لِمَ يجب أن تقاضي فلسطين إسرائيل في لاهاي؟

نشر في 06-02-2013
آخر تحديث 06-02-2013 | 00:01
من الطبيعي أن يشعر القادة الإسرائيليون بالخوف... فقد بات بإمكان المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة مقترفي الجرائم الدولية الكبيرة التي ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية منذ تأسيس المحكمة في الأول من يوليو عام 2002.
 نيويورك تايمز أعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي الأسبوع الماضي أن الفلسطينيين "سيلجؤون إلى المحكمة الجنائية الدولية"، إن تابعت إسرائيل تنفيذ خططها لبناء مستعمرات في المنطقة الخالية المعروفة بـE1، التي تقع بين القدس الشرقية الفلسطينية ومستعمرة "معاليه أدوميم". وأضاف: "لا خيار آخر أمامنا".

أخفقت محاولة فلسطين الأولى الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية في أبريل الماضي عندما رفض مدعي عام هذه المحكمة، لويس مورينو أوكامبو، طلبها متذرعاً بأنها ليست دولة، لكن حالة الغموض هذه تبددت بعدما منحت الأمم المتحدة في شهر نوفمبر الماضي فلسطين صفة دولة مراقبة غير عضو، ولا شك أن الدافع وراء معارضة إسرائيل الشديدة لرفع التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة كان الخوف من أن يؤدي ذلك إلى إدانة المحكمة الجنائية الدولية ما يدعي الفلسطينيون أنه جرائم حرب.

من الطبيعي أن يشعر القادة الإسرائيليون بالخوف، فبات بإمكان المحكمة الجنائية الدولية ملاحقة مقترفي الجرائم الدولية الكبيرة التي ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية منذ تأسيس المحكمة في الأول من يوليو عام 2002.

منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، حاولت قوات الدفاع الإسرائيلية، بتوجيه من محاميها العسكريين، تغيير قوانين الحرب بانتهاكها عمداً، ومن ثم ابتكار مفاهيم قانونية جديدة تؤمن غطاء قضائيّاً لانتهاكاتها. على سبيل المثال، ألقت عام 2002 طائرة حربية إسرائيلية من طراز "إف-16" قنبلة زنتها طن على مبنى سكني في حي مكتظ بالسكان، قاتلةً القائد العسكري في "حماس" صلاح شحادة، فضلاً عن 14 شخصاً آخرين، بينهم زوجته وسبعة أولاد تحت سن الخامسة عشرة. وفي عام 2009، قتلت المدفعية الإسرائيلية أكثر من 20 عضواً من عائلة الساموني كانوا قد لجؤوا إلى مبنى في منطقة الزيتون في مدينة غزة بأمر من الجنود الإسرائيليين. وفي السنة الماضية، قتلت الصواريخ الإسرائيلية مصورَين فلسطينيين يعملان في "محطة الأقصى" التلفازية، ويمكن لكل هذه الأعمال والكثير غيرها أن يدفع بالمحكمة الجنائية الدولية إلى فتح التحقيقات.

أكد الرئيس السابق لشعبة القانون الدولي في الجيش الإسرائيلي، دانيال رايسنر، عام 2009: "يتطور القانون الدولي من خلال الانتهاكات. ابتكرنا مفهوم الاغتيال المستهدف، وكان علينا السعي إلى ترسيخه. واجهنا في البداية عقبات صعبت علينا إدراجه بسهولة في الأطر القانونية، ولكن بعد مرور ثماني سنوات بات اليوم في قلب الأطر الشرعية".

أصاب العقيد رايسنر بقوله إن القانون الدولي المتعارف عليه يقوم على ممارسات بعض الدول تعتبرها دول أخرى قانونية، لكن قليلين يعتبرون الاغتيال المستهدف قانونياً، شأنه في ذلك شأن محاولات إسرائيل الأخرى لتحديث القانون الدولي.

صنّفت إسرائيل صداماتها العسكرية مع الفلسطينيين بأنها "صراع مسلح يكاد يتحول إلى حرب"، بدل أن تعتبره أعمالاً بوليسية تمارسها دولة محتلة، متيحة بذلك للجيش الإسرائيلي استخدام طائرات "إف-16" وغيرها من الأسلحة الفتاكة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

علاوة على ذلك، اعتبرت الأفراد الذين لا يغادرون منطقة مستهدفة بعد تحذيرهم "دروعاً بشرية متطوعة"، ما يجعلهم عرضة لاعتداء مبرر، مع أن التحذيرات قد لا تكون فاعلة وسبل الهرب غير متوافرة للضحايا.

كذلك تعامل إسرائيل موظفي "حماس" المدنيين (بمن فيهم رجال الشرطة، والقضاة، والكتّاب، والصحافيون، وغيرهم) كمقاتلين لأنها تزعم أنهم يدعمون "بنية تحتية إرهابية"، ولا تأبه بأن القانون الدولي الحالي لا يعتبر المدنيين "مقاتلين" إلا عندما يحملون السلاح.

قد تعرض كل هذه الممارسات المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين للملاحقة القضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وللتوضيح، تستند هذه الملاحقة إلى أعمال محددة، لا ممارسات عامة، لكن تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، التي يوضحون فيها سياساتهم، قد تقدم الدليل على أن أعمالهم متعمدة لا حوادث حرب وقعت مصادفة.

لا شك أن إسرائيل قلقة بشكل خاص بشأن الملاحقات القضائية بسبب سياستها الاستيطانية، فرغم كل التهديد الإسرائيلي، لا شك أن المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، خصوصاً في القدس الشرقية، غير قانونية. يدرك المسؤولون الإسرائيليون هذا الواقع منذ عام 1967، حين كتب تيودور ميرون، الذي كان آنذاك مستشاراً قانونياً لوزير الخارجية الإسرائيلي وأصبح لاحقاً رئيس محكمة الجزاء الدولية ليوغوسلافيا سابقاً، إلى مساعدي رئيس الوزراء ليفي أشكول: "أستخلص أن المستوطنات المدنية في الأراضي المُدارة تتعارض مع المواد الصريحة لاتفاقية جنيف الرابعة".

وفق النظام التأسيسي للمحكمة الجنائية الدولية، تُعتبر الانتهاكات الواضحة لاتفاقيات جنيف، بما فيها إقامة المستوطنات المدنية في أراضٍ محتلة، جرائم حرب.

على فلسطين اليوم تجديد طلب انضمامها إلى هذه المحكمة عن طريق الأمين العام للأمم المتحدة، وإذا افترضنا أن هذا الطلب قُبِل، فلن تبدأ التحقيقات بجرائم الحرب التي تدعي أن إسرائيل ارتكبتها تلقائياً. يجب أن يتضح للمحكمة الجنائية الدولية أولاً أن محاكم إسرائيل تخفق في التحقيق بفاعلية في هذه التهم. علاوة على ذلك، يواجه الفلسطينيون، بدعوتهم المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في ما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة، خطر أن تتوسع هذه التحقيقات أيضاً لتشمل انتهاكاتهم هم المحتملة، مثل الاعتداءات المتعمدة على المدنيين الإسرائيليين.

إذا نجح الفلسطينيون في حمل المحكمة الجنائية الدولية على التحقيق في معاناتهم، فقد تخضع حملة إسرائيل لتحوير القانون الدولي واستغلاله لمصلحتها لمراجعة قضائية دولية، ونأمل أن تُكبح. فلا شك أن محاولات إسرائيل الخطرة لتجديد القانون الدولي، إن قُبلت، ستوسع نطاق أعمال العنف المقبولة ليشمل الأفراد والأماكن الذين كانوا محميين سابقاً. كذلك ستقلب القانون الإنساني الدولي رأساً على عقب. ومن المؤكد أننا لا نريد عالماً يتحول فيه الصحافيون إلى ضحايا بسبب آراء أرباب عملهم.

إذا كان على المجتمع الدولي الاختيار بين انتفاضة فلسطينية قانونية تُطرح خلالها الحجج في المحكمة وانتفاضة فعلية تُسفك خلالها الدماء في الشارع، يجب أن ينتقي الخيار الأول.

سيسدي الفلسطينيون معروفًا لأنفسهم وللإسرائيليين والمجتمع الدولي باللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومن المؤكد أن معاقبة إسرائيل على انتهاكاتها الواضحة للمعايير القانونية سيعزز السلام في الشرق الأوسط ويساهم في صون نزاهة القانون الدولي.

George Bisharat

*بروفيسور في كلية هاستنغز للحقوق في جامعة كاليفورنيا.

 

back to top