إخوان النغم

نشر في 16-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-07-2013 | 00:01
جمعت هواية الموسيقى والغناء بين سيد مكاوي وبين الأخوين رأفت قبل أن يلتقوا، فالشيخ سيد إلى جانب احترافه تلاوة القرآن الكريم، حرص على اقتناء غراموفون وعدد قليل من الأسطوانات، فيما كان حب الموسيقى والغناء يسيطر على كل من الأخوين إسماعيل ومحمود رأفت، فكانوا إخوان الصفا وخلان الوفا، جمعتهم الألحان ولم تفرق بينهم الكلمات.

استغل الأخوان رأفت، ومعهما الشيخ سيد، مكتبة والدهما رأفت باشا الموسيقية، فالوالد استغل أمواله في ممارسة هوايته المفضلة جمع الأسطوانات الموسيقية والغنائية إشباعاً لعشقه الفن، فكانت النتيجة مكتبة موسيقية ضخمة في منزله، تضم، بلا مبالغة، آلاف الأسطوانات بين القديم والحديث، سواء لمشاهير الموسيقى الغربية، أو من تراث الموسيقى الشرقية لكبار الملحنين والمطربين آنذاك، أمثال: عبد الحي حلمي، داود حسني، سيد درويش، محمد عثمان، ودرويش الحريري، وكامل الخلعي، إلى جانب المعاصرين من الشباب وقتها، أمثال: محمد عبد الوهاب، فتحية أحمد، وأم كلثوم، وغيرهم، وقد استغل ابنه محمود رأفت هذا الحب للموسيقى، وساهم في تأسيس معهد الموسيقى الملكي، لعشقه للموسيقى والموسيقيين.

شعر الشيخ سيد مكاوي بأنه علي بابا وقد فتحت أمامه بوابة كنز، وامتلك مفتاح مغارة علي بابا الممتلئة بالألماس والجواهر والأحجار الكريمة من كنوز الموسيقى والغناء، ولم يخجل من أن يفصح عن ذلك لصديقيه الجديدين، ممازحاً إياهما بأنه بصداقته لهما، عثر على كنز مغارة علي بابا رأفت، في إشارة إلى أن والدهما صاحب هذا الكنز.

وجد الشيخ سيد مكاوي ضالته لدى الأخوين محمود وإسماعيل رأفت، حيث اكتشف أن لديهما أضخم مكتبة من الأسطوانات، ربما لا يوجد مثلها في معهد فاروق الأول للموسيقى العربية نفسه، حيث تضم مكتبة رأفت باشا ما يزيد على ثمانية آلاف أسطوانة، ما بين قديم يتجاوز الستين سنة، وأسطوانات حديثة لكبار المطربين والموسيقيين، بين الغربي والعربي، فتجد بتهوفن وتشايكوفسكي وموزارت، جنباً إلى جنب مع سيد درويش، ومحمد عثمان، وعبده الحامولي.      

ظل سيد مكاوي وصديقاه يسمعون يومياً عشرات الأسطوانات من أدوار وموشحات وطقاطيق، ليس مجرد سماع فقط، بل يعيدونها لحفظها عن ظهر قلب، ثم يقومون بغنائها معاً، على آلتي الكمان والقانون.

حلم الغناء

كان الشيخ مكاوي يحلم بأكثر من أن يكون مقرئاً للقرآن فقط، فقد بلغ شغف إشباع هوايته للموسيقى والغناء مداه، فحرص على أن يوسع دائرة حياته، متجاوزاً الإطار الضيق الذي يحصر نفسه فيه داخل حي الناصرية، فبدأ يحضر {موالد أولياء الله الصالحين} بداية ممن يجاورهم من آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كمشاهد: السيدة زينب، والإمام الحسين، والسيدة نفيسة، وزين العابدين، وغيرهم.

 كذلك بدأ يتابع أخبار عدد من المنشدين والمداحين، ويتتبع خطاهم، وبمجرد أن يعرف بإقامة مولد ما أو احتفال ديني، حتى يسارع بالحضور، وانتقى من بين هؤلاء المنشدين اثنين، هما الشيخ علي محمود والشيخ إبراهيم الفران، باعتبارهما من أشهر المنشدين في أداء التواشيح والمدائح النبوية، فما إن يعلم بوجودهما معاً، أو أيهما في احتفال أو مولد، إلا ويحرص مكاوي على الحضور فوراً، مهما كانت ارتباطاته، وهو ما فعله بمجرد أن علم بوجود الشيخ علي محمود في مولد {سيدي زين العابدين}.

ذهب مبكراً، جلس بالقرب من التخت المرافق للشيخ علي، وأحسن الجلوس، كأنما خصص أذنا للموسيقى والعزف، والأخرى للصوت ومخارج الألفاظ، واستعد ذهنياً وجسمانياً، واستمع في خشوع إلى:

ألا يا رسول الله إني مغرم

صببت دموعاً يشهد الحزن أنها أتت من فؤاد بالغرام متيم

وليس له من ذا التتيم مشرح سوى أن يرى معشوقه فيسلم

يقول لي المعشوق لا تخش بعد ذا حجاباً ولا طرداً فعهدي متمم

متى ما أردت القرب مني فنادني ألا يا رسول الله إني مغرم

أجيبك من بعد وأني جليس من بحبي مشغول بذكري مترجم

حلفت يميناً أن قلباً يحبكم عليه عذاب النار قطعاً محرم

فكيف بمن قد شامكم كل ساعة فهذا يقيناً في الجنان ينعم

سلام عليكم والسلام ينيلني كمال شهود بالجمال وينعم

لساني تحيات تليق بقدركم أكررها في حيكم وأهمهم

سلام على رأس الرسول محمد لرأس جليل بالجلال معمعم

سلام على وجه النبي محمد فيا نعم وجه بالضياء ملثم

سلام على طرف النبي محمد لطرف كحيل أدعج ومعلم

سلام على أنف النبي محمد لأنف عديل أنور ومقوم

سلام على خد الحبيب محمد لخد منير أسيل ومشمم

سلام على فم النبي محمد لفم به درّ نفيس منظم

بغير كلام الله والذكر والندا لحضرة مولاه فلا يتكلم

سلام على عنق النبي محمد لعنق سطيع نير ومبرم

سلام على صدر الحبيب محمد لصدر وسيع بالعلوم مطمطم

سلام على قلب الحبيب محمد لقلب بنور الله دوماً مقيم

يشاهد رب العرش في كل لحظة وأن نامت العينان ما نام فاعلموا

سلام على كف النبي محمد لكف رحيب كم يجود ويكرم

به كم فقير صار من بعد فقره غنياً وكم طاغ به متضيم

سلام على قدم الحبيب محمد به داس حجب العز ذاك المقدم

به قام في المحراب لله قانتاً يناجي لرب العرش والناس نوم

فما زال هذا دأبه كل ليلة إلا أن به بان لونا والتورم

سلام على ذات النبي محمد فيا حسنها فيها الجمال متمم

سلام على كل النبي محمد نبي عظيم بالجلال معظم

نبي لمولاه العلي عناية به تبدو إذ ما الخلق في الحشر يفحم

به كل عاص في القيامة لائذ وكل محب فائز ومكلم

به يرتجي المجذوب ينجو بصحبه بغير امتحان يا شفيع ويسلم

عليك صلاة الله ثم سلامه يعمان كل الآل ها نحن نختم

عشق سيد مكاوي أجواء المولد والإنشاد الديني، ووجد فيه مدخلاً مهماً وقوياً ليكون همزة الوصل بين قراءة القرآن وبين الغناء الدنيوي، فقرر جمع بعض المشايخ الذين يماثلونه في العمر والعشق للموسيقى والغناء، وكون منهم فريقاً لإحياء الموالد والأفراح بالإنشاد للتواشيح وقصائد المديح النبوية، على أن يكون ذلك بعيداً عن الحي وأهله، كانت الفرقة من المشايخ الصغار تجد فرصاً أكبر في موالد {سيدنا} الحسين والسيدة زينب والسيدة سكينة والسيدة نفيسة وسيدي علي زين العابدين، والناس في تلك البقعة من أسر الأحياء الشعبية يحتفلون كثيراً بهذه الموالد ويتوافدون من أعماق الريف بالآلاف كي يتجمعوا في سرادقات تسد الطرقات والأزقة المؤدية إلى أضرحة آل البيت رضوان الله عليهم جميعاً.

حفظ المولد

لم يستطع الفقر أو العجز أن يوقف أو يحد من تلك الرغبة الجامحة في نفس الشيخ سيد مكاوي، بأن يعب الموسيقى الشرقية الأصيلة من منابعها التي كانت تجد حراساً يناصرونها ضد التشويه والمسخ بالنقل من دون إبداع من الموسيقى الغربية، حيث يعتبر الإنشاد الديني أحد أهم حراس الموسيقى العربية، بل والأهم هو القرآن الكريم نفسه، فلم تكن حلقات الذكر والمدائح والإنشاد الديني هي التي يحرص الشيخ سيد على حضورها، بل قراءة القرآن الكريم، لكن عبر أجمل صوت يتلو القرآن في القرن العشرين؛ الشيخ محمد رفعت. قام بالترتيب مع متعهد ليال وحفلات، يمر عليه بشكل شبه يومي ليخبره أين سيقرأ الشيخ الليلة، وما إن يعرف حتى يسارع باصطحاب الصديقين محمود وإسماعيل رأفت؛ أو أحدهما، معه للمكان الذي سيقرأ فيه الشيخ رفعت:

= أنا نفسي أعرف بس غيتك إيه يا شيخ سيد من الشحططة كل يوم في حتة، من عابدين للعتبة، ومن روض الفرج لمصر القديمة، ومن المنيرة للأزهر.. أنت ما بتتعبش؟!

* وأتعب من إيه يا سي محمود... هو أنا بروح الحتت دي كلها في يوم واحد.. ولا باخدك لها مشي. إيش حال لو ما كنتش بخليك تركب {تروماي} درجة تانية أد الدنيا بستة مليم يا أخي.

= ماهو أنت اللي مابترضاش ناخد العربية.

* يا سيدي أنا صاحبك أنت... مش صاحب العربية... لسه فاضل كتير على روض الفرج؟

= لا خلاص أحنا دلوقت في السبتية فوق كوبري عنابر السكة الحديد وداخلين على روض الفرج.

* كدا... طب نستعد بقى.

= هتستعد يعني هتعمل إيه هتنفض ودانك.

* أنت بتقول فيها.. فعلا صدقت الواحد قبل ما يسمع الشيخ محمد رفعت لازم ينفض ودانه من أي مسامع تانية... علشان كدا لما بدخل مكان هيقرأ فيه الشيخ.. وبمجرد ما يبسمل الكل يسكت... زي ما بيقولوا كأن الناس على رؤوسهم الطير، ترمي الأبرا تسمع صوتها، وييجي صوت عمنا الشيخ رفعت ياخدك لعالم تاني، لأفاق سماوية وروحانية، كأنك مش على الأرض.

= للدرجة دي الإحساس دا بيوصلك.

* وأكتر... تحس أن الصوت دا جاي من الجنة فتشعر بالنشوة والمتعة في قراءاته... دا غير بقى النطق السليم والحروف المشبعة والطلوع والنزول بالمقامات زي ماهو عايز. فتلاقي نفسك مستمتع بشكل مالوش مثيل. بحس بعدها زي ما أكون  نزلت على {ديك رومي} خلصت عليه لوحدي.

= ديك رومي!!

* أيوا يا سيدي ما تآخذنيش ما هو زي ما بيقولوا {الجعان يحلم بسوق العيش}.

أصبح الأخوان رأفت، ليس فقط من دائرة الأصدقاء المقربين، بل أكثر من الأشقاء مع الشيخ سيد، لا يكاد يفترق عنهما إلا للنوم، ولولا أنه {رجل البيت} لوالدته وأشقائه، لظل مع الشقيقين الليل قبل النهار، حتى صارت زيارته لهما طقساً يومياً، يحزنان عند مغادرته ويطلبان منه الانتظار ولو دقائق أخرى، ويهللان في اليوم التالي عند استقباله.

رحلة مع العود

لاحظ محمود رأفت رغبة الشيخ سيد الجامحة في تعلم {العود} فقد كان بيت الأخوين يضم عدداً من الآلات الموسيقية، سواء تلك التي يجيدون العزف عليها، كالكمان والقانون، أو غيرها مثل البيانو والعود، وما إن يجلس الشيخ سيد بعد التحية والترحيب، حتى تمتد يده رويداً رويداً كأنما لا تريد أن يلحظها أحد، فتمسك بالعود وتسلمه لأحضان الشيخ سيد، فيتلقفه بين ذراعيه كصديق التقاه بعد غياب، ثم يهز أوتاره فتحدث صوتاً يشبه الأنين، فيمسح على ظهره بيده ويبتسم ابتسامة حزينة، كأن ثمة لغة مشتركة بينهما لا يفهمها الشقيقان، غير أنهما ينظران إلى بعضهما البعض، وقد قرأ كل منهما ما في عين الآخر.

قرر الأخوان رأفت أن يقدما مفاجأة لصديقهما الشيخ سيد، فإذا كانت ظروفه المادية والمعيشية لا تسمح له أن يتعلم العزف على آلة العود كما كان يحلم، فإن ظروفهما تسمح لأن يحققا له هذا الحلم البسيط، ليس بأن يجلبا له من يدربه على آلة العود فقط، بل على كل الآلات الموسيقية لو أراد الشيخ سيد.

 لكنهما يعرفانه جيداً، ويدركان أن رفضه قد يكون الرد على المفاجأة، فعزة نفسه وكبرياؤه يقفان دائماً حجر عثرة في طريق محاولاتهما القيام بأشياء كثيرة معه، لدرجة أنه يرفض أن يستغل سيارتهما في تنقلاته الخاصة معهما، ما دام المكان الذي سيذهبون إليه يخصه هو في المقام الأول، غير أنهما قررا ألا يتراجعا عن القرار وهما يريانه كل يوم يزيد شوقه وحزنه لابتعاده كل هذا الوقت عن حبيبه {العود}:

= تعالَ يا شيخ سيد.

* يا سلام دا إيه المقابلة الرسمية دي. اشمعنى النهارده.

= لأن فيه مفاجأة علشانك النهارده.

* مفاجأة. أكيد ناوي تاخدني تعلمني السواقة.

= هاهاها... لأ دي لسه شوية عليها.. أنت هتتعلم حاجة تانية.. حاجة أنت بينك وبينها غرام قديم... وآن الآوان تتقابلوا مع بعض.

وجم الشيخ سيد بعدما كان يضحك ويبتسم.. يبدو أنه استشعر ما يقصده محمود رأفت، غير أنه انتظر حتى يأتيه اليقين:

= دا الأستاذ جاويش أستاذ العود. معلم نص الموسيقيين العزف على العود

* أهلا وسهلا يا أستاذ.

ـ أهلا يا ابني... اتفضل.

= من النهارده هيبدأ معاك الأستاذ... هيعلمك العزف على أصوله.

* أيوا بس... بس أنا.

= ماتبسبسش... دا قرار غير قابل للتفاوض.

أمام ضغط الأخوين رأفت اضطر الشيخ سيد إلى أن يخضع لرغبتهما في تحقيق أحد أهم أحلامه، غير أنه ما إن علم أن المدرب يتقاضى جنيهاً كاملاً في الجلسة الواحدة، وأن تدريبه قد يستغرق عدة سنوات، حتى ظل طيلة الليل يتعلم كل خبايا العزف وأصوله، ليختصر المدة التي من المفترض أن يتقن خلالها العزف على العود، فإذا كان قد قبل بهديتهما، فمن اللياقة ألا يطيل فترة التدريب، ولم تنقض الليلة حتى كان قد اتقن التدريب تماماً، بل إنه أدهش المدرب بتفوقه عليه.  

تخت خاص

ما إن انتهى الشيخ سيد من اتقان العزف على العود، حتى شرع في تكوين ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء المقربين له وللأخوين محمود وإسماعيل،  منهم فهمي عوض عازف قانون، ولطفي إبراهيم عازف ناي، والشيخ مصطفى المنشد، حيث كان لحفظه أغاني التراث الشرقي عامل أساسي في تكوين شخصيته الفنية واستمد منها مادة خصبة أفادته بشكل كبير، غير أنه أراد أن يكتمل شكله مع وضعه الجديد:

= معقولة يا شيخ سيد... عاوز تفصل بدلة.

* إيوا يا أمي... غلطت أنا لما فكرت في كدا؟

= لا يا حبيبي لا غلطت ولا حاجة. هم يعني الأفندية اللي بيلبسوا البدل أحسن منك.

* مش حكاية أحسن ولا أوحش..بيني وبينك أصل لما بروح مع محمود وإسماعيل حفلات بغني فيها... بحس بنظرات الدهشة في عينين الناس اللي بيسمعوني.. علشان كدا فكرت كتير قبل ما أخد الخطوة دي.

= ولا تفكر ولا تشغل بالك. من بكره هنزل اشتريلك حتتين قماش صوف إنكليزي محصلش.

* إنكليزي... هو مش كفاية مستوليين على أرضنا... كمان عايزاهم يستولوا على جسمنا. وبعدين كفاية حتة واحدة لحد لما ربنا يفرجها.

= أبدا والله ما أنا جايبه غير حتتين... وأهو كله من خيرك.

* طيب أنا نفسي في لونين بحبهم أوي... هتيلي حته لونها أخضر... وحتة لونها بنفسجي.

= أخضر وبنفسجي!! وتيجي ازاي دي يا بني.

* تيجي من شارع الأزهر.

= مش قصدي... بس أنا عمري ما شفت بدل لا باللون الأخضر ولا البنفسجي... معلش ممكن تبقى كحلي، سودة، بني، رمادي... لكن أخضر وبنفسجي... ما فيش.

* بس أنا بحب اللونين دول.

= وعرفتهم أزاي اللونين دول.

* قصدك يعني علشان ما شفتهمش... ولا حتى شفت غيرهم... بس اللونين دول بالذات أنا حسيتهم... حسيت الأخضر من ريحة الخضرة والزرع الصبح بدري. بحس أنا وهي زي بعض... وكمان الشمس لما تغيب والليل يدخل بيبقى قرص الشمس بنفسجي... لحظة جميلة أوي كنت أتمنى أشوف... لكن الحمد لله بحسها.

على رغم تأثر والدته بكلامه، ومدى عشقه للونين الأخضر والبنفسجي، فإنها لم تنصاع إلى رغبته، وقدمت له «بذلتين» من قماش فاخر باللونين «الأزرق والرمادي» وما إن ارتدى إحداهما حتى احتفى به أهالي الحي أيما احتفاء، ولم ينفروا منه في زيه الجديد، غير أنه لم يكن يرتدي «البذلة» إلا في المشاركات خارج الحي، فيما عدا ذلك فإنه ظل في الحي بزي «الكاكولا» الأقرب إلى ملابس الأزهريين.

فكر الشيخ سيد مكاوي في أن يكون فرقة من المشايخ الشبان الذين في مثل سنه أو أقل قليلا، ليقوم بإحياء بعض الليالي التي يحلو له فيها أن يجرب نفسه في الغناء أمام جمهور، وليس أمام بعض الأصدقاء والمقربين فقط، فقد اطمأن إلى أن صوته مقبول ويلقى صدى جميلاً لدى من يسمعه، لذا فقد أراد أن يختبر ذلك مع الجمهور في بعض الأدوار والأغاني التي حفظها من الأسطوانات القديمة في بيته أو بين الأخوين رأفت.

جاءت البداية من خلال عرس أحد أصدقاء الأخوين رأفت، والذي أقامه في حي المنيرة الواقع بين منطقتي «السيدة زينب» و{الناصرية»، فارتدى الشيخ سيد «البذلة» وتهيأ وأحضر له محمود رأفت «العود» وحرص على أن يشارك هو وشقيقه إسماعيل رأفت في «التخت» الموجود خلف الشيخ سيد، الذي جلس وانتظر أن يعم الصمت المكان، ثم بدأ العزف بمقدمة موسيقية استعرض فيها مهاراته في العزف على العود، ثم توقف وانتظر رد فعل الحضور.

(البقية في الحلقة المقبلة)

back to top