الحب ساحة قتال... هل تحارب «طالبان» أميركا بالزواج؟

نشر في 14-02-2013 | 00:02
آخر تحديث 14-02-2013 | 00:02
كان محمد والي يعمل في إيران منذ سبعة أشهر، عندما قرع إمام المسجد المحلي في الصباح الباكر بوابة منزل عائلته في موطنه في ولاية هلمند. فتحت والدة والي الأرملة الباب، فقال لها: «اتصلي بولدك ليعود إلى وطنه. ثمة منظمة تساعد الشبان على الزواج».
في أفغانستان، البلد المحافظ جدّاً، خصوصاً في مناطقه الجنوبية، ما زال الزواج يُعتبر إلى حد كبير مجرد متنفس جنسي للشبان. فمع بلوغ البطالة نحو 35% وتخطي المهر متوسط الدخل الشهري بنحو 50 مرة، ازدادت صعوبة الحصول على زوجة. أدرك والي ألا أمل له بالزواج إن بقي في موطنه غريشك، المنطقة الأعنف في أفغانستان، فاختار الدرب الطويل: العمل في إيران ليحظى بزوجة. لكن كثيرين يفضلون درباً أقصر.

يشعر شبان كثر في أفغانستان بالاستياء لإخفاق حكومتهم في تأمين الوظائف أو خفض معدلات المهر، ما يجعلهم أكثر عرضة للانضمام إلى حركة طالبان. وفي المناطق الكثيرة الاضطرابات في هلمند، لا تُعتبر حركة التمرد ظاهرة غربية. فقد يكون القريب أو الجار أحد هؤلاء المتمردين، ما يجعل هذه الحركة متأصلة عميقاً والانضمام إليها بالغ السهولة. كذلك صعّدت حركة طالبان عملياتها النفسية، مقدمةً نفسها كبديل لعيوب نظام كابول كافة، ومصوّرةً ساحة المعركة كمتنفس للغضب المكبوت.

يُعتبر الزواج في أفغانستان وسيلة للجم الشبان الذين يكونون في أوج حيويتهم، فغالباً ما يتغاضى البالغون عن نوبات غضب هؤلاء في المنزل، مثل رمي طبق الطعام بعد جدال أو صفع الباب بقوة، معتبرينها مجرد تعبير عن رغبتهم في الزواج. ويبدو أن الإقرار بهذا الرابط بين الطاقة الجنسية والطاقة العنيفة محفور في أسس الثقافة الأفغانية. لكن العلم أيضاً يشير إلى هذا الرابط.

تعود فكرة أن الكبت الجنسي قد يتطور إلى ردود فعل عنيفة إلى سيغموند فرويد، الذي ذكر في نظريته أن إيروس (الحب) وثاناتوس (العدائية أو غريزة الموت) هما الدافعان الرئيسان وراء سلوك الإنسان. ولا يزال العلماء اليوم يقرون بقوة الرغبة المدمرة.

جيف فيكتوروف بروفسور في طب الأعصاب السريري وعالم نفس في جامعة جنوب كاليفورنيا وخبير في أوجه الإرهاب النفسية، يقول من خلال خبرته في هذا المجال: «يشكل الكبت الجنسي جزءاً من حافز الإنسان القوي إلى الاستمرار والتكاثر». لكنه يؤكد أن غياب العلاقات الجنسية لا يؤدي بكل بساطة إلى العنف، بل غريزتنا الأساسية للاستمرار والتكاثر. يوضح: «عندما يرى شاب أن احتمالات نجاحه في مجال الاستمرار والتكاثر محدودة بسبب قضية سياسية، يكون أحد ردود فعله (وفق طباع الفرد) البحث عن سبل أخرى إلى تلك الحاجة التطورية الفطرية المتأصلة باللجوء إلى المتطرفين سياسيّاً».

تستغل حركة طالبان هذه الغريزة، مقدّمة للشاب صون كرامته في هذه الحياة ومكافآت جزيلة في الحياة الأخرى. لكن المسألة لا ترتبط بالجنس فحسب، فطالبان ليست حركة تمرد بحتة بل تحاول تصوير نفسها على أنها حكومة ظل، واعدةً بمنح المواطنين الحاجات الأساسية التي تقصّر الحكومة عن تأمينها. كذلك تحوّل التخلص من الفساد في كابول إلى ركيزة في حرب هذه المجموعة النفسية، التي اعتبر أحد المسؤولين الأفغانيين البارزين أخيراً أنها تشكّل 80% من حرب طالبان.

تنفي حركة طالبان فكرة أنها تستغل الشبان الضعفاء. يوضح المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد أن حركته تخوض حرباً اقتصادية غير متكافئة، فضلا عن أنها لا تملك الموارد لتساعد الشبان على الزواج. رغم ذلك، يقر: «إذا بلغنا مرحلة نستطيع فيها مساعدة الشبان على إيجاد الوظائف وتخطي مشكلة نفقات الزواج الباهظة، فلن نتردد».

في المناطق المُدنية في كابول، تتوافر طرق أخرى لتنفيس الطاقة الجنسية. تقدّم جامعة خاتم النبيين الدينية مثلاً برنامج تمارين لهذا الهدف تحديداً. عميد الجامعة عبد الهادي محسني، الذي يدّعي أنها بُنيت بنحو 13 مليون دولار من الأموال النقدية المتبقية من الجهاد ضد السوفيات، يذكر: «ينصح الإسلام بممارسة الرياضة يوميّاً، لكننا في الجامعة نعتبره مطلباً ملزماً. يحتاج الشخص إلى إطلاق الطاقة المكبوتة داخله، وإلا قادته إلى تجارب لا تُحمد عقباها».

تشكّل العلاقات عبر الهاتف متنفساً آخر. فضلاً عن تبادل الرسائل النصية باستمرار، يهمس الشبان في هواتفهم حتى وقت متأخر من الليل، فقد شهدت الهواتف الخلوية ارتفاعاً ملحوظاً في هذا البلد، إذ يبلغ عدد المسجلة منها اليوم أكثر من 17 مليوناً، مقارنة بعام 2002 حين كان أقل من 1% من الأفغان يملكون وسائل اتصال لاسلكية. أما مَن لا يحظى برفيقة ثابتة له، فيمكنه اللجوء دوماً إلى ذلك الصوت الشاب في أحد مراكز اتصال شركات الهاتف التي نما عددها في العقد الماضي. يقول شاب يعمل في شركة «اتصالات» (إحدى شبكات الهاتف الخلوي المزدهرة في البلد)، والابتسامه تعلو وجهه: «يملك الشبان الذين يعملون في مراكز الاتصال أكبر عدد من الصديقات».

المناطق الريفية

لكن في المناطق الريفية التقليدية في هلمند، ما من متنفس آخر غير الزواج. لا يعود البرنامج المبتكر الذي ساعد والي ليتزوج إلى عملية محاربة التمرد الأميركية وأموالها الكثيرة أو جهود الحكومة الأفغانية، بل إلى تعاون بين منظمة غير حكومية مغمورة ومنظمة شبابية أفغانية. خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، سجّلت Comfort Aid International، جمعية خيرية إسلامية مقرها في تكساس، أكثر من 50 زوجاً في ولاية هلمند.

تعتمد الجمعية على الشبكات المحلية (مثل حركة شبان أفغانستان)، فضلاً عن رجال الدين وزعماء القبائل المحليين لإعداد لائحة بالشبان الذين يفتقرون إلى الموارد ليتزوجوا. وقد اختارت غريشك لأن سكانها عانوا الأمرين خلال العقد الماضي، فضلاً عن أن وضعها الاقتصادي المأساوي يجعل شبانها أكثر عرضة لإغراءات طالبان، وفق خليل بارسا من حركة شبان أفغانستان.

بعد أن أُدرج اسم والي في اللائحة، جاء الإمام يقرع بابه. لم يستطع والي خلال الأشهر السبعة التي أمضاها في إيران ادخار أكثر من ألف دولار، ربع المهر الذي يُفترض به دفعه لعائلة العروس. لكن الجمعية عرضت تغطية تكاليف الزواج لخمسين زوجاً، وحضت عائلات الفتيات على التساهل في المهر أو خفضه إلى حد كبير. وهكذا نال والي مبتغاه.

رغم التفاؤل الكبير الذي أحاط بهذا البرنامج، لم يحضر إلى مراسم عقد القران سوى 38 زوجاً. فقد ساورت كثراً شكوك حول هذه الخطة. كذلك خافوا أن تتحول الحفلة بحد ذاتها، التي تتمتع بدعم الحكومة، إلى هدف رئيس لمتمردي طالبان، لأنهم لا يزالون ناشطين في المنطقة. لكن الأزواج الذين حضروا واجهوا مزيداً من العراقيل: لم ترضَ عائلات الفتيات بالتساهل في مسألة المهر، رغم الوعود التي قطعتها. في حالة والي، أصرت العائلة على تقاضي المهر كاملاً: 3500 دولار.

بفضل ما ادخره من عمله في إيران وثمن أرض باعها، تمكن والي من دفع 2500 دولار مقدماً. لكن والدته توضح وعلى فمها ابتسامة مرّة: «صباح يوم الزفاف، رفضت العائلة السماح للفتاة بالتوجه إلى صالون التجميل حتى أعطيناها الألف دولار المتبقية».

رغم ذلك، أُقيمت الحفلة، فاصطفت أمام المسجد في غريشك 38 سيارة مزينة بالأزهار والشرائط. وبعد إلقاء الخطابات، أقيم غداء صغير، وتم توقيع وثائق الزواج، ثم خرج 38 زوجاً من المسجد، ركبوا السيارات، وانطلقوا إلى حياة جديدة.

بالنسبة إلى هؤلاء الشبان، صارت احتمالات أن تشمل حياتهم الجديدة القتال إلى جانب طالبان ضئيلة. فلم يحقق هذا الزواج الجماعي الغاية الأساسية منه فحسب، ألا وهي الزواج، بل أدخل أيضاً الشبان إلى حياة جديدة تكثر فيها الالتزامات العائلية التي تصعّب عليهم الانضمام إلى حركة التمرد. كذلك ساهم هذا الزفاف الجماعي في خفض معدلات المهر بعض الشيء. يذكر سعيد صالح، أحد منظمي الزواج، وهو يبتسم: «بات الناس قلقين من أن حفلات الزواج الجماعية هذه تفسد سوق بناتهم. لذلك يريدون تزويجهن بسرعة».

back to top