لماذا نستبعد حرباً صينية أميركية في بحر الصين الجنوبي؟

نشر في 30-05-2013
آخر تحديث 30-05-2013 | 00:01
قبل تبني سياسة الاستدارة صوب آسيا، اتخذت الولايات المتحدة خطوات كي تقوي موقفها العسكري، ناشرةً المزيد من غواصات الهجوم النووية في منطقة المحيط الهادئ، وعاقدةً اتفاقات مع أستراليا تقضي بتبديل جنود البحرية الأميركية في منطقة داروين.
 إيست آسيا فوروم لا شك أن عناد الصين المتنامي في بحر الصين الجنوبي يشكّل تحدياً لسيادة الولايات المتحدة في المحيط الهادئ الآسيوي.

حتى قبل أن تُعلن واشنطن سياستها الرسمية الهادفة إلى إعادة موازنة قواها في المحيط الهادئ، اتخذت الولايات المتحدة خطوات كي تقوي موقفها العسكري، ناشرةً المزيد من غواصات الهجوم النووية في المنطقة، وعاقدةً اتفاقات مع أستراليا تقضي بتبديل جنود البحرية الأميركية في منطقة داروين. ومنذ ذلك الحين، نشرت الولايات المتحدة سفناً حربية تستطيع الاقتراب من الشاطئ في سنغافورة. كذلك تتفاوض بشأن اتفاقات جديدة للحصول على تفويض عسكري أكبر في الفلبين.

لكن هذه التطورات لا تنبئ بصراع مسلح بين الصين والولايات المتحدة، فقد توخت بحرية جيش التحرير الشعبي الحذر في تدخلها في نزاعات بحر الصين الجنوبي. كذلك حرصت الولايات المتحدة على ألا يقحمها حلفاؤها الإقليميون في هذه النزاعات مع الصين. لذلك يبدو الصراع المسلح بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي مستبعداً.

في السيناريو المحتمل الآخر، يتوصل كلا البلدين إلى تسوية مؤقتة تتيح لهما التعاون للحفاظ على الأمن في بحر الصين الجنوبي. فقد شددت إدارة أوباما مراراً على أن سياسة إعادة التوازن في آسيا لا ترمي إلى احتواء الصين. على سبيل المثال، صرّح أخيراً الأميرال سامويل ج. لوكلير الثالث، قائد القوات الأميركية في المحيط الهادئ: "انتقد كثيرون سياسة إعادة التوازن، معتبرين إياها استراتيجية احتواء. لكنها ليست كذلك... على العكس، إنها استراتيجية تعاون ومشاركة".

لكن مراجعة التفاعل العسكري الأميركي - الصيني في الماضي تشير إلى أن التوصل إلى اتفاق لإدارة أمن بحر الصين الجنوبي بشكل مشترك مستبعد بسبب عدم الثقة الاستراتيجية المتواصلة بين البلدين. ويعود ذلك أيضاً إلى تيارات النزعة الإقليمية التي تزداد قوة.

نتيجة لذلك، يُعتبر سيناريو ثالث أكثر احتمالاً من السيناريوهين الواردين أعلاه: تحافظ الصين والولايات المتحدة على علاقة تعاون واحتكاك. في هذا السيناريو، يعمل هذان البلدان بشكل منفصل ليضمنا مصالحهما من خلال مؤسسات متعددة الأطراف، مثل قمة شرق آسيا واجتماع وزراء دفاع آسيان (اتحاد دول جنوب شرق آسيا) ومنتدى آسيان البحري الموسّع. إلا أنهما ستواصلان التعاون في النقاط التي تلتقي فيها مصالحهما.

فقد حرصت وزارة الدفاع الأميركية دوماً على إبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع الصين من خلال آليات ثلاث راسخة: المحادثات الاستشارية الدفاعية، والاتفاق الاستشاري البحري العسكري، ومحادثات تنسيق السياسة الدفاعية.

لكن هذه الآليات المتعددة الأطراف لا تكشف الكثير عن العلاقات العسكرية الأميركية- الصينية. فقد مرّ التواصل العسكري-العسكري بين البلدين عبر دورات عدة من التعاون والتعليق، ما يعني أنه من المستحيل في الوقت الراهن عزل التواصل العسكري-العسكري عن الأطر السياسية والاستراتيجية.

إلا أن هذه القنوات حققت ما يلي: زيارات متبادلة مستمرة بين مسؤولي الدفاع الرفيعي الشأن، ومحادثات تشاورية دفاعية منتظمة، وتواصل الحوار العملي بموجب الاتفاق الاستشاري البحري العسكري، والاتفاق على "إجماع يضم سبع نقاط"، وغياب أي حوادث بحرية تُذكر منذ مسألة السفينة "يو إس إن إس إمبيكابل" عام 2009. كذلك ساهمت هذه القنوات في استمرار الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين العسكريين، وإطلاق الحوار الأمني الاستراتيجي كجزء من عملية الحوار الاستراتيجي والاقتصادي على المستوى الوزاري، والاتفاق على عقد اجتماعات بين خفر السواحل، والتوافق على مجموعة عمل جديدة تضع مبادئ تحدد إطار عمل التعاون العسكري-العسكري.

إذن، خلاصة القول إن الولايات المتحدة والصين، رغم التوتر المستمر في علاقاتهما، فإنهما ستواصلان التعاون معاً. لكن الطرفين يدركان أن التواصل العسكري-العسكري مكوّنٌ أساسي في تعاونهما الثنائي. فمن دون هذا التفاعل، تواجه المنطقة خطر أن يتفاقم انعدام الثقة بين الجيشين، ما يكون له انعكاسات سلبية على العلاقات الثنائية عموماً. لكن انعدام الثقة الاستراتيجي سيتواصل على الأرجح في ظل غياب شفافية أكبر في العلاقات العسكرية-العسكرية. إذن، من المحتمل أن تتسم العلاقات الصينية-الأميركية في بحر الصين الجنوبي بالتعاون والاحتكاك، ما يستبعد التوصل إلى تسوية مؤقتة بشأن التعاون، أو نشوب صراع مسلّح، وفق السيناريو الأكثر تشاؤماً.

Carlyle Thayer

* بروفسور فخري في أكاديمية القوة الدفاعية الأسترالية في جامعة نيو ساوث ويلز بأستراليا.

back to top