الروض التراثي العاطر

نشر في 04-06-2013 | 00:02
آخر تحديث 04-06-2013 | 00:02
No Image Caption
يمكن لقارئ الكتب التراثية العربية التي تطرقت إلى مواضيع تخص الجنس وعلاقات الحب، أن يلاحظ جملة أمور مشتركة بين معظم هذه الكتب، وتبيّن جانباً من الحياة الثقافية والاجتماعية في الماضي الغابر للعالم العربي.
حملت غالبية الكتب التراثية التي تطرقت إلى ما يسمى {الباه} باللغة القديمة أو الجنس بلغة اليوم، عناوين تختزن دلالات على الربيع والتجدد والحياة، مثل {الروض العاطر في نزهة الخاطر} للعلامة محمد النفزاوي و{تحفة العروس ومتعة النفوس} لمحمد بن أحمد التجاني، و{رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه} لابن كمال باشا، و{زهر الربيع} للشيخ الجزائري، و{نزهة الألباب فيما لا يوجد في كتاب} للتيفاشي، و{بستان الراغبين} لمحمد مصطفى العدوي.

وجاء الكثير من هذه المؤلفات بتوقيع رجال دين وشيوخ، فالتجاني مثلاً كان أحد أئمة المالكية، ويقول محقق كتابه: {تحفة العروس ليست نصاً خليعاً، كما تفهم الخلاعة اليوم، فمؤلفها من أئمة المالكية، ميزته أنه فقيه وأديب.(...) وتحفة العروس موسوعة في المرأة العربية، تدل على تبحر التجاني في علوم الدين والأدب والتاريخ والجمال والجنس}. ليس التجاني وحده في هذا المجال، فثمة العشرات من أمثاله.

واللافت أن بعض هذه الكتب التراثية الجنسية كان موجهاً إلى السلطان أو بطلب منه، كما هي حال كتاب {الروض العاطر} الذي ألفه النفزاوي بناءً على طلب من السلطان عبد العزيز الحفصي سلطان تونس، وذلك لإثراء الكتاب الصغير {تنوير الوقاع في أسرار الجماع} للمؤلف نفسه. وكان هذا الكتاب يخاطب السلطان، ليس لضعفه بل لأن السلطان هو من طلب كتابته، وذلك واضح من بداية كل باب في {أعلم يرحمك الله}.

وكتاب {الروض العاطر} فريد من نوعه ومضمونه، وقد ذاع اسم مؤلفه في الأمصار وحقّق شهرة عالمية بفضله. يقال إن حاكم تونس في ذلك الوقت كان ينوي أن يعهد إلى الشيخ النفزاوي بمنصب رئيس القضاء، لكن الشيخ لم يكن راغباً في تولي الوظيفة، فعندما قرأ الباي كتاب الشيخ عدل عن رأيه وأذعن لمشيئة الشيخ بعدما توصّل إلى استنتاج أن الشيخ لا يصلح لتقلد وظيفة القضاء ولا أي وظيفة عامة أخرى. يقول الشيخ شارحاً ردّ فعل الباي على الكتاب: {بعد مرور ثلاثة أيام أتاني مولانا الباي وبيده الكتاب، وعندما رآني متوتّراً وخجلاً بعض الشيء قال: لا يجب أن تشعر بأيّ خجل أو حرج فكلّ ما ذكرته في هذا الكتاب ذو قيمة، وليس في ما كتبته ما يصدم أحداً. لكن فاتك شيء ما}. وعندما استفسرتُ عن مراده قال: {لقد كنت أفضّل أن تضيف إلى الكتاب ملحقاً تخصّصه للحديث عن كل مرض من الأمراض والاختلالات التي ذكرتها}.

في كثير من النصوص التراثية العربية (الجنسية) نستنبط من استنتاج كتابها ومؤلفيها، أنهم كانوا ينظرون إلى المرأة نظرة استشراقية فاحشة. ثمة نمطية سائدة في النظرة إلى كيد النساء كما يقال، ونوع من مخيلة ذكورية تنظر إلى المرأة كأنها مجرد وعاء للرغبة. ويلاحظ أيضاً ندرة النساء العربيات القديمات اللواتي كن يتحدثن بأمور جنسية أو أشعار إباحية، كأن هذه الأمور كانت من اختصاص الرجال فحسب.

الملاحظة الأهم في هذه الكتب، أنها كانت جريئة في مجال الكلام عن الحب والجنس والملذات بما لا يقاس بكتب اليوم، حيث تقوم القيامة ولا تقعد لمجرد مشهد إباحي في رواية.

بلا مواربة

يتضمن معظم الكتب التراثية مواضيع جريئة من شعر أبي نواس وأبي حكيمة إلى قصص {ألف ليلة وليلة} وأغاني أبو الفرج الأصفهاني ومرويات الجاحظ، وصولاً إلى الكتب التي ركزت على مواضيع محض جنسية، لم يصدر مثلها في العصر الحديث. وتقدم هذه النصوص كل ما يحتاج المرء إلى معرفته عن الجنس وأوقاته، وآدابه، وملذاته، وأنواعه، وأحواله وحضارته، والمكروه منه... كانت الأمور تقال من دون مواربة أو إيحاء، وتسمى الأشياء بأسمائها من دون لف أو دوران. ويرجح أن العرب توقفوا عن مثل هذه الكتابة بعدما تأثروا بالثقافة الأوروبية {المسيحانية} التي ساهمت في تشذيب النصوص الجديدة من المواضيع الإباحية والماجنة وتأثر بها العرب من خلال موجة ثقافة النهضة. على أن الأغاني المعاصرة لجأت إلى تهذيب التراث الشعبي ونفي الكلام الإباحي منها، فحتى وقت قريب كانت المواويل فيها من القصص الإباحية ما يكفي، بل إن الطقاطيق الماجنة في التراث المصري أيام سيد درويش ومنيرة المهدية كان يؤلفها بعض الشيوخ المعممين.

والسؤال أين حالنا اليوم من زمن التراث؟

back to top