لماذا لم تنته أزمة اليورو؟!

نشر في 01-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 01-03-2013 | 00:01
No Image Caption
اعتبر أوروبيون كثر مونتي أحد قادة اليورو وأبرز المدافعين عنه، لكن هزيمته تشكل رسالة مدوية من الناخبين الإيطاليين، مفادها أنهم لا يأبهون بإصلاحات مونتي التي أنقذت اليورو، وأدت بإيطاليا إلى حالة من الركود.
 Michael Schuman رحل رئيس الوزراء الإيطالي ماريو مونتي، بعد أن عقد مؤتمرا صحافيا في مقره في 25 فبراير 2013 في روما بإيطاليا.

خلال الأشهر الأخيرة، بدا أن أوروبا تكذب المشككين في قدراتها. فبفضل التدخل المدروس، الذي قام به رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي نحو منتصف عام 2012، تراجعت عائدات السندات الإيطالية والإسبانية (التي كانت ترتفع إلى معدلات قد تعرض هاتين الدولتين لعملية إنقاذ مكلفة) إلى معدلات أقل حدية. فعاد الهدوء إلى الأسواق المالية المتقلبة. وهكذا سار الاتحاد الأوروبي بتثاقل نحو التكامل الأكبر الذي يُعتبر السبيل الوحيد إلى الخروج من أزمة الدين بالاتفاق على تشكيل ائتلاف مصرفي في شهر ديسمبر. تمكن قادة منطقة اليورو واليونان من تخطي بعض خلافاتهم لإبقاء هذا البلد في الاتحاد النقدي. كذلك تتواصل الإصلاحات في الاقتصادات المتعثرة وإن ببطء. فتعمل إسبانيا بدأب وبمساعدة الاتحاد الأوروبي على إصلاح قطاعها المصرفي، الذي هزته أزمة الإسكان في البلد. نعم، يبدو أن زمن الابتهاج قد حل بالنسبة إلى المتفائلين الذين يصرون على أن مَن يتوقعون نهاية أكثر تشاؤماً لأزمة الدين في منطقة اليورو (خروج إحدى الدول الأعضاء أو أكثر، حتى انهيار الاتحاد النقدي كله) مخطئون.

علي أن أقر بأنني كنت أحد المتشائمين. فقد حذر كثيرون منا أنه من دون تغييرات بنيوية كبيرة لتقوية الاتحاد النقدي، وإصلاحات مكثفة داخل دول منطقة اليورو، ومقاربة مختلفة تماما لمعالجة هذه الأزمة (لا التقشف والتقشف والمزيد من التقشف)، من المستحيل حل أزمة الدين. لكن هل نجحت أوروبا حقاً في الافلات من براثن الموت دون إجراء الإصلاحات الكبيرة التي ظنها خبراء اقتصاد كثيرون ضرورية؟ رحت أتساءل طوال الأسابيع الأخيرة عما إذا كانت تحليلاتي قد أخفقت بالكامل. لكن سرعان ما أتت الانتخابات الإيطالية لتعطيني الجواب.

تُظهر الانتفاضة السياسية في ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو خلال مرحلة الانتخابات الوطنية هذه مدى الاضطرابات التي تبتلي منطقة اليورو، والمخاطر التي لاتزال أزمة الدين تشكلها على الاقتصاد العالمي.

أظهرت النتائج الأولية الاثنين أنه ما من حزب حقق فوزاً ساحقاً، مع حصول بيير لويغي بيرساني وائتلافه اليساري الوسطي على عدد من الأصوات أكبر قليلاً مقارنة بائتلاف سيلفيو بيرلسكوني اليميني، إلا أن هذا الفارق جاء صغيراً. أما الأسباب التي جعلت الإيطاليين يصوتون مجدداً لبيرلسكوني، الذي تحيط به الفضائح من كل جانب وأُرغم على التخلي عن منصب رئيس الوزراء قبل نحو سنة، فلا تُعتبر اقتصادية بقدر ما هي نفسية. لكن من وجهة النظر الاقتصادية، لا تعزز نتائج الانتخابات الثقة بقدرة روما على المضي قدماً بالإصلاح كي تحفز النمو وتحد من الدين. فلا يمكن الاعتماد لا على بيرساني (شيوعي سابق) ولا على بيرلسكوني (الذي عجز خلال ولايته الأخيرة في رئاسة الوزراء عن معالجة المآسي الاقتصادية الإيطالية) لتنفيذ الإصلاحات العمالية الحازمة والاقتطاعات في الموازنة، وذلك إن افترضنا أن أحدهما يستطيع تشكيل حكومة مستقرة. فلا يبدو أن أي حزب سيخرج من الانتخابات وهو يتمتع بتفويض شعبي لتطبيق أجندة متشددة. ويكثر الحديث عن الوصول إلى حائط مسدود بالكامل، قد يتطلب عقد انتخابات جديدة لتجاوزه.

تكشف الانتخابات الإيطالية السرعة التي قد تعود بها أزمة الدين في منطقة اليورو إلى الحياة. فقد عاودت عائدات السندات الإيطالية بآجال العشر سنوات، التي تشكل مقياسا للمخاطر التي يراها المستثمرون في دين روما، الارتفاع بعد أن اتضحت فوضى الانتخابات. فتراجعت الأسهم في الولايات المتحدة مع هذه الأخبار. وجرى التداول بمؤشر FTSE MIB الإيطالي بأدنى بنحو 4.7%، إلى حد أنه تراجع نحو 5% في مرحلة ما يوم الثلاثاء. وهكذا تكشف لنا الأسواق أن كل حدث في أي من اقتصادات منطقة اليورو المضطربة قد يسبب تقلبات تؤثر في مستقبل الاتحاد النقدي.

علاوة على ذلك، ترسل الانتخابات إشارات أكثر خطورة. تعرض ماريو مونتي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، وخلفاؤه لهزيمة نكراء في الانتخابات، فقد حلوا في المرتبة الرابعة. دُفع مونتي، مفوض سابق في الاتحاد الأوروبي، بزخم إلى سدة رئاسة الحكومة في أواخر عام 2011 كي يطبق مهاراته التكنوقراطية بهدف إصلاح الاقتصاد في إيطاليا، والحؤول دون انهياره. وقد نجح في تحقيق ذلك، معتمداً بعض اقتطاعات الموازنة القاسية والحد من قيود الدولة. لذلك اعتبر أوروبيون كثر مونتي أحد قادة اليورو وأبرز المدافعين عنه. لكن هزيمته تشكل رسالة مدوية من الناخبين الإيطاليين، مفادها أنهم لا يأبهون بإصلاحات مونتي التي أنقذت اليورو، والتي أدت بإيطاليا إلى حالة من الركود. وهكذا أصبح مونتي آخر ضحية سياسية من ضحايا أزمة اليورو. كذلك أدت خيبة الأمل عينها الناجمة عن الإصلاحات إلى تعزيز دعم الأحزاب التي كانت سابقا على الهامش. فقد احتلت حركة "النجوم الخمسة" الجديدة، التي اعتمدت في حملتها برنامجاً مناهضاً للتقشف، المرتبة الثالثة في الانتخابات. ومن هنا نستخلص أن الخطوات الضرورية لترسيخ اليورو لا تحظى بالشعبية السياسية لتُطبق في السياسات الأوروبية الديمقراطية اليوم، وهذا واقع يتجاهله غالبا القادة الأوروبيون.

إضافة إلى ذلك، تشكل نتائج الانتخابات إشارة إلى أن أزمة الدين في منطقة اليورو لاتزال بالنسبة إلى الشعب الأوروبي بعيدة كل البعد عن النهاية. لا شك في أن أسواق السندات ازدادت استقراراً. بيد أن العامل العادي لايزال يعاني بشدة جراء هذه الأزمة. فقد بلغت البطالة في منطقة اليورو 11.7% في شهر ديسمبر. وفي إسبانيا واليونان، ارتفعت إلى أكثر من 26%. ولن تُحَل هذه المشكلة، على ما يبدو، في المستقبل القريب. على العكس، يتوقع الاتحاد الأوروبي أن تواصل البطالة ارتفاعها في عام 2013. كذلك لا تبدو احتمالات النمو أفضل حالا. فقد تقلص الناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو بنحو 0.5% عام 2012. ويتوقع الاتحاد الأوروبي أن تعاني المنطقة تراجعاً إضافياً يُقدر بنحو 0.3% عام 2013. حتى الدول الكبرى التي لا تعاني المشاكل لن تسجل نموا يُذكر.

صحيح أن الأسواق خُدرت وهدأت بسبب كرم المصرف المركزي ووعده بالمزيد من الكرم، غير أن الأزمة دخلت مرحلة مختلفة على أرض الواقع. ربما يكون الخطر الذي يهدد استمرار اليورو قد تراجع (مؤقتاً على الأقل)، لكن أوروبا تواجه اليوم مهمة شاقة، مهمة إصلاح اقتصاد المنطقة المحطم. لا نعرف بعد السبل التي يمكن أن تتبعها دول مثل إسبانيا واليونان لتنجح في العودة إلى تأمين المزيد من الوظائف والانطلاق مجدداً نحو النمو السليم. فضلاً عن ذلك، تتجه بعض اقتصادات منطقة اليورو الأضعف، مثل إسبانيا واليونان والبرتغال، نحو أزمة "العقد الضائع". حتى الاقتصادات التي يُفترض أن تكون أقوى، مثل ألمانيا وهولندا، بدأت تعاني. لذلك أخشى أن نشهد سيناريو شبيهاً بما حدث في اليابان في أوروبا، حيث لا تُعالج الأزمة المالية بالزخم الكافي، ما سيكبح النمو طوال سنوات بعد انتهاء أسوأ اضطرابات السوق.

الأسباب التي أوقعت أوروبا في هذا المأزق هي ذاتها التي لا ينفك يرددها المتشائمون. فلا تملك أوروبا استراتيجية واسعة النطاق لتحفيز النمو. لم تُصلِح قطاع المصارف. مازال التقدم نحو التكامل يرزح تحت الكثير من الشوائب. لا تأتي المقاربة المهووسة بالتقشف بثمار حقيقية. وهذا مجرد غيض من فيض. وتشكل التقلبات السياسية الأخيرة في إيطاليا انعكاساً لهذه المشاكل، وإشارة إلى أن هذه المشاكل لم تُحَل بعد. ولا شك في أن هذه المشاكل لن تكون الأخيرة فقد تظهر بأوجه أخرى كثيرة في المستقبل القريب.

back to top