المخرج وليام فريدكن صريح كعادته

نشر في 01-05-2013 | 00:01
آخر تحديث 01-05-2013 | 00:01
No Image Caption
أخرج وليام فريدكن فيلمَي The French Connection و The Exorcistوفيلمَين آخرين أعدّ نصهما الكاتب ذائع الصيت ترايسي لتس (Bug وKiller Joe) وأصدر The Friedkin Connection (مذكراته الجديدة التي تتناول 50 سنة أمضاها في صناعة الأفلام)، فتح باب غرفته في الفندق فبدت الغرفة سيئة، فيما اكتفى بوصفها بكلمة «صغيرة». تنحى جانباً ليسمح لي بالدخول، وبدت على وجهه علامة الخيبة والاستسلام.

كان المخرج وليام فريدكن يضع نظارتين كبيرتين تذكران بمنتصف سبعينيات القرن الماضي، ويرتدي حذاء رياضيّاً، قميصاً أسود، وجوربين أسودين. لاحظت أن بنطاله يعلو خصره بكثير. أخبرني فريدكن أن غرفته أكبر بقليل من الشقة المكونة من غرفة واحدة التي ترعرع فيها في مدينة شيكاغو.

كانت طائرته قد تأخرت لأكثر من ساعة. ولا شك في أن هذه بداية غير واعدة لجولة الترويج لكتابه الجديد The Friedkin Connection. فاقترب فريدكن من النافذة المطلة على مطار أوهير وأسدل الستار. كان ذلك بعد ظهر يوم الأحد، وكانت حقيبته وسترته الجلدية المنتفخة ملقاتين على السرير.

يقصد فريدكن هذه المنطقة بضع مرات في السنة، حسبما أوضح، ليزور أقاربه وأصدقاءه. ترعرت زوجته، مدير شركة Paramount Pictures السابقة شيري لانسينغ، في حي «سوث شور» (وتبرعت أخيراً بخمسة ملايين دولار لجامعة شيكاغو في منطقة هايد بارك، التي تخرجت فيها عام 1962). مع أن فريدكن يبلغ اليوم السابعة والسبعين من عمره ويعيش مع لانسينغ في منطقة بيل آير في كاليفورنيا، ما زال يحتفظ ببعض من الصراحة المفاجئة والقوية التي صاغت شخصيته، كما شخصية فراسيس فورد كوبولا ومارتن سكورسيزي وعدد من المخرجين الآخرين الذين يُعتبرون مرادفاً لصناعة الأفلام في النصف الأول في سبعينيات القرن الماضي.

يحمل كتابه، الذي وضعه من دون الاستعانة بأي يوميات لأنه يؤكد أنه لا يدوّن يومياته، الكثير من صفاته: شاعري (يكتب: «انتهى عالمي دوماً إلى ضفاف البحيرة العظمى المتجمدة، فأقف مراقباً قطع الجليد الطافية كما لو أنها أحجيات كبيرة تتكسر تحت أشعة الشمس»)، متحفظ على الصعيد الشخصي (أخبرني: «هذه مذكرات مهنية. يستطيع فرانك لانجيلا أن يدوّن كتاباً عن كل الرجال والنساء الذين أقام علاقة معهم. لكني أرفض أمراً مماثلاً»)، وصريح يرفض تلطيف المسائل عموماً.

سألته عما إذا شعر بالانتعاش بعدما حقق نجاحاً متواصلاً مع فيلمَي Bugي (2006)2 وKiller Joe (2011)1) عقب عقد من خيبات الأمل، مع أنه كان يلقى نجاحاً كبيراً في مسيرته كمخرج أوبرا. أجابني: {لا أعلم عما تتحدث. أشعر بالانتعاش لأنني استحممت لتوي. دعني أوضح المسألة. بعد إخراجي فيلم The Exorcist قبل أربعين سنة، انقطعت عن العمل في السينما طوال أربع سنوات. فلم تثر أي قصة اهتمامي. بدأت أركز على حياتي الشخصية. فكنت سابقاً منهمكاً كثيراً في فيلم The Exorcist، مشرفاً على العناوين والترجمات إلى اللغات الأجنبية. كذلك ظللت طوال ستة أشهر اتصل مرتَين أو ثلاث مرات في الأسبوع بمسؤولي 26 دار سينما كانت تعرض الفيلم. فإذا قالوا لي إن سطوع الصورة على 15، فكنت أطلب منهم أن يجعلوها 16 أو أسحب الفيلم. ومن ثم أسألهم عن الصوت، فكانوا يجيبون أنه على 12، عندها آمرهم برفعه إلى 15، فيؤكدون لي أن الحضور يشتكي من أن حجم الصوت مرتفع جدّاً. وكنت أصر على رفعه إلى 15 وأهددهم بسحب الفيلم».

ثنائي ناجح

سألته عن كاتب السيناريو لتس، عن بداية علاقتهما، وعما جعلهما ثنائيّاً ناجحاً، فقال: «ماذا؟ لا يمكنني وصف هذه العلاقة بسهولة. نملك كلانا النظرة ذاتها إلى الأمور المزعجة، المضحكة، والمخيفة. نتشارك في نظرة واحدة إلى العالم. نرى الظلمة والنور في الشخص عينه. لهذا السبب، أبقى بعيداً كل البعد عن صانعي الأفلام اليوم. فلا أؤمن بالخير المطلق أو الشر المطلق. هل قرأت كتابي؟». أكّدت له أني قرأته، فأضاف: «إذاً، تعثر على كل ما تريده فيه».

لأبدّل الموضوع، سألته عن أفلامه الوثائقية التي قلما تُعرض، والتي بدأ بإعدادها خلال عمله في المحطة التلفزيونية WGN-TV، فذكر: {كان عصر البث التلفزيوني المباشر قد شارف على نهايته، خصوصاً في شيكاغو، عندما بدأت العمل في هذا المجال. لربما كنت أمضيت كامل حياتي في شيكاغو لو توافرت لي فرص أكبر للعمل. لكن فترات البث كانت تباع، وكانت أوقات بعض الظهر تُخصَّص للأفلام. لذلك فكرت أن الوقت قد حان للمضي قدماً، وتلقيت عرضاً للعمل في شركة لإنتاج الأفلام الوثائقية في كاليفورنيا}.

سألته عما إذا كان يشعر بثقة بنفسه، فقال: {لا أعلم عما تتحدث. لا يشعر الإنسان مطلقاً بالثقة بالنفس. اسأل فناناً عما إذا كان يملك اليوم ثقة بالنفس تفوق ما كان يتحلى به قبل ثلاث سنوات. من الصعب تنمية هذه الثقة. أجهل ما تقصده}.

لكنه أوضح لي أنه يتمنى لو أنه كان مخرج أفلام في استوديوهات هوليوود في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، «معدّاً أفلام شركة MGM الموسيقية، مثل Singin’ in the Rain

وAn American in Paris». وأضاف: «عندما دخلت عالم الأفلام، ما عاد أحد يكتب أغاني كهذه، أو يرقص بطريقة مماثلة. كان الفن قد فَقَد براءته. لذلك أخرجت الأفلام التي كانت متوافرة حينذاك. لكنني لو كنت مخرجاً في تلك الحقبة لأنتجت المزيد من الأفلام ولبرعت أكثر في الإخراج. فكلما مارست عملاً ما، أتقنته. لكننا اليوم نضطر إلى البدء من جديد مع كل فيلم. آنذاك، كانوا يعملون مع الفريق عينه. أما اليوم، فتُرغم على تجميع فريق جديد كل بضع سنوات، إن أمكن».

قلت له إن عليه التوجه قريباً إلى صالة السينما، وأضفت مازحاً أنني أود أن أسمع بعض قصص الرعب من السبعينيات. ولكن ما كان علي أن أتفوه بأمر مماثل أمام وليام فريدكن. ردّ: «ماذا؟». فأوضحت له أنه يذكر في كتابه أن بعض الناس يعتبرون العمل معه صعباً. أجابني: «أعطني جملة من الكتاب. أنت تختلق هذه الأمور». فأكدت له أنني لا أذكر العبارات بحد ذاتها الواردة في كتابه.

أتذكر اليوم أن الكتاب، الذي يتألف من 500 صفحة، يضم فصولاً بعناوين مثل «الغرور» و»الصعود إلى الهاوية»، يُظهر عجرفة هذا المخرج وتنفيره شركات الإنتاج أحياناً، يشير إلى صفعه ممثلين، يصف التفاصيل المروعة لتصويره المطاردة الشهيرة في فيلم The French Connection من دون الحصول مسبقاً على إذن، ويشمل عبارة «ظننت أنني مضاد للرصاص». كذلك يُظهر الكتاب أن المخرج (يوفّر على نفسه بعض الإحراج) لم يقدّر فيلم Jaws وأنه أخبر كوبولا أنه لا يفهم هدف جورج لوكاس من فيلم Star Wars.

سألني: {التعامل معي صعب؟ كيف عساي أجيب عن سؤال مماثل؟ عنيت كل ما ذكرته في كتابي. وأنا واثق من أن التعامل معي ليس صعباً دوماً. ولكن يسرني أن أجيبك الآن أو لاحقاً على حادثة محدّدة، ولكن لا تتوقع مني أن أختلق القصص. لا أعلم عما تتحدث. انتقدت نفسي بشدة في الكتاب، فلا أنسب المديح كله لنفسي ولا أتحمل اللوم كله أيضاً، ولا يعتبرني الجميع صعب المراس}.

وتابع في السياق عينه: «إن كنت تسأل: مَن يعتبرك صعباً؟ أؤكد لك أنني لا أعرف الجواب. فتقول: يبدو أنك تشير في كتابك إلى أنك صعب المراس. ماذا دوّنت في كتابي؟ حاولتُ أن أرسم صورة صادقة عن نفسي. هل تنوي أن تكتب مقالاً مليئاً بالتخمينات؟... فهمت. تظن أن التعامل معي الآن صعب لأنني لا أملك أجوبة سهلة جاهزة. تفكّر: هذا الرجل صعب المراس. لا أملك أجوبة معلبة. ولكن يمكنك أن تقتبس ما تشاء من أقوالي».

أوضحت له أن سؤالي بريء، فقال: «لا أرى تعريفك هذا دقيقاً. هل أملك رؤية وأحاول تحقيق هذه الرؤية من خلال تصويري فيلماً؟ نعم بالتأكيد. هيا! احمل هذه الحقيبة. علينا الانطلاق».

انطلقنا بالسيارة إلى الحي المجاور قاصدين مسرح Muvico Theaters Rosemont 18. رحب بنا مدير الحفلات في المسرح، مايك كرز، وقد بدا متوتراً جدّاً وبالغ التهذيب. قال: «مرحباً! سيد فريدكن، يا له من شرف!». ثم طمأنه إلى أنه أمضى اليومَين الماضيين في جمع هذه النسخة الجديدة من فيلم Sorcerer. فأجابه فريدكن: «هذا ممتاز!».

اقترب منا رجل مسن، فاتسعت عينا فريدكن. صاح الرجل: «نعم!». فتعانقا، تبادلا القبل، واحتضنا أحدهما الآخر. كان الرجل موري لويد، ممثل عمل مع فريدكن. كان يحمل معه ملصق مسرحية كتبها فريدكن وأخرجها منذ زمن في مسرح في شارع 53. لم يتقابل الرجلان منذ 40 سنة. أخبر لويد فريدكن أنه بلغ اليوم الرابعة والثمانين من عمره، وأنه لم يصدقه حين أخبره أنه ينوي الانتقال إلى هوليوود. ضحك فريدكن وسأله عن أحواله، فأجاب: «أنا متقاعد الآن». لكن فريدكن سارع إلى القول: «أنا لست كذلك. لن أتقاعد مطلقاً، مطلقاً».

back to top