المال السياسي والفساد الأخلاقي

نشر في 23-07-2013
آخر تحديث 23-07-2013 | 00:01
 د. أسيل العوضي  في كل انتخابات تشهد الساحة السياسية جدلاً واسعاً حول موضوع المال السياسي، فهو سلاح تقليدي من أسلحة السلطة المتعددة للسيطرة على مخرجات العملية الانتخابية، وبالتالي السيطرة على قرارات المجلس النيابي، فتلجأ السلطة إلى ضخ الأموال لإنجاح مرشحيها وإسقاط معارضيها.

 إلا أن ما يثير الاستغراب هو ضخ الأموال بشكل غير مسبوق في الانتخابات الماضية التي غاب عنها معارضو السلطة بكل توجهاتهم، والحالية التي لا يشكل فيها المعارضون أغلبية تذكر، وأقصد هنا بالمعارضين هم المرشحون غير المحسوبين على أطراف معينة بالسلطة، ولم يمطر عليهم المال السياسي (وبالكويتي يعني اللي مو بالمخبة). فإذا كانت السلطة ضامنة لأغلبية نيابية موالية، وإذا كانت لها اليد العليا في إنجاح مواليها في كل دائرة، فما الحاجة لضخ الأموال؟ وهل نحن نواجه هنا فساد السلطة أم فساداً مجتمعياً؟

 أعتقد أن سلوك السلطة تاريخياً ومحاولاتها شراء الولاءات بالأموال خلقت جيلاً من السياسيين الذين يعملون كما يعمل التلفون العمومي، يتحدث بمقدار ما يدخل جيبه من الأموال؛ هذا الجيل من السياسيين هم من تعتمد عليه السلطة في حربها ضد المكتسبات الدستورية، وفي تخريب العملية الديمقراطية. وولاء هؤلاء يتحدد ويتجدد بمقدار استمرار الإمداد المالي، فهو ولاء للدينار وليس للسلطة، ويتبدل هذا الولاء متى ما تبدلت مصادر الأموال.

 سيد عدنان عبدالصمد ذكر في مقابلته قبل أيام على تلفزيون الراي أنه رأى نتائج المال السياسي في مواقف بعض النواب في المجلس المبطل الماضي، وأنه تلمس أن البعض يعلم بأنه نجح بأعجوبة، وأن فرصته في الثراء قد لا تتكرر (إلحق ما تلحق). نعم باتت التجربة النيابية أسهل الطرق للكسب غير المشروع والثراء السريع لكل متردية ونطيحة، وليت السلطة تعي أن هذه السياسة قد تنقلب عليها يوماً ما، فعبدة الدينار لا يؤتمنون.

إن ما تقوم به السلطة من محاولات جادة وحثيثة لإفساد الذمم والتشجيع على الانحرافات الأخلاقية، يلاقيها وبكل أسف قبولٌ واسعٌ من بعض فئات الشعب، فانتشار ظاهرة شراء الأصوات ينذر بحالة من الانحطاط الأخلاقي غير المسبوقة، وقبول المواطنين لبيع أصواتهم ودعم المرشحين القبيضة يدل على أن الالتزام الأخلاقي لم يعد معياراً للتقييم ولا معياراً للاختيار، يعني بالكويتي "مو فارقة معاهم إنت نظيف وإلا وصخ، المهم تمشي لهم شغلهم وتعطيهم المقسوم".

والكارثة أننا لسنا بصدد مواجهة فساد السلطة فقط، بل هو فساد مجتمعي مكتمل الأركان، والتصدي له ومواجهته أصعب بكثير من التصدي للسلطة.

back to top