عاجلاً أم آجلاً... منطقة اليورو قنبلة نقدية موقوتة في انتظار الانفجار

نشر في 12-08-2013 | 00:01
آخر تحديث 12-08-2013 | 00:01
منذ إطلاق اليورو في 1999، ارتفعت تكاليف وحدة العمل في ألمانيا بأقل من نسبة تراكمية مقدارها 13 في المئة. خلال هذه الفترة، ارتفعت تكاليف العمل في اليونان وإسبانيا والبرتغال بنسبة
20-30 في المئة، وفي إيطاليا أكثر من ذلك.
تخيل محلاً تجارياً يمر بمتاعب. في أحسن الأحوال لا يستطيع أن يزود مالكه بالحد الأدنى من مستوى المعيشة. وفي أسوأ الأحوال لا يستطيع حتى تغطية تكاليفه ويُدار من خلال القروض وتبرعات الأقارب والأصدقاء وفاعلي الخير. بل إن هناك من سمع واحداً من هؤلاء وهو يقول إنه سيفعل كل ما يلزم لإبقاء المحل مفتوحاً، وأضاف: «صدقوني، سيكون هذا كافياً».

ليس هناك مثل كامل، لكن هذا المثل قريب للغاية من صورة الأعضاء غير التنافسيين في منطقة اليورو. منذ إطلاق اليورو في 1999، ارتفعت تكاليف وحدة العمل في ألمانيا بأقل من نسبة تراكمية مقدارها 13 في المئة. خلال هذه الفترة، ارتفعت تكاليف العمل في اليونان وإسبانيا والبرتغال بنسبة 20-30 في المئة، وارتفعت تكاليف العمل في إيطاليا أكثر حتى من ذلك.

لذلك ليس مما يدعو إلى المفاجأة أن ألمانيا تتمتع بفائض في الحساب الجاري يبلغ 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا لا تكاد تشهد نوعاً من التوازن في الرصيد.

اتحاد مصرفي

ينبغي أن ننظر إلى التقديرات بأقصى درجة من التشكك، لكن مضمونها العام يبدو جيداً بدرجة مبالغ فيها تماماً. لن يكفي لحل الإشكال أي نوع مما يسمى الاتحاد المصرفي أو التوافق في المالية العامة، لأن هذه الاختلالات ستظل موجودة. النظرية الاقتصادية – من النوع الذي كان موجوداً سابقاً – من وراء إنشاء اليورو كانت تقول إن العملة الموحدة نفسها، والاستحالة المفترضة لتخفيض قيمتها من قبل البلدان الأعضاء، ستفعّل عمل القوة الموحِّدة. لكن هذا لم يحدث والعلاقات الحالية أصبحت غير قابلة للاستدامة.

هيربرت شتاين، وهو اقتصادي كان نشطاً في واشنطن في نهاية القرن الماضي، قال إنه إذا كانت هناك سياسة أو موقف غير قابل للاستدامة، فلن يتحمله أحد. لكنه لم يشر إلى طول الفترة التي تنهار فيها الأوضاع التي من هذا القبيل.

من جانب آخر، من مصلحة البيروقراطيين في منطقة اليورو أن يجعلوا المشكلات تبدو أعقد مما يمكن بحثه أصلاً من قبل عدد صغير مما يسمى بالخبراء الماليين؛ وكانت لدينا صفقة مالية وراء أخرى وضمانة تلو أخرى لإبقاء الهيكل عاملاً. لكن القروض والضمانات لا تجعل ما لا يمكن استدامته قابلاً للاستدامة. هناك فقط عدد محدود من الطرق التي يمكن أن يتطور فيها الموقف.

أولاً: من الممكن أن ينجح «التقشف» في البلدان الطرفية. أعني بهذا أن إضعاف الطلب المفروض عليها سيؤدي إلى تراجع التكاليف والأسعار، نسبة إلى جيرانها في منطقة اليورو، مما يؤدي إلى ارتفاع في قدرتها التنافسية، وانتعاش في نهاية المطاف في مستويات المعيشة وهبوط حاد في البطالة.

في نسخة أخرى لهذا السيناريو سنرى تحسناً في القدرة التنافسية خارج الأسعار، مثل رحلات سياحية رائعة في منطقة بحر إيجة، أو فنادق أكثر جاذبية في شاطئ الغرب في البرتغال. السؤال المهم هو عدد السنوات – أو العقود – التي سيحتاج إليها التصحيح.

معدل البطالة

ثانياً: تستطيع البلدان الطرفية الاستمرار في الجمود. معدل البطالة الآن في اليونان 22 في المئة، وفي إسبانيا 24 في المئة، وفي البرتغال 18 في المئة، وفي آيرلندا 15 في المئة، وفي إيطاليا 10 في المئة. (بالمقارنة، يبلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة وبريطانيا 8 في المئة). أخشى أن النسخة الأخرى ستكون في أن يزداد الموقف سوءاً، وتلوح بوادر الهجرة في الأفق.

الخيار الثالث: غير مرجح، لكني أذكره حتى أستوفي البحث. من الممكن أن تتبع ألمانيا وبلدان اليورو الأخرى في شمال أوروبا المزيد من السياسات «التوسعية» (أي التضخمية)، مما يؤدي بالتالي إلى تخفيف معاناة الجنوب. هناك حل آخر يتمثل في أن تستمر في دعم البلدان الطرفية، إلى ما لا نهاية.

الخيار الرابع: هو أن يخرج بلد أو أكثر من البلدان الطرفية من منطقة اليورو. في هذه الحالة ستفتح أبواب الجحيم، ليس فقط بين البلدان المغادرة، وإنما كذلك في بقية بلدان منطقة اليورو، لأن قيود البنوك ستشتمل على أصول يورو ضخمة يمكن أن تتراجع قيمتها.

لكن في النهاية، ستحاول إصلاح الموقف وتأتي بأداء مقبول أفضل من ذي قبل إلى حد ما، كما حدث مع الأرجنتين، حين قطعت رابطة كان يفترض أنها لا تنفصم مع الدولار.

تفكك اليورو

يود بعض الاقتصاديين معالجة المسائل على العكس من ذلك، بمعنى أنهم يفضلون أن تأخذ ألمانيا وجيرانها زمام المبادرة وترفع عملتها خارج اليورو، لكن هذا لن يحدث، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات الألمانية المقبلة.

بطبيعة الحال، نستطيع أن نتخيل أي عدد من التوافقات والتسويات بين الاحتمالات الأربعة المذكورة آنفاً. إذا كان علي أن أراهن (وهو ما لستُ ملزَماً به) فإني سأراهن على الاحتمال الرابع.

لكني لن أراهن أبداً على موعد حدوثه. الإمبراطورية الرومانية المقدسة – والمعروفة بأنها لم تكن مقدسة ولا رومانية ولا إمبراطورية – تم تمويلها من قبل شارلمان في عام 800 للميلاد، واستمرت إلى أن تم حلها على يد نابليون في 1806.

تم تدشين الاتحاد الألماني بعد حروب نابليون، ولم تكن له صلاحيات حقيقية على الدول الأعضاء. وتعزز من خلال اتحاد جمركي (زولفراين) في 1834، واستمر هذا التركيب الهش، إلى أن تم حله من قبل الرايخ الألماني على يد بسمارك في 1871.

ربما أصبح التاريخ أكثر سرعة منذ ذلك الحين، لكننا لا نعلم مقدار الزيادة في السرعة، كما أن الجدول الزمني لتفكك اليورو لا يعلمه أحد. هناك حد لما يمكن أن نعطيه من الإرشاد المتقدم.

* فايننشال تايمز

back to top