لمَ يريد بوتين قواعد أميركية في أفغانستان؟!

نشر في 23-05-2013
آخر تحديث 23-05-2013 | 00:01
أعلن الرئيس الروسي بوتين في وقت سابق من العام الماضي: «لا شك أن الهدوء على حدودنا الجنوبية يخدم مصالحنا، نحتاج إلى مساعدة [قوات الولايات المتحدة والائتلاف] دعوها تحارب... فهذا يخدم مصالح روسيا الوطنية».
 موسكو تايمز أعلن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في التاسع من مايو أنه سيسمح للولايات المتحدة بالاحتفاظ بتسع قواعد عسكرية في أفغانستان بعد انتهاء المساهمة الأميركية المباشرة في الحرب الأفغانية عام 2014، فماذا كان رد فعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجاه احتمال أن تتحوّل أفغانستان إلى "حاملة طائرة أميركية عملاقة"، على حد قول المحلل السياسي المقرب من الكرملين، يوري كروبنوف؟

بعد إعلان كرزاي، ظننت على الأرجح أن الكرملين سيقدم احتجاجه المعتاد عن أن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كليهما يحاولان إنشاء "حلقة آناكوندا" خانقة حول روسيا، بدءاً من دول البلطيق، وبولندا، ورومانيا، وجورجيا، وتركيا وصولاً إلى أفغانستان، وكوريا الجنوبية، واليابان. لربما توقعت أيضاً جرعة من الديماغوجيا المناهضة للولايات المتحدة تتمحور حول أن الحكومة الأميركية تستخدم القواعد الأفغانية لتدير تجارة تصدير مخدرات مربحة تشمل رحلات تقل خلالها طائرات الشحن الأميركية كميات كبيرة من الهيروين من روسيا وأوروبا، أو أن القواعد الأميركية في أفغانستان قد تُستخدم لتوجيه ضربة إلى روسيا. فيهوى يوري كروبنوف وغيره من المحللين المحافظين الموالين للكرملين تذكير الروس أن صاروخاً نووياً أميركياً قد يصل إلى موسكو في أقل من 20 دقيقة بعد انطلاقه من قاعدة جوية أميركية في باغرام بأفغانستان.

لكن الكرملين حافظ بشكل مريب على صمته بشأن إعلان كرزاي الأخير عن القواعد الأميركية. إلا أن ضبط النفس هذا جاء في الوقت عينه ملائماً لموقف بوتين العام من الأمن الأفغاني، الذي عبّر عنه أولاً في شهر فبراير عام 2012 خلال خطاب ألقاه في مدينة أوليانوفسك، مركز عبور أميركي-روسي مشترك لنقل معدات الحرب الأميركية من أفغانستان. خلال خطابه هذا الذي تلاه أمام مجموعة من نخبة المظليين الروس، قدّم بوتين دعماً واضحاً للحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان.

أعلن بوتين: "لا شك أن الهدوء على حدودنا الجنوبية يخدم مصالحنا. نحتاج إلى مساعدة [قوات الولايات المتحدة والائتلاف]. دعوها تحارب... فهذا يخدم مصالح روسيا الوطنية".

شدد بوتين أيضاً على أن الولايات المتحدة قبِلت بمسؤولية إلحاق الهزيمة بـ"طالبان"، وأن على القوات الأميركية أن تبقى هناك إلى أن تنهي مهمتها هذه.

لم يصدّق كثيرون آذانهم وهم يسمعون بوتين يعلن هذه الكلمات. هذا هو بوتين ذاته الذي لم يسأم طوال العقد الماضي من اتهام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بتقويض أمن روسيا القومي بتوسيع بنيتهما التحتية في أوروبا شرقاً باتجاه الحدود الروسية.

خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية التي قادت فيها الولايات المتحدة الحرب في أفغانستان، سنحت للكرملين فرص كثيرة ليستغل إخفاقات الولايات المتحدة، بما فيها الانتخابات الرئاسية الأفغانية غير النزيهة عام 2009 وتأكيد كرزاي أخيراً أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قدّمت أكياساً من المال بقيمة ملايين الدولارات إلى مكتبه منذ ديسمبر عام 2001، حين أصبح رئيس البلاد. رغم ذلك، قلما انتقد الكرملين محاولات الولايات المتحدة "نشر الديمقراطية" في أفغانستان. كذلك لم يتطرق إلى موضع انتقاده المفضل، المعايير المزدوجة الأميركية، بالإشارة إلى أن الولايات المتحدة، التي لا تفوّت فرصة لتنتقد مستوى الفساد العالي في روسيا، هي المصدر الأكبر للفساد في أفغانستان.

ولكن ما أسباب ضبط النفس غير المألوف الذي عبّر عنه بوتين حيال الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان، فضلاً عن نظرته العملية إلى القواعد الأميركية التي قد تبقى في هذا البلد بعد عام 2014؟

يعود ذلك إلى أن الأمن، الذي توفره الولايات المتحدة لحدود روسيا الجنوبية، بالغ الأهمية بالنسبة إلى الكرملين، حتى إن بوتين مستعد، في حالة استثنائية نادرة، للتخلي عن خطابه المعهود المناهض للولايات المتحدة بشدة. بالإضافة إلى ذلك، أمام بوتين الكثير من الفرص الأخرى ليلعب ورقة المعاداة للولايات المتحدة كما يشاء، مثل منع الأميركيين من تبني أطفال روسيين، وملاحقة "العملاء الأجانب" الأميركيين في المنظمات غير الحكومية، وتحميل وزارة الخارجية الأميركية مسؤولية تظاهرات المعارضة وخطر الثورة الشبيهة بالثورة البرتقالية.

يملك الكرملين راهناً القليل من مشاريع السياسة الخارجية التي تساعد روسيا في توسيع نفوذها خارج حدودها؛ ومن بين هذه المشاريع لاتحاد الأوراسي المقترح ومنظمة معاهدة الأمن الجماعي. ولكن لن يتحول هذان المشروعان الجيو-سياسيان المهمان إلى واقع، إلا إذا عمّت الجمهوريات السوفياتية السابقة في وسط آسيا الحرية والسلام، وظلت بعيدة عن التطرف الإسلامي.

لكن منظمة معاهدة الأمن الجماعي لم تتمكن حتى اليوم من التوافق على استراتيجية عسكرية جماعية لحماية وسط آسيا من تغلغل حركة "طالبان" وأمثالها بعد عام 2014. وقد جعل قرار أوزبكستان عام 2012 الانفصال عن هذه المنظمة هذه المهمة أكثر صعوبةً، أو بالأحرى مستحيلة.

يعرف بوتين أن احتواء التطرف الإسلامي في أفغانستان ووسط آسيا يشكّل أحد أهم مسائل الأمن القومي الخطيرة التي يواجهها البلد. لا شك أن بوتين لم ينسَ الطريقة التي وصلت بها حركة "طالبان" إلى السلطة في أفغانستان عام 1996 بعد سبع سنوات من انسحاب القوات السوفياتية من البلد، والخطوات التي اتبعتها لتوطّد علاقاتها بالمجموعات الإسلامية المتطرفة في وسط آسيا، مثل حركة أوزبكستان الإسلامية. نتيجة لذلك، شنت هذه الحركة في عامَي 1999 و2000 غاراتها على قرغيزستان انطلاقاً من قواعد تدعمها "طالبان" في شمال أفغانستان. كذلك تُعتبر هذه الحركة متورطة في محاولة اغتيال الرئيس الأوزبكي عام 1999.

علاوة على ذلك، يدرك بوتين أن روسيا لا تملك بمفردها موارد كافية لتمنع حركة "طالبان" وغيرها من المجموعات المتطرفة المتحالفة معها من العودة إلى السلطة في أفغانستان ومن التسلل إلى الدول المجاورة لروسيا في وسط آسيا. كذلك يعي بوتين أن الأميركيين لن يتمكنوا مطلقاً من بناء الجيش الأفغاني المتداعي (الذي يواجه عقبات كثيرة، خصوصاً عدم الكفاءة العام مع بلوغ الأمية 90% ومعدل الفرار 25%) إلى مستوى يتمكن معه من منع "طالبان" بمفردها من استعادة كابول.

ولكن مع استعداد الولايات المتحدة للانسحاب بحلول عام 2014، يمكننا تأكيد أمر واحد: لن يكون بوتين مستعداً لتبني وجهة نظر عادلة ومتزنة من الولايات المتحدة، ما لم يشعر بأن المتطرفين الإسلاميين في أفغانستان ووسط آسيا يشكلون خطراً مباشراً يهدد الأمن القومي لبلاده. ولو أن بوتين يعتمد الأسلوب العملي عينه في تعاطيه مع الدفاع الصاروخي الأميركي، فضلاً عن مجموعة واسعة من المسائل العالمية الأخرى، لبلغت العلاقات الأميركية-الروسية بالتأكيد مستوى جديداً من الثقة والتعاون.

 

Michael Bohm

back to top