الاشتباك المسلح الخطير على شبه جزيرة كوريا يبقى مستبعداً!

نشر في 03-04-2013
آخر تحديث 03-04-2013 | 00:01
يشعر المجتمع الدولي بالقلق حتماً، وقد بدأت مطبوعات إعلامية ترسل مراسليها إلى سيول على افتراض أن الصراع قد يندلع قريباً جداً، لكن يبدو أن تلك الشركات الإعلامية تهدر أموالها سدىً، إذ يبقى احتمال اندلاع أي مواجهة في كوريا منخفضاً جداً.
 إيست آسيا فوروم إذا أردنا تصديق وسائل الإعلام العالمية، يبدو أن شبه جزيرة كوريا أصبحت الآن على شفير الحرب، فقد استعملت حكومة كوريا الشمالية في الأيام الأخيرة نوعاً من الخطاب العدائي الخطير.

أعلنت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية أنها انسحبت من اتفاق الهدنة في 11 مارس 2013 وقطعت خط الطوارئ الساخن بين بيونغ يانغ وسيول. كما أنها انسحبت من اتفاقية عدم الاعتداء مع كوريا الجنوبية أيضاً. في غضون ذلك، نشرت صحيفة "رودونغ سينمون" التي تتكلم بلسان الحكومة الكورية الشمالية افتتاحية، حيث ذكرت أن الجيش الكوري الشمالي العظيم الذي تزود حديثاً بأسلحة نووية وصواريخ من الطراز العالمي قد يحوّل سيول وواشنطن إلى بحور من النار (حالما يجد القائد الأعلى الوقت لإصدار ذلك الأمر). وفق التقارير الصادرة من كوريا الشمالية نفسها، يخوض سكان المدن الكبرى تدريبات متكررة ومكثفة للتصدي للغارات الجوية.

على الصعيد الرسمي، يُعتبر كل ما يحدث ردة فعل على قرار مجلس الأمن الذي أدان الاختبار النووي الثالث الذي أجرته كوريا الشمالية في شهر فبراير. فرض القرار بعض العقوبات الجديدة ضد جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وقد اعتبرته بيونغ يانغ بمنزلة "إعلان حرب".

يشعر المجتمع الدولي بالقلق حتماً وقد بدأت بعض المنشورات الإعلامية ترسل مراسليها إلى سيول على افتراض أن الصراع قد يندلع قريباً جداً. لكن يبدو أن تلك الشركات الإعلامية تهدر أموالها سدىً، ويبقى احتمال اندلاع أي مواجهة (فكيف بالأحرى الحرب) في كوريا منخفضاً جداً. ما نراه الآن هو مجرد جولة جديدة من التلاعب السياسي من جانب بيونغ يانغ. يبدو أن التهديدات العدائية التي تطلقها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية هي مجرد أداء استعراضي يستهدف الجماهير الخارجية والمحلية معاً.

تدرك سيول، حكومةً وشعباً، طبيعة هذه المناورة. فيما تنقل وسائل الإعلام الكورية الجنوبية، من باب الواجب، التهديدات الوحشية الصادرة من بيونغ يانغ، لا يهتم الرأي العام كثيراً بتلك المواقف العدائية ومؤشرات الخطر الظاهرية. من اللافت أيضاً أن البورصة في كوريا الجنوبية لم تردّ بطريقة سلبية على "الأزمة".

إن سبب هذا الهدوء بسيط: سبق أن واجه الكوريون الجنوبيون هذا الوضع مرات عدة، بل إنهم يشاهدون هذا النوع من الاستعراضات مرة كل سنة أو سنتين. ادعت كوريا الشمالية أن هدنة عام 1953 باطلة في عدد من المناسبات في الماضي: آخر مرة صدرت فيها مواقف مماثلة كانت في مايو 2009 كجزءٍ من ردة الفعل على قرار سابق في الأمم المتحدة كان يدين، مثل القرار الأخير، اختباراً نووياً.

في ما يخص الوعد الأخير بتحويل سيول إلى "بحر من النار"، فقد تكرر الأمر مرات عدة. استُعمل للمرة الأولى في عام 1994 وتكرر في عام 2003. أحياناً، لم تكن وسائل الإعلام في كوريا الشمالية تكتفي بتلك التهديدات العامة بل كانت تتحدث بشكل محدد عن أهدافها المزعومة. على سبيل المثال، هددت وسائل الإعلام الرسمية في كوريا الشمالية، في يوليو 2012، بتفجير مقر صحيفة كورية جنوبية بارزة كانت قد نشرت مقالات ومواد لم تعجب بيونغ يانغ.

لكن لم يحصل شيء لمقر الصحيفة ولا لعاصمة كوريا الجنوبية. لم تنفذ كوريا الشمالية تهديداتها يوماً، لذا يبدو أن الرأي العام الكوري الجنوبي محق حين يفضل تجاهل هجوم بيونغ يانغ المركز.

لماذا تتصرف كوريا الشمالية بهذه الطريقة إذن؟ ثمة سببان على الأقل وراء سلوك بيونغ يانغ الصاخب. أولاً، يبدو أن هذا الخطاب أصبح ردة فعل نموذجية على قرارات مجلس الأمن التي تدين الاختبارات النووية والصاروخية في كوريا الشمالية. لكن على الرغم من النبرة العالية، تعكس تلك المواقف مبادرة دبلوماسية وطريقة للتعبير عن استياء كوريا الشمالية من القرار وعدم استعدادها للرضوخ للضغوط الخارجية.

لكن ثمة سبباً آخر يفسر العدائية الشفهية التي تستعملها جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية. لا بد من تذكير سكان كوريا الشمالية دوماً بأن بلدهم محاط بالأعداء المتآمرين، وإلا قد يبدؤون بطرح أسئلة خطيرة سياسياً (قد يتساءلون مثلاً عن سبب تأخر بلدهم عن الصين أو كوريا الجنوبية تحديداً، بعد أن كان في الماضي أكثر بلد متقدم من الناحية الصناعية في منطقة شرق آسيا كلها). إن التهديدات الخارجية هي أفضل طريقة لتجنب شرح المصاعب الاقتصادية اللامتناهية، ولا شك أن تدريبات التصدي للغارات الجوية تفيد في نشر الخوف بين الناس ومنعهم من التفكير بأمور غير مألوفة. هكذا سيتذكر الكوريون الشماليون أيضاً ضرورة الحفاظ على الانضباط والتوحد حول الزعيم الراهن وعائلته "العظيمة".

لذا يبدو أن العالم بالغ في ردة فعله تجاه خطاب كوريا الشمالية، فلا يعني ذلك أن شبه الجزيرة الكورية هي مكان آمن، بل على العكس من ذلك، تعلّمنا عقود من التجارب أن بعض الاشتباكات (يكون نطاقها صغيراً نسبياً) لا مفر من وقوعها من وقت لآخر على الحدود البرية والبحرية بين الكوريتين. لكن في الوقت الراهن، تبقى فرص وقوع تلك الاشتباكات منخفضة. أما الضجة الصادرة من بيونغ يانغ فهي مجرد... ضجة!

ANDREI LANKOV

back to top