«ربيهم يا ريس»

نشر في 29-06-2013
آخر تحديث 29-06-2013 | 00:01
 عبداللطيف المناوي "ربيهم يا ريس" كان هذا هو الصراخ الذي كان يملأ القاعة التي تحدث فيها مرسي الأسبوع الماضي، كانت هذه الصرخة "ربيهم يا ريس" تعبيراً عن ذلك التناغم الذي كان ملموساً بين الرجل وأهله وعشيرته الذين ملأ بهم القاعة، كانت تعبيراً عن تلك الحالة من الانقسام التي باتت خطراً حقيقياً يهدد استقرار وتماسك المجتمع المصري، ها هي فئة تتناغم مع توجهات رئيسها الذي يبدو أنه قرر أن يؤكد ويعمق تلك الحالة، المشكلة هنا هي أن هذا الانقسام الذي تشهده البلاد ليس تعبيراً عن فعل ديمقراطي أو انعكاساً لممارسة صحية - كما ادّعى مرسي- بل هو مقدمة لوضع أبناء الوطن الواحد في مواجهة، وهكذا تكون الجماعة قد نجحت في تحويل مصر إلى "فسطاطَين" على حد تعبير أسامة بن لادن، طرف تقف فيه الجماعة وحلفاؤها والآخر يقف فيه بقية الشعب.

هذا الانقسام ليس تعبيراً عن حالة ديمقراطية كما يحاول أن يدّعي المدّعون، ولكنه ببساطة مقدمات لما هو أسوأ من ذلك، هذا الوضع يكون تعبيراً عن الديمقراطية عندما يكون نتاجاً لممارسة سياسية حقيقية على الأرض بين أطراف سياسية تعبر عن مصالح فئات أو مجموعات بعينها في المجتمع، وعندما تكون القاعدة الحاكمة المتفق عليها هي استخدام آلية الصندوق الانتخابي كوسيلة وحيدة لحسم الخلاف، لكن ما يحدث في مصر الآن هو نتيجة لما شهدته من عملية اختطاف لوطن في اتجاه مختلف تماماً عن طبيعته وحقيقته، اختطاف لنتائج حركة تغيير ظن مَن شاركوا فيها، وقتها وبعدها، أنهم يدفعون نحو الأفضل، فإذا بهم يجدون أنفسهم خارج حسابات الجماعة التي قفزت فوق أكتافهم، وهم حملوها وتحالفوا معها وعندما تمكنت من الحكم بأدواتٍ ادّعت أنها ديمقراطية، بدأت سلوكاً إقصائياً استحواذياً في نفس الوقت، تستحوذ فيه الجماعة على كل مقدرات ومفاصل هذا الوطن وتقصي كل مَن اختلف معها أو عارضها، بل وتتناغم أصوات قيادتها مع قواعدها في أهمية "تربية" هؤلاء المعارضين، لذا كان الصراخ الذي طرب له رئيسهم وهو يلقي خطابه الأخير الذي حذر فيه وأنذر وتوعَّد، في ظل الصراخ "ربيهم يا ريس".

هناك أيام في تاريخ الشعوب تتحول إلى علامات، هذه الأيام قد تحمل ذكرى سلبية أو إيجابية، قد تكون عنوان انهيار كبير أو بناء كبير، لكن هذا اليوم يتحول إلى علامة فاصلة بين ما قبله وما يأتي بعده، من هذه الأيام في حياة المصريين هو يوم غد، يوم الثلاثين من يونيو، أتوقع أن يتحول هذا اليوم إلى علامة فارقة في تاريخ البلاد، وأظن أننا سنتحدث في المستقبل عن مصر ما قبل 30/6 ومصر ما بعد 30/6، ليس بالضرورة أن تكون هذه العلامة الفارقة إيجابية، فقد تكون سلبية، لكن الأكيد أن مصر بعدها لن تكون كمصر قبلها، فهذا يوم حاسم حتى لو مر بسلام، وسوف أحاول أن أشرح لماذا؟

لم أكن من المتوقعين أو المتفائلين بأن الثلاثين من يونيو سيغير من الأمر شيئاً، بل كنت ممن يرى أن حالة السكون المصرية ستكون هي الطريق السريع لجماعة "الإخوان" لتنطلق نحو فرض سيطرتها على كل مناحي الحكم والتحكم في المجتمع، كانت المفاجأة لي وللكثيرين غيري أن المصريين هذه المرة كانوا مختلفين، أو على الأقل قطاع كبير منهم، استطاعت جماعة "الإخوان" الحاكمة بأدواتها المختلفة، بما فيها الرئيس نفسه، وبسلوكياتها وأخلاقها التي أشرت إليها سريعاً، أن تخلق حالة غليان أدت إلى أجواء رفض وعدم تحمل فخلقت وضعاً نفسياً مستعداً للتمرد، فنجحت حملة "تمرد" في أن تنتشر بين كثير من المصريين الذين اعتبروها طريقاً للخلاص الذي قد يأتي أو لا يأتي، ولكنه الخيار الوحيد الذي وجدوا أنفسهم فيه، لذلك تمردوا، هذا التمرد الذي تسبب في تلك الحالة من الغضب والعصبية التي بدت على مرسي ورفاقه، فبدأ حرب الوعيد والتربص بكل مخالفيه ومعارضي جماعته الذين ظلوا يصرخون "ربيهم يا ريس".

كما قلت اليوم فارق ولكن نتائجه ليست بالضرورة كما يتمنى المشاركون فيه من المصريين "المتمردين"، لكن الأكيد أن الواقع السياسي سيكون مختلفاً، فإذا ما نجحت الحركة في ذلك اليوم فإن هذا إعلان عن مرحلة جديدة في تاريخ مصر عندما يعود البلد إلى فلكه الطبيعي كدولة مدنية وسطية تحاول أن تجد لنفسها مكاناً يليق بها وبتاريخها بين الدول، أو قد يتمكن النظام الحالي من تجاوز موجة الغضب والتمرد هذه بأي ثمن، وبعدها سيكون نظاماً مكشراً عن أنيابه انتقاماً من معارضيه الذين تمردوا عليه، وهنا ستدخل مصر مرحلة جديدة قد تطول، في ظل حكم الجماعة تمارس فيها إعادة تربية المواطنين المعارضين. إذن الأمر الأكيد أن مصر بعد هذا اليوم لن تكون كمصر قبلها، والسيناريوهات جميعها مفتوحة، ويظل موقف الجيش هو أحد العناصر الحاسمة التي اجتهد كل طرف في تأكيد ميل الجيش إليه، إلا أن الحقيقة الواضحة هي أن موقف الجيش لن يمكن معرفته إلا على المحك.

لست متجاوزاً حين أعبر عن قلقي من سلوك الجماعة المتوقع، فمقدمات هذا السلوك بدت واضحة من خلال خطاب مرسي الأخير، وهو الخطاب الذي جاء مخيباً للآمال، آمال كثير من المصريين وكثير من العقلاء، وهو الأمر الذي جعل كثيراً من الناس يسخرون من الخطاب كما قال الفنان أحمد حلمي في صفحته على الفيسبوك: "الخطاب تاريخي بمعنى الكلمة، فسيشهد التاريخ أن مرسي أول رئيس يبدأ خطابه يوم الأربعاء لينتهي منه يوم الخميس"، وأضيف: وجمهوره يصرخ "ربيهم يا ريس".

back to top