الفنانون... بين الماضي الجميل وتكنولوجيا الحاضر

نشر في 27-04-2013 | 00:01
آخر تحديث 27-04-2013 | 00:01
زمن الفن الجميل مقولة تتكرر بقوة في السنوات الأخيرة، بعدما فقدت غالبية الأغاني التي تطرح في الأسواق اليوم مضمونها الجميل، وباتت مجرد صف كلمات يركب عليها لحن لا يمت إلى الموسيقى بصلة. لذا يتمنى مطربون يؤمنون بالفن الأصيل الذي أسسه {عمالقة} الزمن الجميل، لو أنهم ولدوا في عصر هؤلاء، مع اعترافهم بالطبع بأهمية تكنولوجيا الاتصالات التي تسهل انتشار الفنان، لكنها لا تفرق بين الفنان الحقيقي والفنان المزيف.  

صحيح أن هذا العصر يوفر راحة أكبر ويسهل أمور الحياة إلا أنه قضى على لذة التعب والسهر كي تولد أغنية متكاملة في عناصرها كافة، سواء في الكلمات أو الألحان أو الأداء، وباتت أغنيات كثيرة تتشابه أو بالأحرى يستنسخ بعضها بعضاً، فيما كل أغنية في الماضي كانت حالة بحد ذاتها ولا تشبه غيرها، من هنا يتوق كل فنان أصيل اليوم إلى العودة إلى الماضي، لأنه يرمز إلى الفن الحقيقي.

بين الماضي والحاضر، أي زمن يختار الفنانون؟ سؤال طرحته {الجريدة} على مجموعة من الفنانين وحصدت الأجوبة التالية.  

أصالة وتطور

أحمد عبدالمحسن

عادل الماس

 

«زمن الفن الجميل حلم يدغدغ عيوننا وعقولنا. صحيح أن الانتشار كان صعباً لكن الغناء كان أفضل»، يقول المطرب عادل الماس موضحًا أن  الزمن اليوم هو زمن التكنولوجيا التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، فيما الزمن الماضي هو زمن الأصالة والأصوات الرائعة، مثل أم كلثوم  وغيرها من المطربين الذين لا داعي لتعدادهم لأنهم معروفون وأصواتهم خالدة منذ أكثر من سبعين عامًا.

يضيف: «اليوم تعتبر التكنولوجيا ووسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي عوامل رئيسة في الانتشار، ولا يمكن لأحد الاستغناء عنها، ليت كان هذا التطور في زمن أم كلثوم وعبدالحليم حافظ».

يشير الماس إلى أن المطربين اليوم يبحثون عن الشهرة أكثر من الرسالة الفنية، وبات الهدف من الفن الانتشار فقط، فيما في الماضي كان المطرب يغني لحبه للغناء وليس بهدف الانتشار، «أما اليوم فالفنان مستعد للوقوف أمام الكاميرا لمدة شهر لتحقيق الانتشار، وهو لا يملك أي مقومات تجعل منه مطرباً. لا أخفي وجود ومواهب عدة، لكن الأغلبية في الوقت الراهن تبحث عن الشهرة فحسب».

طارق ميامي

«عاصرت الزمن الجميل الذي كانت فيه الأغاني حقيقة والحفلات حية مثل حفلات أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ولم تكن تتوافر أدوات لتعديل الصوت»، يقول الفنان طارق ميامي، لافتًا إلى أن الأغنية الواحدة في الماضي كانت تتجاوز ربع ساعة فيما لا تتعدى الأغنية اليوم خمس دقائق أو أقل.

يضيف: {يكمن الاختلاف اليوم في التطور التكنولوجي وتطور الآلات الموسيقية الحديثة، وفي الجوقة التي ترافق الفنان في الغناء، ففي الماضي كان تسجيل الأغنية يستغرق ساعات لأن الجوقة كانت تقف وراء المطرب وتشارك في التسجيل، أما اليوم فتستطيع أجهزة الكومبيوتر أن تضاعف الصوت مرتين وأكثر فتظهر جوقة بصورة متكاملة}.

يشير إلى أنه في الزمن الجميل كانت الأصوات أفضل من اليوم لأنها ظهرت على حقيقتها وبكامل عيوبها، فيما قتلت التكنولوجيا ودخول عوامل مساعدة لتحسين الصوت مصداقية بعض الأصوات الشابة اليوم.

عبدالهادي الحمادي

 

«الزمن القديم هو الزمن الأجمل وزمن العمالقة والأصوات البراقة والخالدة» يوضح الفنان عبدالهادي الحمادي، مشيرًا إلى أن الأمور تختلف بين الماضي واليوم، «ففي الزمن الجميل كان الفنان يعاني خدمة لرسالته الفنية ويجتهد فوق طاقته لإيصال صوته، أما اليوم فيساعد التطور التكنولوجي المطربين على الانتشار عربيًّا وعالميًّا.

يضيف: «أفضل العيش في الزمن القديم لأعاصر عمالقة تألقوا ورسموا البسمة على الوجوه، وما زالت أغانيهم الأصيلة تُطرب المستمعين رغم مرور وقت طويل عليها. وقد أضحى مطربو الزمن الجميل مدارس في الطرب الغنائي، ومرجعًا تاريخيًا يستفيد منهم الجميع، كونهم أوصلوا فنهم وأحاسيسهم من دون وجود عوامل مساعدة».  

ليت زمن {العمالقة} يعود

بيروت -  ربيع عواد

فيفيان  مراد

“لو خيّرت في العيش بين الزمن القديم وزمننا الحاضر لكنت اخترت زمن عمالقة الفن}، تقول فيفيان مراد التي تربت على أصوات فيروز ووديع الصافي وعبد الحليم وعبد الوهاب... وما زالت إلى اليوم، تعشق هؤلاء النجوم الذين لن يتكرروا، حسب رأيها.

تضيف في حديث لها: {في الماضي كان الرقي يسيطر على الفن وكان الفنانون يمتهنون الفن لأجل الفن لا لأجل أي غاية أخرى. أعشق الزمن القديم، زمن الكبار، ولو ولدت فيه لما غنّيت بل اكتفيت بحضور حفلات هؤلاء المباشرة واستمعت إلى أعمالهم الخالدة، ورأيت العيون الصادقة الخالية من الشرّ التي نفتقدها في هذا الوقت، فأنا لا أراها إلاّ في وجوه المسنّين، في وجه جدتي التي أضع صورتها على هاتفي لأتفقّد نظراتها الطيّبة في كل لحظة}.

 توضح مراد أنها عانت في مسيرتها الفنية إذ شقت طريقها بمفردها من دون مساعدة أو دعم، وحرصت على إضفاء إحساسها في كل عمل قدّمته، {حالي كحال فنانين كثر، لكن الفرق بيننا أنّي لم أُحَطْ بأصحاب خبرات ليختصروا لي طريق النجومية}.

ناصيف زيتون

“فرق كبير بين الفن في القديم والواقع الفني الذي نعيشه اليوم. لا شك في أن {العملاقين} وديع الصافي وزكي ناصيف كانا الدافعين الأولين لي لخوض مجال الفن، فأنا تربيت على صوتيهما وأعشق أغانيهما}، يقول ناصيف زيتون مشيراً إلى أن زمن الفن القديم لن يتكرر، وأن أصوات الفنانين الكبار تبقى عالقة في أذهان الأجيال المتعاقبة.

يعزو زيتون تجديده أغنية {يا عاشقة الورد} للفنان زكي ناصيف في ألبومه الجديد {يا صمت} إلى حنينه الدائم إلى زمن الفن الجميل، يقول: {أعشق هذه الأغنية وأرددها باستمرار. لا أحد يصدّق أنني حين أؤدي هذه الأغنية تتجلّى صورة زكي ناصيف أمامي». وحول تأثره بوديع الصافي يؤكد: «أعيش ازدواجية في هذه الناحية، فأنا من عشاق وديع الصافي ومغرم بفنّه إلى أبعد الحدود، إنما أغاني زكي ناصيف أقرب إلي».

سعد رمضان

«عمالقة الفن القديم لن يتكرروا. على الفنانين الشباب الحفاظ على رقي الفن وإكمال مسيرة الكبار الذين نشروا الأغنية العربية في أصقاع الأرض»، يوضح سعد رمضان مشيراً إلى أن الفنان الحقيقي، إلى أي زمن انتمى، يجتهد ويصقل موهبته ليكون عند حسن ظن الجمهور، ومؤكداً أنه يعشق أصوات وديع الصافي وفيروز وزكي ناضيف وغيرهم من العمالقة «الذين قدموا أعمالا ستبقى خالدة في أذهان الأجيال كافة».

يضيف رمضان: «في الماضي كانت المعايير صعبة وكان العالم مختلفاً، أما اليوم فيسهل الوصول إلى الناس، بما أننا نعيش زمن الفورة المعلوماتية ووسائل التواصل الاجتماعية، رغم الصعوبات التي يواجهها كل من يخوض مجال الفن، في ظل غياب شركات الإنتاج وازدحام الأصوات».

سمير صفير

“تاريخ لبنان الفني غني بالمبدعين على غرار الأخوين رحباني وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة... أين هم القيمون على الفن راهناً من هؤلاء المبدعين الذين أدهشوا العالم؟} يتساءل الملحن سمير صفير في حديث له، موضحاً أن الفن اليوم اختلف عن الماضي وبات يُستخدم لأهداف مشبوهة، {الأسوأ أن البعض يقنع نفسه بأنه يتمتّع بموهبة فنية وهو لا يمتّ إليها بصلة}.

يضيف: {صحيح أن الدنيا تتغير لكن نحو الأسوأ ونسير نحو الحضيض والابتذال}. يحمّل صفير وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة مسؤولية هذا التدهور، إضافة إلى المنتجين الذين يساهمون بالجريمة التي تُقترف بحق الفن اللبناني، لأنهم يفضّلون من {يزعق} لأجل حفنة من الدولارات ويستبعدون المواهب الحقيقية}.

تغيّر  سُبل الاتصال

القاهرة –  هيثم عسران

لكل جيل مميزاته، بحسب النجمة سهير رمزي التي عاصرت الفن في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وصولا إلى اليوم، ففي الزمن الجميل لم تكن وسائل الإعلام بالكثافة الموجودة اليوم، بالإضافة إلى صعوبة التواصل مع الجمهور، وكان الأمر يقتصر على المشاركة في عروض الأفلام أو المناسبات الفنية.

تضيف أن الإيرادات التي تحققها الأفلام في دور العرض كانت مقياس نجاحها في الماضي. أما اليوم فلم تعد الإيرادات الحكم الوحيد نظراً إلى قصر الفترة بين العرض السينمائي والفضائي عبر شاشات التلفزيون، وإلى تغير معايير الإنتاج نفسها.

لا تقتنع رمزي بمقولة أن العمالقة هم فقط من عاشوا في الماضي، ذلك أن كثراً منهم لم يحصلوا على حقهم المعنوي إلا بعد وفاتهم، ولأن المقارنة تظلم الأجيال الشابة، نظراً إلى اختلاف الظروف والتفاصيل.

تؤكد أن لدى الشباب فرصة ليكونوا عمالقة في المستقبل، ويتوقف ذلك على عوامل عدة من بينها الحفاظ على مستواهم الفني ودرس خياراتهم، مشيرة إلى أن لقب {عملاق} لا يطلق على أي فنان قبل مرور عشرين عاماً على الأقل على وقوفه أمام الكاميرا، وما زال أمام الفنانين الشباب  عمر طويل.

مقارنة ظالمة

يرى الفنان الشاب عمر حسن يوسف أن لكل فترة زمنية مميزاتها، فهو يتابع، على سبيل المثال، ردة فعل الجمهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويتابع تعليقات أصدقائه حول أعماله، وهذا أمر لم يكن موجوداً في الماضي، مشيراً إلى أنه استفاد من التقنيات الحديثة لتطوير مهاراته الفنية والاطلاع على الأعمال الأجنبية عبر الإنترنت.

يضيف أن من الظلم المقارنة بين فنانين شباب في بداية حياتهم وفنانين كبار قدموا مسيرة فنية حافلة، لأن للفنان الناجح شخصيته المستقلة ولا يقلد أحداً بهدف إثبات مكانته على الخارطة الفنية.

أما الفنان عمرو رمزي فيوضح أن الظروف التي يمرّ بها البلد في كل مرحلة تاريخية تطبع الجيل الذي يعيش فيه وتؤثر على الإنتاج، معتبراً أن الأوضاع السينمائية اليوم ترخي بثقلها على الفنانين الشباب ولا توفر لهم فرصة مناسبة، نظراً إلى تراجع المنتجين وظروف الثورة، لذا لا يمكن مقارنتهم بنجوم زمن الفن الجميل.

يضيف رمزي أن عمله مع الفنان الكبير عادل إمام في مسلسل {فرقة ناجي عطا الله} منحه فرصة للوقوف أمام أحد عمالقة هذا الزمن، وقد استفاد منه على المستويين الفني والشخصي، مؤكداً أنه يفضل الزمن الحالي لأنه شارك مع الزعيم في عمل واحد.

 

غناء مع عبد الحليم

لطالما تمنت الفنانة المغربية الشابة جنات أن تعيش في زمن الفن الجميل كي تشارك عبد الحليم حافظ الغناء، فهي تعتبره مثلها الأعلى وتحفظ أغانيه، مشيرة إلى أن التكنولوجيا الحديثة عوضتها ذلك، عندما نفذ الجمهور مكساج لأغنية بصوت عبد الحليم وصوتها وطرحها عبر الإنترنت.

تضيف أن ميزة التواصل مع الجمهور لم تكن موجودة في الزمن الجميل كما هي متاحة اليوم، مؤكدة أنها تستطيع اكتشاف إعجاب الجمهور بالأغاني الجديدة التي تقدمها، ليس من خلال مبيعات الكاسيت فحسب، إنما من عدد تحميلها عبر الإنترنت.

تحرص جنات على إشراك الجمهور في اختيارها للأغاني المصورة من خلال استطلاع رأيه على الإنترنت وعبر صفحتها الخاصة، ورصد ردة فعله على جديدها باستمرار، لافتة إلى أنها لا تتخيل الحياة من دون هذه الوسائل التكنولوجية التي حولت العالم بالفعل إلى قرية صغيرة.

back to top