الكراهية المقدسة

نشر في 07-05-2013
آخر تحديث 07-05-2013 | 12:49
 باسم يوسف  بعد الثورة مباشرة كان هناك اتجاه عام للتصالح بين فئات الشعب المختلفة، فالمشهد الرائع الذي شاهده الجميع في ميدان التحرير دعا الجميع إلى مراجعة مواقفهم بعضهم من بعض، كان أمل الكثير أن نتوحّد جميعاً تحت راية الوطن بدون تفرقة بسبب دين أو جنس أو لون، ذكرى تفجير كنيسة القديسين أصبحت بعيدة، فلا داعي للخوف والتوجس من الشباب السلفيين الرائعين الذين وقفوا جنباً إلى جنب مع الليبراليين واليساريين وبقية المسلمين والمسيحيين.

ولكن للأسف ما هي إلا أسابيع قليلة حتى عاد الخوف والتوجس مرة أخرى، فبدلاً من أن يستغل شيوخ الفضائيات سطوتهم ونفوذهم ليقرّبوا بين الناس ويوظفوا الدين في هدفه السامي الذي أنزلت من أجله الأديان، وهو إفشاء المحبة بين الناس، بدلاً من ذلك، استمروا في نشر الفتاوى التي بسببها دفع شباب السلفيين الثمن في صورة سخرية المجتمع ونفوره منهم.

فعند أول اختبار سقط هؤلاء الشيوخ سقوطاً مدوياً، وحدث ذلك بسبب منطقة حساسة جداً، ألا وهي علاقتنا كمسلمين مع نصفنا الآخر أو، كما تسميهم وسائل الإعلام، شركائنا في الوطن، فهناك طبعاً الفتاوى الشهيرة بـ"حرمانية" التهنئة بأعيادهم، وعدم الاحتفال بها، الحقيقة لم تأتِ هذه الفتاوى كمفاجأة، فنحن نشاهد ونسمع هذه الفتاوى على مدى سنوات، لكن المحزن هو أننا توقعنا بعد الثورة أن الأمور ستتغير، توقعنا أنه بعد توقف التعقب الأمني والاضطهاد لبعض الشباب الملتزمين دينياً سيفيق هؤلاء الشيوخ ويبدأون تغيير خطابهم الديني ويسعون إلى تقريب وجهات النظر، ولكنهم للأسف تمادوا وتوحشوا وعمقوا شرخ الكراهية بين الناس، ففي الماضي رأينا أحد الشيوخ المشهورين في مقطع نشر على "اليوتيوب" يجرم ويؤثم من احتفل بشم النسيم، ومن خرج للتنزه ومن تعامل مع الأقباط ومن اشترى وباع البيض وأكل الفسيخ والرنجة، وكانْ ناقصْ يحرّم علينا الاستيقاظ بل والعيشة في هذا اليوم. كان هذا قبل الثورة، أما الآن فاستمرت هذه الفتاوى حتى أصبح من طقوس الاحتفال بشم النسيم إلى جانب البيض والفسيخ، أن يسأل الناس السؤال السنوي: "هاه يا شيخ ؟ حلال ولا حرام؟".

حتى جماعة "الإخوان" التي تدعي الوسطية، سقطت في الاختبار، فقد رأينا الدكتور مرسي والدكتور الكتاتني في العام الماضي يزوران الكنيسة ليظهرا تضامنهما واحترامهما لإخواننا الأقباط، ثم يتعمدان ترك الكنيسة قبل بدء المراسم الدينية، ودافع قواعدهما عن ذلك بأنها مراسم غير إسلامية، وفيها ذنب كبير لمن حضرها من المسلمين، (طبعا بعد أن فازوا بالرئاسة أراحوا واستراحوا ولم نرَ أحداً من قياداتهم بالمرة) حقيقة عجبني التبرير، فكيف تشارك وتشهد مراسم لدين غير دينك؟ فبذلك أنت مشارك في هذا الإثم، ولكن نسي الإخوان محترفو السياسة والساعون لأستاذية العالم أنه في أول أسبوع في رمضان يستضيف البيت الأبيض إفطاراً سنوياً لممثلي المنظمات الإسلامية الأميركية، بل ويُرفع داخل البيت الأبيض الأذان، وبعد أن يكسر المدعوون صيامهم تتم دعوتهم إلى داخل قاعة كبيرة جداً داخل البيت الأبيض ليجدوا سجادة صلاة ضخمة متجهة إلى القبلة ليصلوا المغرب.

يفعل ذلك الأميركان بينما لا تتعدى نسبة المسلمين في أميركا الستة في المئة من السكان.

رجوعاً إلى بلدنا العزيز مصر، الحقيقة لم أكن أشغل نفسي بفتاوى تحريم التهنئة بالأعياد، فالحمد لله لا أنتظر فتوى من هؤلاء لأقوم بعمل ما تعودت عليه ورباني أهلي عليه طوال عمري، لكن ما جعلني أندهش فعلاً هو مشاهدتي للقاء تلفزيوني يقدمه الأستاذ خيري رمضان واستضاف فيه بعض الشخصيات الدينية مثل الأستاذ خالد سعيد من الجبهة السلفية والقس فلوباتير منذ عدة أشهر، وتطرق الحديث طبعاً إلى العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، ثم كانت هناك مداخلة تلفونية للشيخ ياسر البرهامي رئيس الدعوة السلفية، استمعت إلى المداخلة وهو يشرح كيفية التعامل مع الإخوة المسيحيين، ووجدت أنه يفرق بين محبتهم والولاء والبراء، ثم أعلن أنه كمسلم لابد أن يعدل معهم ويقسط إليهم، ولكنه لا يستطيع أن "يحبهم" لأن الحب مصدره القلب ولا يستطيع أن يسيطر عليه، واصلت مشاهدة هذا اللقاء الأسطورة، وخيري رمضان يحاول أن "يفاصل" مع د. ياسر برهامي بأننا لابد أن نحب إخواننا في الوطن والدكتور ياسر برهامي مُصرّ على موقفه، مستعيناً بآيات وأحاديث مفسرة تبعاً للكتب والمراجع المقتنع بها هو، والمقتنع بها الكثير من التيار السلفي.

طبعاً، استغل القس فلوباتير ذلك، وقال له "طب أنا بحبك إيه رأيك بقى؟"، وحدثت مداخلة بعدها للحبيب علي الجفري يعلن فيها محبته للمسيحيين بدون قيد أو شرط.

تابعت هذا اللقاء العبثي وأنا أفكر في ما سيحدث إذا تمت ترجمة هذا اللقاء ونُشِر ليشاهده غير المسلمين؟ أي رسالة يبعث بها هؤلاء المشايخ؟ كيف سيعتنق هؤلاء الدين وأمامهم أشخاص يضعون الشروط الشرعية ويدخلون الناس في المتاهات الفقهية حتى يقرروا هل يحبون إنساناً آخر أم لا؟ ألم يفكر الدكتور ياسر برهامي وغيره أن وضع هذه الشروط الغريبة للتعامل مع مَن هم على غير ديننا سينفر الآخرين من الإسلام؟ كيف نفتخر أننا دين الحب والتعايش والسلام ونحن نضع شروطاً لنحب من هم إخواننا في الإنسانية قبل أن يكونوا إخواننا في الوطن؟

لقد تحول ديننا على يد هؤلاء المتعصبين إلى جماعة "ألتراس" تكره الفرق الأخرى بدون قيد أو شرط، وتحتقر الآخرين، ليس فقط من الأديان الأخرى، ولكن من نفس الدين لأنهم على غير دين الألتراس.

كيف وأنت مأمور بنشر هذا الدين تتعمد تنفير الآخرين منك؟ كيف تعلن عدم حبك بل واحتقارك للأديان الأخرى والدعوة عليهم كما يحدث على منابر المساجد؟ هل تتوقع أن يأتي إليك اليهودي أو المسيحي أو البهائي أو الملحد ويقول لك "اضرب كمان عايز أتوب"؟

هل مسح هؤلاء آيات الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة من قرآنهم؟ هل زهدوا في كسب تابعين جدد وفرحوا بزيادة تعصب من معهم؟

لذلك لم أعد أستغرب فتاوى تحريم تهنئة المسيحيين وغيرهم، هؤلاء افتقروا إلى أول مبادئ الإنسانية، فوضعوا شروطاً لكبح أجمل المشاعر التي خلقها الله في قلوبنا وهي الحب، فأصبحوا كراهية متجسدة تمشي على الأرض، فلا تستغرب حين ينفجر خلاف طائفي هنا أو هناك بسبب بناء كنيسة أو إقامة شعائر، ويؤججه أحد هؤلاء المدّعين، فهؤلاء نزعت من قلوبهم الرحمة والحب وحل محلها الكراهية والبغض. 

لذلك قررت هذه السنة ألا أهنئ المسيحيين بعيدهم، فعيد أخي الإنسان هو عيد لنا جميعاً، كل سنة وإحنا كلنا طيبين. 

 

* ينشر باتفاق خاص مع «الشروق» المصرية

back to top