خواطر شريرة لعقل بريء

نشر في 23-07-2013
آخر تحديث 23-07-2013 | 13:01
 باسم يوسف يا الله أما آن لهذه الغمة أن تنكشف؟

أما حان الوقت أن ينصر الله دينه؟

كم من الصدمات التي يجب أن يتعرض لها عقلي؟

كم من الاختبارات يجب أن يتعرض لها يقيني وإيماني؟

مرت هذه الأفكار في ذهني في الوقت الذي يمر علينا الأخ الفاضل باللافتات المكتوبة باللغة الإنكليزية، لا أعرف ما هو المكتوب على هذه اللافتات ولكن لا يهم المحطات الأجنبية جاءت لتغطي فعاليات اعتصامنا في رابعة ويجب أن نوجه رسالتنا لأميركا وأوروبا.

نعم كان يقول لنا شيوخنا إنها دول كافرة فاسدة يتم السيطرة عليها بالإعلام الصهيوني النجس، ولكن نفس الشيوخ يقولون لنا إنه من المهم أن نطلب مساعدتها، لا يهم الوسيلة، المهم الغاية، المهم نصرة الإسلام.

ألم نهتف الأسبوع الماضي مهللين مرحبين بخبر توجه سفينتين حربيتين إلى شواطئنا "يا أميركا حررينا"، ألا يعد ذلك استقواء بالغرب الفاجر؟ أليست هذه التهمة التي طالما ألصقها شيوخنا بأعداء الإسلام كالبرادعي وحمزاوي وهؤلاء النصارى عبدة الصليب؟

لكن لا يهم، فالغاية تبرر الوسيلة، ألسنا ندافع عن الإسلام؟

مر بجانبي شخص بملامح مختلفة عن باقي الموجودين هنا كأنه من خارج المكان والزمان... ينظر إلى اللافتات التي بأيدينا وإلى الكاميرات وإلى فعاليات المنصة ثم ينظر إلي كأنه يقرأ أفكاري ويبتسم، يخرج مدونة صغيرة وقلما ويكتب شيئاً ما.

من هذا؟

لا يهم، إحنا في إيه وإلا في إيه؟ أرفع اللافتة كمسلم مخلص لمنهجي السلفي، فأنا  كسلفي مطيع لشيوخي لا أرد لهم فتوى أو رأياً، أتذكر حين كان شيوخي يقولون لي إن "الإخوان" جماعة ضالة مبتدعة ثم أجد نفس هؤلاء الشيوخ على منصة واحدة مع قيادات نفس الجماعة بعد الثورة... لا أستطيع أن أفسر متى وكيف تغير موقف هؤلاء الشيوخ من الفتوى بعدم الخروج على الحاكم إلى التشدق بمبادئ الثورة، من تحريم الديمقراطية والانتخابات ومشاركة المرأة إلى السعي بكل قوة للحصول على كل صوت لذكر كان أو أنثى.

أتذكر شيوخ الدعوة السلفية يوصونني بالتصويت لأبو الفتوح وليس محمد مرسي المرشح "الإسلامي"، فأجد نفسي في نفس معسكر اليساريين الكفرة الذين صوتوا لأبو الفتوح. ثم تأمرني قياداتي بأن أقف بجانب مرسي في الإعادة في حين يجلس ياسر برهامي مع شفيق سراً فيكذب ويكذب حتى يعترف أنه فعل ذلك.

أتذكر الصالة المغطاة باستاد القاهرة حيث أعلن رئيسنا المسلم الجهاد في سورية وسانده وعضده شيوخي وعلمائي، نعم أتذكر هذا المؤتمر، حيث رددنا "آمين" والشيخ عبدالمقصود يدعو على أعدائنا وأعداء الدين.

أتذكر شيوخي وعلمائي وهم يعدوننا للمعركة المقبلة لمعركة "تلاتين ستة"، ولكن يا إلهي، ما هذه الأعداد التي نزلت إلى الشارع؟ كنا نعرف أن هناك كفاراً في البلد ولكن كيف لمصر الإسلامية أن يعيش في جنباتها كل هؤلاء المشركين والملاحدة وأذناب الكنيسة كما يقولون لنا؟

حسناً هي إذاً معركة شرسة على الإسلام ولكن الله غالب على أمره، ألم يكونوا يقولون لنا إنه إن سقط مرسي والإخوان فسيسقط الإسلام؟ لا يهم الكلام عن جماعة مبتدعة وضالة الآن، التعليمات الجديدة تقول إن سقوطهم يساوي سقوط الإسلام، وسقط مرسي.

أين شيوخنا؟ أين علماؤنا الذين كانوا في حضرة الرئيس المسلم منذ أسابيع؟ ألن يقفوا في وجه هذا العدوان الصارخ على الإسلام؟ لابد أنهم ممنوعون من الظهور، ولكن ها هو صفوت حجازي يعلن أنه ليس هناك شيء يمنعهم ويتهمهم بالتعاون مع السلطة الانقلابية أعداء الإسلام، شيوخنا يجلسون في البيوت ويتركوننا في هذه المعركة وحدنا؟ لا غير صحيح، لا يمكن أن يكون صحيحاً، ولكن ها هو  حزب النور الذراع السياسية للدعوة السلفية يجلس وراء وزير الدفاع وهو يقرأ بيان عزل رئيسنا المسلم، كيف يجلس أعضاء حزب النور مع أعداء الإسلام بينما قياداتهم وقواعدهم معنا هنا في رابعة التي قاطعها شيوخهم؟

أليس من هؤلاء الشيوخ محمد حسين يعقوب الذي صرخ فينا "لديكم رئيس ملتحٍ حافظ لكتاب الله، ألا تكبرون؟".

ألم يكن بينهم الشيخ العلامة محمد حسان الذي قال لنا إن مرسي لديه شرعية نبوية وشرعية قرآنية؟ أليس الأولى به أن يقود حربنا لاسترجاع الإسلام؟ ألم يدعُ الشيخ حسان للجيش في وقفة عرفات منذ عام مضى؟ أليس هؤلاء الذين أعلنوا الولاء والمبايعة للمشير طنطاوي؟ ألم نهتف من التحرير للمشير بأنه الأمير؟ فكيف نهتف بأن الجيش عميل وخائن اليوم؟

عقلي يكاد ينفجر، وأنا أجلس الآن مع أخي الإخواني، نتجاذب أطراف الحديث، نسترجع سوياً النبوءات والتجليات والبشائر التي كان يزفها إلينا الشيوخ على منصات التحرير ثم رابعة.

أتذكر الشيخ أبو الأشبال وهو يحذرنا: ان من لم ينتخب أبو إسماعيل فهو آثم، نعم، وكان هناك شيخ آخر بالتحرير يحدثنا بالرؤيا التي رأى فيها أحدهم الرسول وهو يدخل المسجد النبوي ويسأل عن أبو إسماعيل ويقول إن الله راضٍ عنه.

يذكرني أخي الإخواني بكل هؤلاء الشيوخ الذين حذرونا أيضا أن من لم يصوت بنعم على الاستفتاء ومن لم يصوت لمرسي فهو آثم قلبه أيضا.

نسترجع معا هذا الفيديو الذي يقسم فيه الشيخ أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) قد قدم مرسي عليه لإمامة الصلاة؟

ألم يطلع علينا شيخ آخر ببشرى أن جبريل يصلي معنا في رابعة؟

ألم نهلل لهذا الشيخ الثالث ويحكي رؤيا ينام فيها الرسول على فخذه ثم يظهر مرسي فينام على فخذه الآخر؟

صديقي الإخواني لا يقل عني حيرة، كم سمع من قياداته هذه الخطب التي تشبّه مرسي وخيرت الشاطر بسيدنا يوسف وسيدنا لقمان بل بالرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)؟

يتساءل معي كيف بعد كل هذه التشبيهات بالأنبياء والرسل والصحابة ووقوف جبريل والملائكة وإرادة الله معنا، كيف نهزم بعد كل ذلك؟

أنكون على ضلال؟

أتكون هذه البشائر كاذبة؟ ولكن الشيوخ لا يكذبون، إنهم أهل العلم، إنهم أولو الأمر، ربما يكونون قد غيروا بعض الحقائق ولكن كان هناك دائما مبرر شرعي. ألا نسعى كلنا لإقامة الدولة الإسلامية حتى لو كان بالكذب والغش وتغيير المواقف؟ المهم درء المفاسد، المهم أن نصل إلى مبتغانا.

أمرونا أن نقطع الطريق على الطرق وكوبري أكتوبر، نعم هذا مخالف للعقيدة وحديث إماطة الأذى عن الطريق، ولكن لا يهم، المهم أننا سنقوم بأداء صلاة التراويح بعرض الكوبري حتى يأتي الأمن المركزي ويقوم بتفريقنا، ليس هناك أفضل من تصوير العنف مع المصلين لإثارة المشاعر الدينية عند المصريين.

جلست في ركن بعيد وأنا أتذكر كم الوعود التي أخلفت، والأحلام والتنبؤات والرؤى التي يظهر فيها الرسول يؤيد رموزنا وقادتنا، أتذكر الألعاب السياسية من رفض القرض الربوي  إلى اللهاث وراء قبوله، من الهجوم على أميركا الكافرة إلى شهر العسل معها بل الاستقواء بها وهتافنا في رابعة  "يا أميركا حررينا".

أجلس هنا وأنا منهزم ومنكسر لهزيمة الإسلام في مصر كما قالوا لنا، لم يبق مسلم حق خارج حدود رابعة، لا يمكن أن نعود إلى بيوتنا وإلا معنى ذلك أن الله تخلى عنا وعن دين الإسلام، لا يمكن أن يحدث هذا، أيعقل أن شيوخنا الأطهار قد تلاعبوا بنا؟ هل يمكن أن يكذبوا في أمر جلل كرؤية الرسول في المنام وهو القائل صلى الله عليه وسلم: "من رآني فقد رآني؟"

هل يدرك هؤلاء الشيوخ ماذا يمكن أن يحدث لإيمان ويقين هؤلاء البسطاء إذا تبين أن كل ذلك كذب؟

 أيعقل أن قيادات "الإخوان" والسلفيين يعلمون يقينا أن ما يرددونه على المنصة كذب، وأنهم يفترون على الله ورسوله وهم يعلمون ولكنهم يفعلون ذلك لأن الغاية تبرر الوسيلة؟ هل استبدلنا الصدق والأمانة بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة؟

نظرت بجانبي فوجدت هذا الشخص الغريب مرة أخرى، كان يحتسي كوبا من الشاي ويسحب نفسا طويلاً من سيجارته وهو ينظر مبهوراً تجاه المنصة.

عرض عليّ أن آخذ سيجارة منه ولكنني رفضت بشدة.

بادرته بالسؤال: "الأخ منين؟"

"مش مهم أنا منين، المهم أنا جاي هنا أعمل إيه، أنا جاي أتحسر على كل تاريخي وإنجازاتي وأفكاري، عارف مبدأ الغاية تبرر الوسيلة اللي انت قارف نفسك بيها دي؟"

صعقت واندهشت، كيف يقرأ هذا الرجل أفكاري؟

"لا تقلق، أنا جاي هنا أتعلم من أول وجديد".

يا إلهي من ذلك الرجل، وماذا يقصد.

سألته: "عذراً يا أخي، ممكن أتعرف بيك؟ اسم الكريم إيه".

 مد يده مصافحاً لي قائلا: "أخوك ميكيافللي، أنا ماجيش حاجة جنب الناس دول، سلامو عليكم".

ثم أخرج ورقة وقلما ودوَّن فيما يبدو لي أنها ملاحظات أخيرة، ثم اختفى بين الحشود الكثيفة وهي تكرر النداء من المنصة.

"قادم قادم يا إسلام".

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top