تقرير اقتصادي: بين التعليم الجامعي وسوق العمل... فجوة حجمها 47%

نشر في 19-09-2013 | 00:05
آخر تحديث 19-09-2013 | 00:05
كلية الشريعة تغطي 600% من حاجة السوق و«العلوم» 17%
خلال السنوات الخمس المقبلة، ستصبح كلية الشريعة أكثر الكليات تغطية لحاجة سوق العمل من حيث المخرجات بـ600%، تليها «الحقوق» بـ271%، في مقابل عدم إمداد كلية العلوم السوق إلا بـ 17% فقط من احتياجاته.

يبدو ان الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي الاكاديمي وسوق العمل باتت تزداد عاما تلو الاخر، لدرجة ان الضغط صار يتركز في السنوات الاخيرة على اقل التخصصات ارتباطا بسوق العمل، وسط تراجع الطلب على التخصصات التي يحتاج إليها السوق خصوصا تلك العلمية او المالية مقابل نمو لافت للتخصصات الادبية.

ولعل وجود تشوه في سوق العمل من حيث توظيف الدولة لنحو 89% من قوة العمل في الجهاز الحكومي ساهم بدرجة كبيرة في حدوث اختلال في توجيه اتجاهات الطالب الجامعي واختياره للتخصص الذي يحدد خياراته الوظيفية لاحقا، خصوصا في ظل ضعف البيئة الاستثمارية الحاضنة لمشاريع الشباب الصغيرة والمتوسطة.

وهذا ما أظهرته دراسة حديثة أصدرتها جامعة الكويت مؤخراً تفيد بأن هناك فجوة كبيرة بين مخرجات التعليم الجامعي وسوق العمل للسنوات الخمس المقبلة بما نسبته 47%.

واهتمت الدراسة، التي أعدها فريق عمل من قطاع التخطيط في جامعة الكويت يتكون من د. عماد خورشيد (مساعد نائب مدير الجامعة للتخطيط) وريما الصمصام (محللة أبحاث) وبشاير الشراح (مهندسة كمبيوتر)، بتحديد اختصاصات المتوقع تخرجهم بين عامي 2012 و2016 ومدى ارتباط هذه المخرجات بسوق العمل.

وبينت الدراسة أن هناك 16 تخصصا مطلوبا في سوق العمل غير موجودة ضمن تخصصات جامعة الكويت، رغم ان سوق العمل يحتاج إلى 3000 وظيفة منها خلال 5 سنوات، نصفها تقريبا لتخصص بكالوريوس التمريض.

وبينما كان تخصص الفقه والأصول اكثر مخرجات الأقسام في جامعة الكويت تغطية لمتطلبات سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة بنسبة 1531% والجغرافيا بـ 867% والفقه المقارن بـ 724% ورياض الأطفال بـ 676% والعلوم السياسية بـ 553%، فإن تخصصات اخرى علمية في معظمها حازت نسب تغطية متدنية، مقارنة بحاجة سوق العمل، فمثلا تبلغ نسبة تغطية تخصص علم الحاسوب لمخرجات السوق 4% والفيزياء 9% وتكنولوجيا الطب النووي 29% والهندسة الميكانيكية 35% وهندسة الكهرباء 50%.

ستة أضعاف

ويظهر الجدول المنشور في التقرير أن كلية الشريعة هي اكثر كلية تغطية لحاجة سوق العمل من حيث المخرجات بـ600%، اي 6 اضعاف حاجة سوق العمل، تليها «الحقوق» بـ 271%، في مقابل عدم تلبية كلية العلوم إلا 17% فقط من احتياجات سوق العمل خلال السنوات الخمس المقبلة، وكلية الطب 28%.

ومن خلال الدراسة يمكن أن نستشف مجموعة من الملاحظات الخاصة بسوق العمل، اهمها ان هناك ضعفاً لافتاً في التنسيق بين الجهات المشرفة على سوق العمل كديوان الخدمة المدنية والمؤسسات التعليمية كجامعة الكويت، اذ لا يتوقع ان يكون الوضع في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي افضل من الجامعة، فضلاً عن وجود اختلال في طبيعة تحديد المقاعد الدراسية في كل تخصص، وهو ما يرتبط اصلا بغياب التنسيق مع التعليم العام من جهة المناهج والمخرجات التي تتوجه الى قطاعات ادبية تشبع منها سوق العمل منذ سنوات.

ومن الملاحظات اللافتة في الدراسة ان كلية التربية لن تلبي 59% من حاجة سوق العمل، رغم ان قسم رياض الاطفال فيها يغطي 676% من احتياجات السوق، مما يدل على انه حتى في الكلية الواحدة ثمة اختلالات في توزيع الطلبة على التخصصات، خصوصا مع وجود ميل واضح نحو التخصصات الادبية والنظرية.

هذه الفجوة بين مخرجات التعليم الجامعي ومتطلبات سوق العمل ستكون اوضح خلال السنوات القادمة عندما يرتفع معدل التدفق السنوي إلى سوق العمل من 20 ألف وظيفة حالياً إلى 74 ألفاً عام 2030، مما سيرفع حجم البطالة ويجعلها هاجسا حقيقيا بالنسبة للدولة، خصوصا ان نحو نصف المخرجات لا يواكب احتياجات سوق العمل، بل يشكل ضغطا على التخصصات التي يحملها وهو ما يستلزم اعادة النظر في سياسات القبول كي تتواكب مع متطلبات سوق العمل.

متطلبات التطوير

ولعل من اهم متطلبات تطوير سوق العمل ايجاد بيئة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتفعيل عمليات التمويل وتسهيل المشاريع، وهو أمر سيدفع كثيراً من الطلبة إلى دراسة تخصصات تدعم رغباتهم في العمل بعد التخرج، خصوصا العلوم الادارية والاقتصاد والهندسة والعلوم، إذ ان اقرار هيئة خاصة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة لابد أن يواكبه اطلاق حقيقي للمشاريع يستقطب آلاف الشباب، وعندئذ ستتولد ثقافة في المجتمع تدعم التوجه إلى تخصصات يعاني سوق العمل عجزاً فيها.

ويظل موضوع ارتباط المخرجات التعليمية بسوق العمل مرتبطاً بالتحفيز اكثر من الالزام، وهنا يتم الحديث اكثر عن بيئة الاستثمار المنشودة في الكويت التي من شأنها ان تغير المفاهيم لمصلحة الاتجاه الى ما يطلبه السوق فعلا من تخصصات، بدلا من «التخمة» الحاصلة الآن في تخصصات متشعبة ليس لها مستقبل في اي سوق عمل حقيقي.

back to top