوافرة. ويجب الامتناع عن معالجة المرضى الذين لا يلبّون معايير العلاج إلا إذا برز سبب منطقي يجعلهم مختلفين عن النمط المألوف}.نقاط مهمةحتى قبل أن تقدم الدراسة نتائجها، أكد د. سويردلوف على ضرورة التشديد على بعض النقاط المهمة: {أريد أن أوضح أن هذا المرض ليس خيالياً. من المعروف أن الرجال الأصغر سناً الذين يفشلون في إنتاج مستوى طبيعي من التستوستيرون يواجهون مؤشرات وعوارض تولّد متلازمة من نوع محدد. وقد ثبت أن علاج مشكلة تراجع معدل التستوستيرون مفيد}.أعلنت باربرا مينتزيس من جامعة كولومبيا البريطانية في مقابلة عبر موقع سكايب أن {الأندروجيل تمت المصادقة عليه لمعالجة حالة حقيقية، أي الرجل الذي يسجل عدداً من الظروف العيادية أو المكتسبة التي تؤثر على معدل التستوستيرون، سواء عبر الخصيتين أو الغدة النخامية. لذا يصبح علاج استبدال التستوستيرون منطقياً في هذه الحالة ويصبح إنتاجه على شكل هلام أمراً مبرراً. حين تكون الحاجة إلى استعمال المنتج حقيقية، لا خطب في ذلك. لكن عند تسويق المنتج لمكافحة مظاهر صحية ترافق التقدم في السن، لا بد من التصدي لذلك}.أوضحت د. واين في هيوستن: {حين أسمع شعاراً جذاباً أو شخصاً يحاول إقناعنا باستعمال دواء لا يرتكز على بيانات عيادية، يسأل الجانب التشكيكي الكامن في داخلي عن مصدره. يمكن أن يؤدي علاج استبدال التستوستيرون دوراً بالغ الأهمية. من الرائع أن نحصل على جميع الخيارات لكن يجب استعمالها بالشكل المناسب وبطريقة آمنة وفاعلة}.إنه الجانب الأصعب في هذا المجال. تذكّر د. براد أناوالت الدروس التحذيرية التي تعلّمها عن علاج الهرمون الستيرويدي الجنسي عند النساء بعد انقطاع الطمث بفضل {مبادرة صحة النساء} وكتب في {مجلة الغدد الصماء العيادية والأيض}: {نحن أمام خطر تجدد الوصفة الطبية الخطيرة التي تشجّع علاج الهرمون الستيرويدي الجنسي عند الرجال الأكبر سناً والمصابين بمشكلة البدانة وداء السكري وجماعات أخرى تشهد زيادة حالات تدني مستويات الأندروجين. نحن أمام خطر انطلاق حملة جنونية للترويج لهرمون التستوستيرون}.خلال مقابلتنا، أوضح د. أناوالت: {يبدو شعار حملة تراجع مستوى التستوستيرون مثيراً. لذا تكون الحملة لافتة ويسهل نسبياً إثبات تراجع مستوى التستوستيرون عند شخص معين}. وتكون المشكلة حقيقية عند بعض الرجال. لكنه يضيف قائلاً: {يتم تغليف المنتج وتسويقه ليس من مصنّعي منتجات التستوستيرون فحسب، بل من الأطباء وشركات التسويق أيضاً وكأنه علاج لجميع الأمراض}.