twitter هل أضرّ بالربيع العربي؟
أطلق ميدان التحرير ألف إثبات على أن وسائل الإعلام الاجتماعية كانت المحرك الأساسي للتعبئة الشعبية الهائلة خلال الربيع العربي. قد يثور الناشطون المصريون عند سماع أن التكنولوجيا لا جهودهم الحثيثة كانت محرك الثورة، لكن تكثر الأدلة التي تثبت أهمية دور وسائل الإعلام الاجتماعية (أقله بنسبة معينة) في رسم معالم الانتفاضات في أنحاء العالم العربي. لكن لا بد من تعديل الخطاب الاحتفالي المتعلق بدور وسائل الإعلام الاجتماعية نظراً إلى المشاكل التي أصابت معظم تلك البلدان خلال المراحل الانتقالية. بغض النظر عن دور موقع تويتر في إطلاق الثورات العربية، هل يساعد هذا الموقع نفسه على قتل تلك الثورات الآن؟ Foreign Policyحاولت تقديم الإجابات.
لا تسيئوا فهمي، فأنا أحب موقع «تويتر» وأتّكل عليه للحصول على المعلومات ومعرفة الآراء الصريحة لمئات المواطنين العرب يومياً، وقد كتبتُ في مناسبات كثيرة عن تأثير أشكال الإعلام الجديدة على السياسة، إيجاباً أو سلباً. يعكس توسّع استعمالات الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية تحولاً بنيوياً حقيقياً في طريقة تدفق المعلومات السياسية في العالم العربي، وقد زادت قوة هذه الظاهرة مع إقدام ملايين المواطنين العرب الإضافيين على استعمال الإنترنت. لكن عند دراسة دور وسائل الإعلام الاجتماعية في الثورات جدياً، كيف نتجنب طرح أسئلة صعبة عن الدور الذي أدته في تداعيات تلك الثورات؟يسهل أن نفهم سبب انتشار عبارات مثل «ثورات الفيسبوك» و{ثورات تويتر» خلال الانتفاضة الإيرانية في عام 2009 والانتفاضات العربية في عام 2011. يبدو أن الأكاديميين والصحافيين على حد سواء لم يستطيعوا إنكار الدور الهائل الذي قام به الناشطون على الإنترنت، واتكال بعض الجهات الخارجية على «تويتر» لمعرفة آخر المستجدات بشكل فوري، وسرعة المعلومات المضمونة على الإنترنت. شعر المراقبون العاديون بترابط غير مسبوق مع الناشطين الذين يتابعونهم على «تويتر». في غضون ذلك، تعددت الأسباب الوجيهة التي دفعت الأكاديميين إلى الاقتناع بأن الأشكال الجديدة من وسائل الإعلام سمحت بنشوء أنواع جديدة من المنظمات السياسية ووسائل التواصل المهمة. وهكذا حصل! ربما بقي دور وسائل الإعلام الاجتماعية في تسهيل تنظيم المعارضة وتوسيع تغطية الاحتجاجات في وسائل الإعلام الأساسية على الهامش. لكن غالباً ما يتفاعل معظم المعطيات السياسية ضمن ذلك الهامش.
لكن رغم ذلك، توقع عدد منا المشاكل المرتقبة. ما هو رأينا في وسائل الإعلام الاجتماعية اليوم، حين بدأت الحماسة الأولية التي رافقت «ثورات الفيسبوك» تتلاشى؟ ماذا عن الوضع السياسي الصعب الذي تبع السقوط السريع لزين العابدين بن علي في تونس أو حسني مبارك في مصر؟ ماذا عن الشكاوى التي تعتبر أن العالم تعرض للخداع بسبب بروز «شباب الفيسبوك» الليبراليين الذين يميلون إلى الغرب في الثورات التي عززت نفوذ قوى مختلفة جداً؟ هل يجب لوم وسائل الإعلام الاجتماعية على الكوارث السياسية اللاحقة؟ إذا كنا ندين لشبكة الإنترنت جزئياً بتوقيت الانتفاضات العربية وطبيعتها، فهل يجب لومها جزئياً أيضاً على بعض النزعات السلبية الأخرى التي ظهرت في السنتين الأخيرتين؟لا أريد المبالغة في هذا الموضوع، إذ تبرز تفسيرات عادية كثيرة خارج إطار الإنترنت لشرح الاضطرابات السياسية المستمرة في الدول العربية التي تشهد عمليات انتقالية وتتعدد الأمثلة على نشوب صراعات مماثلة في الدول التي شهدت عمليات انتقالية قبل فترة طويلة من إقدام الإنترنت على تغيير كل شيء كما يُقال. لكن يمكن التأكيد على أن وسائل الإعلام الاجتماعية على الإنترنت أدت دوراً بارزاً في الصراعات التي نشأت بعد الانتفاضات في عدد من الدول العربية. بعد مقاربة هذه المحاذير كلها، نعرض في ما يلي بعض الطرق التي جعلت وسائل الإعلام الاجتماعية تتعثر وتسبّب أضراراً تفوق المنافع أحياناً.أولاًثمة ميل عام نحو المبالغة في مقاربة الوضع، وهذا ما أضعف مصداقية الناشطين المصريين (تحديداً) بنسبة معينة. ثمة سبب يفسر انتشار عبارات مثل «الوضع ليس سيئاً بقدر ما يُلمح إليه موقع تويتر» و»فقاعة التحرير». ما زلتُ أتذكر المرة الأولى التي كنت أتجول فيها في الشوارع بهدوء، وكانت القاهرة تبدو في وضع طبيعي جداً بينما كنت أقرأ تعليقات على «تويتر» تصف الاشتباكات الكارثية والدمار الهائل. ينطبق الأمر نفسه على حالات كثيرة. لا شك في أن وسائل الإعلام الاجتماعية تحب الأزمات وهي تحب الحكايات الأخلاقية التي تشمل الأبطال والأشرار (تضم تلك الحكايات حوالى 140 شخصية). لكن لا تنسوا أن الأشخاص الذين ظهروا في المرحلة الأولى بصورة الأبطال اضطروا في النهاية إلى الاستسلام أمام خصومهم (لأن أحداً ما عاد يصدّقهم بعدما بالغوا بشدة في مقاربة الوضع).ثانياًأثبتت وسائل الإعلام الاجتماعية أنها مفيدة في تعبئة المحتجين أكثر من تنظيم المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية. تركز منافع وسائل الإعلام الجديدة على الدعوة إلى التحرك وبث الحماسة والجرأة وإنشاء شبكات لها مواضيع محددة، لكن لا علاقة لها بالجهود الصعبة والحثيثة لبناء المنظمات. الحركات التي تفتقر إلى القادة تساعد على الصمود في وجه قمع النظام وتماسك التحالفات الهشة، لكنها لا تستطيع صياغة استراتيجية سياسية متماسكة أو تعبئة ملايين الناخبين.في أماكن مثل مصر، اعتبر عدد من المحتجين أنفسهم الصوت الحقيقي الذي يعبّر عن الشارع، على اعتبار أنهم كانوا يتمتعون بالشرعية التي حصلوا عليها من الثورة ويشككون بأي ظاهرة أخرى عدا التغيير الجذري. لم يهتم عدد كبير منهم بالديمقراطية التي تتطلب حتماً عقد التسويات وبروز قادة نافذين، وقد عبّروا سريعاً عن ازدرائهم بهذه الأمور. وكانت استعدادات الحملة الانتخابية تفتقر إلى التشويق الذي رافق القتال في الشارع، وقد كشفت الانتخابات أن مئات آلاف المشاركين على «تويتر» كانوا يشكّلون على أرض الواقع أقليات صغيرة من المجتمع. عملياً، سيتابع عدد كبير من المحتجين التوجه إلى ميدان التحرير بعد خمس سنوات من الآن، بغض النظر عن نجاح مصر في ترسيخ ديمقراطيتها أو بقاء «الإخوان المسلمين» في السلطة.ثالثاًيمكن التأكيد على أن الإنترنت ساهم في نشوء انقسام حاد بدأ يقلق راحة معظم أنحاء العالم العربي الآن. يرتكز الصراع السياسي مجدداً على اختلافات إيديولوجية حقيقية وشكوك مؤسساتية وانتهاكات واضحة وسلوك متهور، ولا علاقة له بما يحدث على الشبكة. لكن يبدو أن تلك الضغوط تتعزز بفعل النزعة نحو الانقسام والمبالغات في نشر بعض المعلومات التي نراها دوماً ضمن بيئة الإنترنت.قد تصبح التفاعلات بين «الإخوان المسلمين» والناشطين غير الإسلاميين على الإنترنت في مصر دراسة الحالة النموذجية لهذا النوع من المعطيات. إذا تابعنا الناشطين المصريين على «تويتر» أو «فيسبوك»، يمكن رصد جميع القصص التي تنعكس سلباً على «الإخوان» والتي يتم تقاسمها ونشرها سريعاً ومن دون رادع. يتعامل الإسلاميون بالطريقة نفسها مع خصومهم. فيما توقّع داعمو وسائل الإعلام الاجتماعية نشوء مجال عام جديد يرتكز على الحوار والاحترام المتبادل، أثبت الواقع أن الإسلاميين وخصومهم يحصرون أنفسهم ضمن معسكراتهم الخاصة ويعززون أحكامهم المسبقة تجاه بعضهم البعض تزامناً مع إلقاء الخطابات التحريضية من وقت إلى آخر، وهكذا ضاعت الأطراف الوسطية في ظل هذه المعمعة. زادت خطورة الوضع حين عمد المحللون السياسيون الخارجيون إلى متابعة الأحداث وأخذ المعلومات من جهة واحدة من طرفَي الجدل المنقسمَين. رابعاًانقلب أحد أبرز الإنجازات التي تحققت خلال الأشهر الأولى من الربيع العربي (توحيد المساحة السياسية العربية وتبني خطاب موحد عن الثورة الشعبية). خلال تلك الأشهر الأولى، كان العالم العربي كله يكتب على تويتر ويتقاسم القصص عن مصر، وقد استعار اليمنيون الشعارات واليافطات من تونس بينما راح الأردنيون يراقبون وضع ليبيا بقلق. في السنة الماضية، انهارت تلك الوحدة العربية بشكل واضح. نجم جزء من ذلك التفكك بكل بساطة عن الجمود الذي تسلل إلى عدد من الصراعات المحلية: بعد أن مهدت الثورة لاندلاع الحروب السياسية، شعر الناس بالملل. عاد الكثيرون للانشغال بشؤونهم الداخلية فيما شعر الناشطون المصريون بالقلق على سلامة ثورتهم أكثر من ثورة اليمن مثلاً.مثلما تستطيع وسائل الإعلام الاجتماعية تشجيع المستخدمين على حصر أنفسهم ضمن معسكراتهم الإيديولوجية، تستطيع أيضاً تضييق نطاق التركيز الجغرافي. ساهم «تويتر» في توحيد الخطابات، لكنه لم يطالب بذلك مثلما فعلت قناة «الجزيرة» في إحدى المرات بفضل نفوذها الطاغي بين وسائل الإعلام العربية. تميل صفحات «فيسبوك»، أكثر من «تويتر» أحياناً، إلى أن تكون وطنية أو حتى محلية، وهي تبث الانقسام بين الناس بدل أن توحّدهم. ربما تكون هذه النزعة إيجابية طبعاً شرط أن تعزز الالتزام بالجدل السياسي المحلي، وتحسين الشفافية، والمطالبة بالمحاسبة، وهي أمور تطبع الديمقراطية. لكن يحصل ذلك على حساب وحدة المنطقة.خامساًانتشرت النزعات السيئة مثل الطائفية ومشاعر الخوف والكره بسرعة هائلة في وسائل الإعلام الاجتماعية مثلما تنتشر الأفكار الإيجابية أيضاً. كان نجاح الثورة التونسية مصدر إلهام بالنسبة إلى العرب في كل مكان، فقد اقتنعوا بأن الانتصار ممكن. وساهم النجاح المصري في إقناع كثر بأن النصر حتمي. لكن تبين أن العكس صحيح أيضاً. كان سفك الدماء في سورية، تماماً مثل أهوال العراق في منتصف العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، كفيلاً بإحباط التعبئة الشعبية. في منتصف عام 2011، اتضح أن القصة لا تنتهي بالضرورة بالاحتفال في ميدان التحرير، بل ربما بنشر صور النساء والأطفال المذبوحين في الشوارع وبتفاقم ظاهرة التهجير والمعاناة. تدفق الحقد الطائفي والانقسام الناجم عن سفك الدماء في سورية عبر وسائل الإعلام الاجتماعية بفاعلية تامة بما يوازي سرعة انتشار الدعوة إلى توحيد المواقف في بداية الربيع العربي.سادساًعملت الأنظمة المهدَّدة على مناهضة هذه المساحات العامة الجديدة والمستقلة. كانت البحرين مثلاً أول دولة عمدت إلى تدمير الخطاب على الإنترنت، فأصبحت نموذجاً حول كيفية تلويث المجال العام على الإنترنت وتدميره. في ذروة حملة القمع الطائفي، وجد نظام البحرين فجأةً آلاف المدافعين عنه على الإنترنت وقد حملوا اسم «البيض» (حسابات مجهولة على تويتر لها أعداد قليلة من الأتباع من دون هوية واضحة)، وكانوا يهاجمون أي شخص يجرؤ على انتقاد البلد. في مرحلة معينة، عمد البعض إلى التوقف عن التعليق على «تويتر» في شأن البحرين، وذلك لتجنب مشاكل «التصيّد الإلكتروني» بكل بساطة. اتخذت أنظمة مهددة أخرى تدابير بديلة، فقد عمد بعض الدول حديثاً إلى اعتقال ومضايقة المواطنين الذين يكتبون الانتقادات على «تويتر».سابعاًغيرت سورية فعلياً تجربة التواصل عبر الإنترنت خلال الربيع العربي. كانت وسائل الإعلام الاجتماعية المصرية، حتى قبل الثورة، تعج بالأفراد المعروفين الذين كانوا يطرحون أجندة واضحة منذ سنوات عدة. أدى الوضع إلى نشوء مستوى معين من الثقة داخل الشبكة، بينما استمتع المستخدمون الجدد في استكشاف هذا المجال الذي وجدوه حديثاً (اعتبر الصحافيون من جهتهم أن وسائل الإعلام الاجتماعية طريقة لا تُقاوم لتحديد الأشخاص الذين يستحقون إجراء مقابلة معهم). خاض عدد قليل من الناس التجربة نفسها مع جماعة الناشطين السوريين على الإنترنت. كان معظم الناشطين السوريين مجهولي الهوية، سواء من باب الضرورة أو اختيارياً. دعا البعض منذ البداية إلى تنفيذ تدخل عسكري دولي، لكن تثير هذه الاستراتيجية انقساماً سياسياً حاداً.أهم ما في الأمر أن الثورة السورية أثبتت أنها مسألة خلافية بعدما كانت ثورة مصر والثورات الأخرى تميل إلى توحيد الصفوف، أقله في البداية. كانت تجربة التواصل حول الوضع السوري عبر وسائل الإعلام الاجتماعية أشبه بالتواصل حول المسائل المزعجة المعروفة مثل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو السياسة اللبنانية، ولم تكن الجماعات تتعامل بِودّ وتتقاسم المصالح نفسها كما حصل بين الجماعات المصرية أو اليمنية على الإنترنت.نشر الناشطون السوريون أيضاً فيديوهات مريعة عن أعمال العنف وأحداث الحرب. ثمة اختلاف شديد بين مشاهدة صور وفيديوهات عن الحشود اليمنية أو المصرية الموحّدة والمهلِّلة حين كانت تطالب بالتغيير الديمقراطي من جهة والاستيقاظ على صورة مريعة لطفلة في السادسة من عمرها قُطع رأسها من جهة أخرى. يعكس الوضع مجدداً الوقائع السورية، والتي عمدت وسائل الإعلام الاجتماعية إلى تضخيمها. طوال أشهر، كانت الصعوبة التي واجهها الصحافيون في الوصول إلى سورية تعني أن تلك الفيديوهات أصبحت مصدر المعلومات الأساسي بالنسبة إلى أبرز وسائل الإعلام، لكن نادراً ما يتم الكشف أو التدقيق في مصدر تلك الفيديوهات أو ما تُظهره فعلاً. تم التشكيك بمصداقية شبكات هؤلاء الناشطين منذ البداية مع أنها بذلت قصارى جهدها لنقل الأحداث. هل كانوا يخفون الخطاب الطائفي ويبالغون في تقدير حجم المشاركة في الاحتجاجات ويشوّهون طبيعة أعمال العنف المحلية؟لم تكن مواقع «تويتر» و{يوتيوب» و{فيسبوك» وحدها التي أطلقت ظاهرة الربيع العربي، ولا يمكن لومها وحدها على مشاكل تلك الظاهرة. ما زلتُ مقتنعاً بأن الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية يعكسان تغييراً عميقاً في تركيبة السياسة العربية ويضعان حداً لظاهرة احتكار المعلومات والآراء التي كانت الأنظمة الاستبدادية تتكل عليها. تبدو الآثار المباشرة لتقوية مختلف الأصوات والتدفق الحر للمعلومات إيجابية. لكن إذا كنا نؤمن بقدرة هذه التغييرات على تحويل الوضع، فلا يمكن أن نتجنب التفكير بالسلبيات إلى جانب الإيجابيات. ويقدم لنا وضع الثورات العربية الراهن سلبيات كثيرة يمكن الاختيار بينها.