وجهة نظر القطاع الخاص: مقال مخصص للمبتدئين فقط!

نشر في 25-01-2013
آخر تحديث 25-01-2013 | 00:00
 د. عباس المجرن في كل يوم جديد تطالعنا الصحف بمطالبات عدد من نواب مجلس الأمة ومن أصحاب الأعمال للحكومة بتبني سياسات تدعم القطاع الخاص من خلال خطط قطاعية موسعة ومنظومات جديدة للدعم والحوافز يتم وضعها بالاستعانة ببيوت خبرة عالمية ومؤسسات دولية متخصصة. وقد تكررت مثل هذه المطالبات على مدى العقود الثلاثة الماضية، كما أعدت الدراسات والاستشارات الفنية، وتم استقدم عدد من الخبراء الأجانب ووضعت خطط واستراتيجيات متنوعة تهدف كلها الى تنمية وتحفيز القطاع الخاص. ولكن بالرغم من كل هذا الكم الهائل من البحوث وتوفير عدة مزايا وحوافز، مازال حال القطاع يواصل التراجع والانحدار من سيئ إلى أسوأ. وعلى غرار سلسلة الكتب الشهيرة “For Dummies” الواسعة الانتشار، اخترت أن أسوق بديهيات عما نحتاج إلى أن نعرفه عن سياسات تنمية القطاع الخاص، والتي يمكن اختصارها في ثلاثة مبادئ أساسية هي:

1. التخلص من المياه الآسنة: لو شبهنا الاقتصاد الوطني بسد أو خزان مياه مشيد من الطوب العازل وتخيلنا ان المياه في اسفل الخزان هي القطاع الحكومي فسيكون الهواء في الجزء العلوي من الخزان بمنزلة القطاع الخاص، ومن ثم فإن التوسع في دور القطاع الخاص يتطلب منا التخلص من بعض المياه في الخزان، وخصوصا الآسنة منها والتي تمثل انشطة القطاع العام المترهلة. ويمكن أن يتم ذلك عن طريق آليات الخصخصة المباشرة، أو التحويل إلى متعهدين (subcontracting) أو عبر مشاريع البي أو تي BOT، وغير ذلك من السبل التي تتيح للقطاع الخاص أن يحل جزئيا أو كليا محل الحكومة في إنتاج بعض السلع والخدمات.

2. إكمال بناء الخزان: تركز أدبيات الاقتصاد الحديث على أهمية دور الدولة في بناء وتوفير البنية الأساسية كمطلب رئيسي لازدهار القطاع الخاص. وتمثل البنية الأساسية في هذا السياق اللبنات التي تحدد الطاقة الاستيعابية للاقتصاد الوطني ومدى قدرة القطاع الخاص على النمو والتوسع، وهي لا تقتصر على الطرق والكهرباء وغيرهما من المرافق العامة، ولكن تشمل أيضا الإطار التشريعي والأمن والتعليم والرعاية الصحية الأساسية.

وفي هذا الخصوص، قد يثار تساؤل عن مدى امكانية التوافق بين المبدأ الأول الذي يدعو الى تقليص حجم الدولة والثاني الداعي الى توفير الخدمات الأساسية؟ ألا يعني أن احتياجات القطاع الخاص سوف يتم تلبيتها بشكل أفضل بزيادة المباني الحكومية والمكاتب المجهزة وأعداد الموظفين؟ وفي معرض الإجابة عن هذا التساؤل يجب التأكيد على أن مفهوم «توفير البنية الأساسية المناسبة» يرتبط أساسا بمدى استفادة القطاع الخاص من الخدمات والمرافق، مما يعني أهمية الجانب النوعي وليس الكمي او الصرف المالي أو عدد العاملين في قطاع المرافق والخدمات العامة. وفي الجانب التشريعي على سبيل المثال، نجد أن الكويت تتميز بوجود قوانين شاملة ومتكاملة نسبيا، كما أن هناك وفرة في المحاكم والادارات المتخصصة تدار من قبل طاقم ضخم من الموظفين والعاملين، ولكن رغم ذلك فإن إجراءات التقاضي مازالت بطيئة ومعقدة، في حين يقف الجهاز التنفيذي للدولة عاجزا عن تطبيق معظم الأحكام بعد صدورها. ومن هنا يمكن القول بأن معيار «كفاءة» وليس «وفرة» الخدمات العامة هو الشرط المطلوب للارتقاء وبناء قطاع خاص واعد.

3. خلق وتوطين المعرفة: تعتبر المعرفة إحدى اللبنات الأساسية لخلق اقتصاد منتج وهي في معظم أشكالها سلع عامة (Public Goods) يصعب تسعيرها وتحديد المستفيدين منها، مما يحد من إمكانية الاعتماد الكلي على القطاع الخاص كمنتج للمعرفة، مما يستدعي بالتالي تدخلاً من قبل الدولة لإنتاج وتوطين المعرفة. ومن هذا المنطلق يمكن أيضا اعتبار المعرفة كعناصر من مكونات البنية الأساسية، والتي يمكن تباعا إدراجها ضمن بنود المبدأ الثاني أعلاه.

وتأتي أهمية قضية «التوطين» عند الحديث عن المعرفة لما لذلك من ارتباط وثيق بخلق بناء اقتصادي يتميز بالاستدامة (sustainability) بدلاً من ظهوره كطفرة طارئة مرتبطة بالوفرة النفطية. وربما كان من أكثر نقاط سوء الفهم في هذا المجال هو الاعتقاد الشائع بأن توطين المعرفة يتطلب بالضرورة الاعتماد الكلي على العمالة الوطنية، وهي أطروحة لا تتفق مع واقع حال العديد من التجارب الناجحة، فدول أخرى (مثل الإمارات) تمكنت من تنمية القطاع الخاص وتوطين المعرفة من خلال وجود بيئة اجتماعية متسامحة ومنفتحة ووجود قوانين تتيح للوافدين قدرا من المرونة في التملك والهجرة.

أما في الكويت فنجد أن القطاع الخاص يواجه إشكالية فريدة في توطين المعرفة تتمثل في ندرة العنصر الوطني نظرا لضياع طاقاته في الثقب الأسود الهائل المسمى مجازا القطاع العام، تزامنا مع تسرب عال وعدم استقرار للعمالة الوافدة، وخصوصا ذوي الكفاءات العالية، بسبب البيئة الاجتماعية الطاردة وقوانين الهجرة الصارمة ومنع التملك العقاري!

وقد يتساءل البعض: وماذا عن تجارب الدول التي نجحت في تطبيق سياسات دعم مالي وحمائي بأسلوب انتقائي لقطاعات استراتيجية معينة مثل التمويل والصناعة؟ أليس من الأفضل أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، وأن نقتبس من هذه التجارب الناجحة؟ ورداً على هذا التساؤل، فإن الإجابة المختصرة هي كالآتي: تم خلال العقدين الماضيين تطبيق العديد من السياسات الصناعية الموجهة في شتى بقاع العالم، وقد فشل معظمها فشلاً ذريعاً، ونجح القليل منها بتكلفة باهظة، وكان ذلك في دول تميزت بوجود قطاع عام عالي الكفاءة ! وربما تقودنا هذه الملاحظة الى طرح مبدأ رابع وأخير بشأن أساسيات تنمية القطاع الخاص، وهو تأكيد وتكرار القول الشائع بأن الإصلاح يجب أن يبدأ من الداخل!

back to top